دولة الخلافة.. فزّاعة تحت الطلب!

دولة الخلافة.. فزّاعة تحت الطلب!
منذ الإعلان عن اندماج جناحي القاعدة في سورية والعراق تحت راية "الدولة الإسلامية في العراق و الشام"، بدأ الحديث عن البيعة التي يجب أن يقوم بها كل المقاتلين الذين يرفعون رايات الجهاد، اعتماداً على الحديث الشريف "من مات منكم وليس في رقبته بيعة، مات ميتة جاهلية" وبدأ الترويج لأمير تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "أبو بكر البغدادي"، لتكون له المبايعة، وبالتالي خليفة المسلمين. إلا إن هذه المبايعة، أو هذا الإعلان عن قيام دولة الخلافة لم يتم، لأسباب قد تكون تكتيكية، الهدف منها الانتقال خطوة ًخطوة في طريق تأسيس دولة الخلافة بأوامر عليا!

فبعد السيطرة على مناطق واسعة من العراق، بدأ الحديث عن مفهوم إنهاء الحدود، وإلغاء ما يسمى بـ"اتفاقية سايكس-بيكو"، التي تعني بشكل أو بآخر اندماجاً سورياً – عراقياً، وبالتالي هناك طرح مفهوم جديد لمسألة حدود الدولة التي بدأت تتمدد، ووصلت حتى أطراف بغداد، دون السعي للوصول إلى مناطق هي بالشكل عراقية، وإنما بالمضمون إيرانية – حسب الرؤية البريطانية التي كانت تسيطر على مناطق جنوب العراق تحت اسم قوات التحالف - تحكم من قبل بعض رجال الدين الذين يتحولون، مع أول مأزق، إلى رجال عسكريين، ويحملون البنادق في محاكاة لحالة القاعدة مع اختلاف المذهب العقائدي، إلا أن المنبع الفكري المتطرف واحد..

لعل هذا الاندماج الجغرافي بين المناطق العراقية والمناطق السورية التي تنتمي إلى المذهب السنّي في العراق وسوريا، سيحول الصراع القادم إلى صراع مذهبي قادم لا محالة، وإن كانت الآن تداعياته موجودة من خلال مشاركة الكثير من الفصائل الشيعية وجهاديين غير سوريين في التنظيمات الإسلامية في سورية، ولكن إلى الآن لم ينتقل مفهوم الصراع إلى الجيوش النظامية بين الدول، كما حدث في الحرب العالمية الثانية للسيطرة على المناطق، وتغيير الخرائط الجيوسياسية، على أساس مذهبي ديني، وليس على أساس عرقي، فمن الواضح تماماً أن مقاتلي المعارضة السورية لم يعترضوا على المقاتلين الأجانب فقط لأنهم ينتمون إلى ذات المذهب، وبالتالي، فإن مؤيدي النظام دافعوا بكل شراسة عن تدخل حزب الله اللبناني والفصائل الشيعية، الأمر الذي جعل من أي إيراني سنّي، أو عراقي سنّي، أو سوري سنّي، معنياً بشكل أو بآخر بالصراع ضد أي شيعي إيراني، أو عراقي، أو حتى سوري، وبالتالي الانتقال إلى مرحلة الحروب الداخلية، أو كما أسمتها "داعش" عبر المتحدث باسمها "أبو محمد العدناني" مرحلة "كسر الحدود"!

الإدارة الأمريكية التي تقلل من شأن هذا الإعلان عن "دولة الخلافة" ،على اعتبارها "لا تعني شيئا" للناس في العراق والشام، وأن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، الذي أعلن دولة الخلافة، يحاول السيطرة على الناس بالخوف، كما صرحت "جين ساكي" المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، حيث تأتي هذه التصريحات في وقت تُطالب به الإدارة الأمريكية بالتدخل في العراق، الذي احتلته يوماً ما من أجل القضاء على أسلحة الدمار الشامل المزعومة آنذاك، فكيف لا تتدخل، و"داعش"قد سيطرت على نصف العراق –كما تتداوله وكالات الأنباء.

قد يكون هذا التقليل من أهمية الإعلان، هو تلميح برفض التدخل في الوقت الحالي، لتنشب حرب طاحنة تستطيع إسرائيل أن تكون من خلالها الدولة الأقوى على الإطلاق، خاصة وأن التنظيم يتجه شرقاً، أي عكس اتجاه الطموحات الإسرائيلية!

لعل إعلان الخلافة يشبه إلى حد بعيد تصريحات الدكتور أيمن الظواهري في المناسبات التي تحتاج فيها الولايات المتحدة لحشد الرأي العام الأمريكي والعالمي، من خلال الدعوة للقضاء على الولايات المتحدة، فيأتي الإعلان عن قيام دولة الخلافة، وتنصيب ("أبو بكر البغدادي" أميراً للمؤمنين لكل مسلمي العالم) لم يكن كلاماً في سياق نص الإعلان الذي يعتمد "السجع في أغلبه"، وإنما هي خطوة أولى لإعطاء الحالة العامة، أي أن مسلمي الولايات المتحدة هم أيضاً تحت لواء أمير المؤمنين، وليس من المستغرب أبداً أن يظهر علينا العدناني مرات أخرى، وربما بوجهه الصريح، ليتحدث عن إعلان الجهاد على الولايات المتحدة، في خطوة نحو التدخل الأمريكي في وقتها- إن احتاجت الولايات المتحدة هذه التصريحات- عبر تسريب تسجيلات من خلال شبكة "الانترنت" ،خاصة وأننا لا نعرف من هو الخليفة، ولا ساعده الأيمن "أبو محمد العدناني"، أو ربما كسب معركة للديموقراطيين، عبر عملية نوعية يقتل فيها البغدادي قبل الانتخابات الأمريكية، في محاكاة لسيناريو مقتل "أسامة بن لادن"، دون ظهور جثته إعلامياً، والاكتفاء بإعلان الانتصار على المجهول!

تجيد الولايات المتحدة لعبة التحالفات لضرب مكونات المجتمع بعضها ببعض، فما فعلته من إطلاق يد "قوات تحالف الشمال الأفغاني الشيعي" للسيطرة على المناطق الأفغانية من قبل "حركة طالبان السنّية" غير خاف على أحد، وترك ما يشبه الحكم الذاتي للمناطق العراقية التي تسيطر عليها مرجعيات شيعية عراقية، أو تأسيس ما يسمى "قوات الصحوات" من العشائر السنّية التي تسيل لعابها للمال من أجل قتال جهاديي العراق، وهذا ما تفعله تماماً في سورية، حيث أعلنت عن المساعدات العسكرية لمقاتلي المعارضة المعتدلة السنّية – قبل إعلان الخلافة بأيام قليلة- لضرب تنظيم الدولة في سورية وإرسال خبراء عسكريين للعراق، من أجل المساعدة واقتراح قبول تطوع العراقيين السنّة للدفاع عن المقدسات الشيعية، كما أعلن السيستاني.

ولذلك أعتقد أن التحالفات عقدت، وربما يكون نظام الأسد جزءاً من هذا التحالف في الحرب على الإرهاب، وإنهاء الثورة السورية تحت هذا المسمى، خاصة وأن الصراعات داخل الائتلاف والحكومة، أخرجت الثورة السورية من الباب بالنسبة للمجتمع الدولي، لتحل مكانها دولة الخلافة التي دخلت من الشباك المفتوح بسبب الخلاف على مناصب وهمية!

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات