باعة فلافل، وفول، و(مسبّحة) من طراز جديد يشغلون فتيات يرتدين اللباس العسكري بينهن محجبات بقصد إخفاء الطابع الطائفي للنظام، وهن من يقدمن الخدمة للزبائن، وهذه الخدمة ليست بتقديم الطعام فقط بل أيضاً تشمل خدمات مسائية ومواعدات تتم في بيوت لأصحاب هذه المحال التي انتشرت في عصر الفوضى والجريمة.
كافتريات احتلت البيوت الشامية القديمة تضجّ بالعسكر وبعض (بائعات الهوى) بالإضافة إلى بعض الأجانب الذين قل عددهم، وطلبة جامعيين وعاطلين عن العمل، يتحرش بعضهم بالنادلات الجدد، يرافق ذلك في بعض الأحيان تمرير قطع من المخدرات كالحشيش .
ساروجة التي خطط لها البعض لتكون متنفساً للشباب الحر واجتمع فيها نشطاء الحراك في بداية الأحداث تحولت إلى مكان موبوء في وسط العاصمة المسكينة.
هنا قبل ثلاث سنوات وبعد انتهاء المظاهرات كان يجتمع المتعبون من الشباب بعد مساء حافل وقاس، ويبدأ الترتيب ليوم جديد ومكان جديد للتظاهر فاليوم كان عند جامع الحسن والغد في برزة البلد حيث الأعداد أكبر ويد الأمن قصيرة، أو من الممكن البحث عن فكرة جديدة وشعار جديد، فالمرحلة تستلزم تغيير الشعار بما يساهم في توحيد شعارات المتظاهرين في كل البلد...هكذا كانت مستاءات ساروجة وأحاديث شبابها الذي يطمئن للتغيير وزيادة قاعدة المحتجين، وانضمام فئات جديدة للثورة مع كأس من الشاي او الزهورات و(النرجيلة).
أيضاً الوجبات التي كانت تقدم هي من قلب الشام ورائحة مطبخها، فطائر الجبنة والخبر المشروح والكعك المعتق بحبة البركة، والفول البلدي الذي كان يقدمه الشباب حيث لم تكن وفدت موضة الفتيات النادلات إلى سوق ساروجة ومحلاته، وكانت صورة النظام مهتزة وركيكة فمن يجرؤ على ارتداء صورة القائد الرمز أو يضع أسوارة علمه.
وبعد أن زادت وحشية النظام وبدأ بحملة اعتقالات واسعة للناشطين وثم بدأ يقتل بعضهم فلم يجد آخرون بداً من الهروب او الاختفاء، وصعدت بدائل النظام في السوق، جيل مائع يحل مكان الرجال، وتبدل المستثمرون من أبناء البلد المتعاطفون مع الثورة، وحل محلهم الشبيحة والمخبرون، وبدأت العلاقات المشبوهة المرتبطة بأجهزة الأمن تحل وتتثبت، وتحول كل محل في ساروجة إلى وكر اصطياد الناشطين، وتسهيل الدعارة وكتابة لتقارير الأمنية.
ساروجة من أقدم الشوارع الدمشقية ويقال أن تسميته (بحسب الرواية الشعبية) نسبة لصاحب الضريح الذي يتوسط الشارع وتروى عنه قصص خارقة، والاسم كما يقول أحد أصحاب المحلاتع جاء من (سار وجاء) وهو صاحب الضريح الذي سافر إلى الحج وعاد في ليلة واحدة ويسيمه الدمشقيون (من أصحاب الخطوة).
أما تاريخياً فاسم الحي منسوب إلى أحد قادته وهو صارم الدين ساروجة المتوفي سنة 743 هـ - 1342 م، إذ يزيد عمره على الـ600 سنة، و احتل الحي مكانة مرموقة فكان مجالًا للتنافس بين الأمراء المملوكيين الذين تسابقوا لبناء المنشآت فيه، فأشادوا المدارس و الجوامع و الحمامات التي لا يزال الكثير منها قائمًا حتى الآن و كانت المدرسة الشامية البرانية أساسًا لإنشائه حيث أخذ بالاتساع حولها تدريجيًا حتى اكتمل و أصبح له سوق خاص في عهد الأمير "سيف الدين تنكز" الذي مكث في دمشق طويلًا و الذي ترجع إليه الكثير من الآثار المعمارية.
التعليقات (12)