(الموصل - حلب) حروب الأخوة الأعداء

(الموصل - حلب) حروب الأخوة الأعداء
بدأت الحرب في سورية تأخذ بعداً جديداً غير الذي اعتدنا عليه خلال السنوات الثلاث الماضية من معارك كرّ وفرّ بين قوات النظام المدعومة بأكثر من ثلاثين فصيلاً شيعياً لبنانياً، وعراقياً، وبسلاح جوي يدمّر البشر والحجر، ويرتكب المجازر بلا رادع دولي، وبين فصائل المعارضة السورية المسلحة التي لا تعمل تحت قيادة مشتركة، ما يجعل عملها غير ذي فائدة في أغلب الأحيان. إلا أن بسالة بعض الفصائل المقاتلة، سواء بمهارة استخدام السلاح، أو عبر تكتيك جديد مثل الأنفاق التي تفجر المقرات النظامية، وتحقق لهم تقدماً واضحاً، الأمر الذي يمكنهم من ضرب الأهداف بدقة لا متناهية.

تخطى هذا الصراع الدموي الحرب القائمة بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة السورية المسلحة، إلى صراع نفوذ بين فصائل المعارضة المسلحة ذاتها، وخاصة بعد دخول الفصائل الإسلامية، وتحول الثورة إلى مفهوم غريب عما خرج إليه الشعب السوري في مظاهرات سلمية تهدف إلى إسقاط النظام قبل دخول الثورة في سرداب السلاح المظلم الذي حشر الشعب السوري بين خيارين اثنين لا ثالث لهما: إما معارض، وبالتالي إرهابي. أو أنه يتستر على إرهابي أو مؤيد، وبالتالي شبيح أو داعم للشبيحة مالياً ومعنوياً.

غير أن دخول الفصائل الإسلامية أحدث انقسامات جديدة داخل المجتمع السوري، وخاصة المعارضين: بين مؤيد للكتائب الإسلامية، ومعارض لها، ما جعل الخلاف يصل إلى الحرب الباردة، وما هي إلا أيام حتى بدأت الحرب الساخنة، وإخراج تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام من معظم مناطق نفوذه داخل سورية.

استطاع الرجل الذي ظهر على المنبر في أحد جوامع الموصل، الذي ادعى أنه البغدادي، خليفة المسلمين في كل مكان – دون التأكد من شخصيته الحقيقية - أن يشغل الناس جميعا بدولة الخلافة التي أعلنها المتحدث الرسمي باسم التنظيم "ابو محمد العدناني"، متخذاً من مدينة الموصل- على ما يبدو- مقراً مؤقتاً له، ومن الجائز أن يكون هذا المقرّ دائماً أيضاً، و يحض الناس على مبايعته على الخلافة، جاهداً في إبعاد كل الشبهات الكبيرة والصغيرة حول شخصيته التي استطاع أن يخفيها على مدى أكثر من عام من دخول التنظيم إلى سورية، ليكشف عن شخصيته بعد أن أصبح الخليفة، ودحضاً لكل التساؤلات التي تعتبر شخصية أبي بكر البغدادي شخصية وهمية!

بالمقابل، نشرت تسريبات عن اجتماع قاده أبو محمد الجولاني، أمير جبهة النصرة لأهل الشام، كاشفاً عن شخصيته في اجتماع وصف بأنه على مستوى عال في قيادات جبهة النصرة، وأعلن عن قيام الإمارة الإسلامية في حلب، و منها إلى كافة المناطق، وعلى ما يبدو أن الغاية منها هي مواجهة دولة الخلافة، لتبقي الصراع الدائر بين فصيلي القاعدة المختلفين على مبادئ الالتزام بمواثيق تنظيم القاعدة الذي أسسه أسامة بن لادن السعودي، ويترأسه الآن الدكتور أيمن الظواهري، مصري الجنسية، وقد أفتى الأخير ببطلان تواجد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وعليه يجب على أبي بكر البغدادي العودة إلى العراق، أو مبايعة أبي محمد الجولاني!

وكان قد صدر عن جبهة النصرة لأهل الشام بياناً، قيل انه بُث على موقع "المنارة البيضاء" الذي تبث جميع بيانات وتصريحات جبهة النصرة؛ جاء في هذا البيان نفي الجبهة لخبر إعلان الإمارة الإسلامية، ويقع البيان – دون التأكد من صدقيته – في ستة بنود، أوضحت فيه جبهة النصرة أنها منذ تأسيسها تسعى إلى إعادة سلطان الله على أرضه، وتحكيم شريعته إلا أنها لم تعلن الإمارة إلا في حال موافقة المجاهدين الصادقين والعلماء الربانيين، واختتم البيان بنوده بالدعوة إلى رص الصفوف ضد النظام السوري، وإقامة دولة الخلافة (رص الصفوف ضد الأخطار التي تهدد الساحة سواء من قبل النظام النصيري أو جماعة الخوارج الغلاة )، ما ينذر بحرب لا تبقي، ولا تذر، وقد تكون طويلة الأمد، تمتد على مدى سنوات طويلة!

لعل ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في نهاية العام 2013 حول وثيقة سياسية ادعت أنها جمعت من قبل عدد من المؤرخين والعلماء، حول تفكيك الشرق الأوسط، وتقسيمه إلى دويلات، على أساس إثني، ومذهبي، وعرقي. وهو ما قيل عنه أنه تصحيح لحدود اتفاقية سايكس – بيكو الشهيرة، وليس تقسيماً للمنطقة، على اعتبار أن هذه الحدود التي رسمها الرجلان عام 1916 لم تستطع الصمود لمائة عام أمام هذا السيل الجارف، ولبلوغ هذه الغاية لابد من سلسلة نزاعات محلية وإقليمية يؤدي عنفها، في النهاية، إلى التخلص من حدود سنة 1916، في إشارة إلى ثورات الربيع العربي التي اندلعت في سورية والعراق، وما رافقها من سيطرة تنظيم الدولة على نصف الأراضي العراقية، وبالتالي سقوط العديد من المناطق السورية بيد التنظيم- دون قتال- عن طريق البيعة للخليفة البغدادي، الأمر الذي يسهم في اتساع رقعة نفوذ دولة الخلافة، وربما انحسار نفوذ الإمارة الإسلامية، بقيادة جبهة النصرة.

قد تدخل حروب الأخوة الأعداء داخل تنظيم القاعدة المنطقة في عدة سيناريوهات، أكثرها وضوحاً هو تحالف إيراني – أمريكي، ومن خلفهما نظام الأسد، ونظام المالكي، والمملكة السعودية لمحاربة الإرهاب، هذه الدول المهددة بالتقسيم: من إيران إلى السعودية، مروراً بسورية والعراق.

ولعل هذا التحالف لن يكون قادراً على إنهاء دولة الخلافة والإمارة الإسلامية، لتبقى ذريعة التدخل موجودة، ولكن السيناريو الأسوأ على الإطلاق هو التحالف بين الموصل – و حلب، أي البغدادي – الجولاني، حينها لابد من الحل على الطريقة الأفغانية الطالبانية، والاحتلال المباشر، والعودة إلى اتفاقيات تحاكي سايكس – بيكو، وقد تكون أمريكية – روسية ..

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات