فرض الحل السياسي عبر إخضاع السوريين

فرض الحل السياسي عبر إخضاع السوريين
بدا واضحاً أن مفهوم الحل العسكري في سورية غير وارد مطلقاً، ولابد من العمل على فرض حل عسكري -حسب الرأي الأمريكي -الذي يفكر بفرض الحل السياسي- ولو بالقوة- حسب تصريحات أحد المسؤولين الأمريكيين، حيث فسّر بعض المراقبون أن هذا يستدعي الضغط من قبل الدول الداعمة لكلا الطرفين، سواء أكان النظام أو المعارضة، بكل الوسائل، للجلوس إلى طاولة المفاوضات، بغية إيجاد حل سياسي للازمة السورية المستعصية منذ أكثر من ثلاث سنوات، وما زاد الطين بلّة دخول التطرف إلى سورية بشكل كاسح، والسيطرة على مناطق واسعة، أهمها آبار النفط التي يسيل لها لعاب الساسة، عند ذكرها، على الأقل.

بعد فشل مجلس الأمن في اتخاذ قرار ملزم، تحت الفصل السابع، لوقف مجازر النظام السوري بسبب الفيتو المزدوج الروسي – الصيني، والذي تكرر لإعاقة أي قرار أممي، في كلّ مرة كان يطرح فيها موضوع الأزمة السورية التي حصدت مئات الآلاف من السوريين، تحت نيران أسلحة النظام التي تأتي من روسيا وإيران، لمنع التفوق العسكري للمعارضة السورية، وإنهاء نظام الأسد، حيث لجأت إيران إلى إدخال أذرعها الطائفية لحماية النظام والعبث في ديموغرافية العاصمة الأموية، التي كان لها مع الصفويين ثأر طائفي تاريخي.

عملت دول القرار الدولي على إدارة الأزمة، للوصول إلى إنهاء الثورة السورية، عبر سيناريوهات عديدة، كانت فيها حياة السوريين آخر همهم، حيث أظهرت هذه السيناريوهات نجاحاً كبيراً، خاصة وأن المعارضة السياسية كانت فاسدة إلى حد كبير، ما شجع دول القرار على فكرة أن إنهاء الثورة لن يكلّفهم الكثير من العناء والمال؛ بدأت هذه الدول بشراء الولاءات، وبدأ الانقسام في التيارات السياسية التي عملت دول القرار على صناعتها، فكان لا بدّ من نحت جسد معارض يأخذ اعترافاً دولياً بتمثيله الشعب السوري. وبالتالي فإن أي قرار سيؤخذ من خلال هذا الجسد، لابدّ أن يخضع له الشعب السوري المعارض للنظام، وبشكل تلقائي يخضع الموالون للنظام، لقراره، بمساعي القبضة الأمنية، سيئة الصيت.

وبالنتيجة فرض القرار السياسي على طرفي المعادلة السورية، من خلال الضغط على النظام للقبول باقتسام السلطة، التي يتمسك بها بشكل رهيب، والضغط على المعارضة للقبول بشروط النظام، لإنهاء الأزمة، ليصبح حقيقة حتمية!

إنّ اللقاءات السرّية التي يجهد الجميع للعمل عليها، من أجل تسوية، أقرب ما تكون لاتفاقية أوسلو، التي طرحت خارطة للطريق، بعد مفاوضات استمرت عشرين سنة، ولم تنته، وهذا ما يعمل عليه النظام، في الوقت الذي يشعر فيه أن قوته على الأرض بدأت بالانهيار، أو أنه سيرفضها في حال كان تقدمه جيداً على الأرض، بالطبع لم يخف وزير خارجية النظام وليد المعلم رغبته هذه في مباحثات موسكو الأخيرة، حيث قال المعلّم، تعقيباً على مبادرة المبعوث الأممي "دي ميستورا": "تجميد القتال، أي أن تسلّم المعارضة سلاحها، خاصةً، وأن الجيش السوري يحقق انتصارات في حلب".

لقد بات واضحاً موقف النظام، الذي يدعمه جميع حلفائه التقليديين، إيران وروسيا، إلى دول أصدقاء الشعب السوري، الذين يرون أن الحل السياسي هو الأفضل في سورية..

بعد إنهاء وضع الخطوط العريضة لمفهوم الحل السياسي، تأتي سيناريوهات الضغط على السوريين لقبول هذا الحل، أياً كان نوعه، حيث بدأ بالضغط على اللاجئين السوريين في دول الجوار، ففي لبنان،على سبيل المثال، تم وقف تدفق اللاجئين، بشكل نهائي. أما الأردن، فقد عمل على المداهمات لمخيم الزعتري بشكل خاص- كونه أكبر المخيمات- للضغط على اللاجئين من أجل العودة إلى سورية، والبقاء تحت البراميل والغارات الجوية، في حين عملت تركيا على تحييد اللاجئين لديها، واعتبارهم ضيوفاُ، للتخلص من عبء الضغط المادي عليها، وفي نهاية المطاف، وقعت معاهدة مع الاتحاد الأوربي، لمنع تدفق المهاجرين إلى أوربا، مقابل حصول المواطنين الأتراك على حق دخول أوربا، دون تأشيرة دخول بعد ثلاث سنوات.

لعل سيناريو الإغاثة هو الأكثر تأثيراً على اللاجئين السوريين، للقبول بأي حل، حتى ولو ببقاء النظام وإنهاء الثورة، فالجوع هو بوابة المساومات الكبيرة، حيث أعلن برنامج الغذاء العالمي خفض ما نسبته 40 % من مساعداته الغذائية للاجئين السوريين في دول الجوار، في الأول من تشرين الأول، بدعوى قلة التمويل، ليفاجئ الجميع بقراره الجديد أنه لم يعد يستطيع تقديم الغذاء لـ 1.7 مليون سوري بسبب شح التمويل للبرنامج العالمي للغذاء، وبالتالي استخدام دول القرار الدولي لأسلوب النظام في حصار الجوع، لفرض الهدن على مناطق الغوطة في ريف دمشق، وهذا ما تعمل عليه تماماً.

سيناريو آخر، لا يقلّ قذارة عن سابقيه، بدأ بمنع دخول السوريين إلى دول الخليج، بدعوى تهريب التطرف إلى هذه الدول، لتحذو معظم الدول حذو هذا القرار، وكان آخرها فرض الجزائر تأشيرة الدخول على السوريين الذين يذهبون إلى الجزائر من أجل الدخول إلى لبيبا التي منعت منذ عامين دخول السوريين، بغية الهرب إلى أوربا، حيث بدأت الدول الأوربية بتخفيض سنوات الإقامة من خمس سنوات إلى سنة واحدة، واعتماد نظام الحماية، أو ما يسمى "البصمة" لايطاليا واليونان، اللتان لم تكونا معتمدتين سابقاً، وهو ما يسبب ضغطاً كبيراً على السوريين الذين كانوا يدفعون قرابة عشرة آلاف يورو للهروب عبر البحر إلى أوربا، وهي تكاليف رحلة إلى المجهول، قد يخسرون معها حياتهم!

كل هذه السيناريوهات، وقد تتفتق ذهنية دول القرار عن سيناريوهات أكثر دناءة بغية الضغط على السوريين من أجل القبول بالحل السياسي، الذي لا يستبعد أن يبقي بشار الأسد ونظامه المجرم في سدّة الحكم، على اعتبار أن ضربات التحالف غير معنية بوقف مجازر النظام، والتي لم تفد أصلاً في وقف تمدد تنظيم الدولة الإسلامية، ليكون السيناريو الأخير عبارة عن اجتماعات سرية لتوقيع الاتفاقيات بالأحرف الأولى بعد انهيار الائتلاف، الذي زادت الخلافات داخله، بفعل حرارة المواقف الإقليمية، هذه الحرارة التي من المؤكد أنها ستفكك الائتلاف، لصالح جسد معارض جديد يوقع الاتفاقيات بالأحرف النهائية!

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات