المئذنة رمز إسلامي فريد

المئذنة رمز إسلامي فريد
بينما نعرف جميعاً أن رمز المسيحية هو الصليب، الذي يقول أبناؤها إن المسيح قد لاقى عليه حتفه القاسي، فإن هناك من يقولون إنه ليس في الإسلام مثل هذا الرمز الجلي.

وهم مخطئون على وجه اليقين، لأنه حيثما ولينا وجوهنا في العالم الإسلامي، فإننا نجد معلماً بارزاً يحتل مكانه في كل المناطق التي اختارها المسلمون للإقامة فيها، وبالتالي، فهو رمز إسلامي يتعذر تماماً تجاهله. فعلى امتداد العالم الإسلامي يمتلئ خط الأفق بحشود من المباني التي تجذب الانتباه، وتلفت الأنظار إلى الأهمية الكبيرة للصلاة في الحياة اليومية.

والارتفاع الشاهق لهذه المباني، يميزها عن المباني الأخرى التي تشكل جزءاً منها في أي مدينة إسلامية. ورغم أن المآذن تختلف في شكلها ومظهرها حيثما ارتفعت إلى عنان السماء، مشكلة جزءاً من المشهد العام في المدينة الإسلامية، إلا أنها جميعاً تتمتع بميزة واضحة، وهي ارتفاعها السامي.

يحدثنا التاريخ بأن أول أذان ارتفع داعياً جموع المسلمين إلى الصلاة، كان من فوق سقف دار في المدينة، اختارها النبي صلى الله عليه وسلم، مقراً مؤقتاً لإقامته. وقد اتبعت المساجد الأولى في الكوفة وواسط الأسلوب نفسه، ولم يكن لها بناء مستقل يؤدي دور المئذنة. وبعد فتح دمشق، أصبح من المعتاد استخدام الأبراج الجانبية للكنيسة القديمة في المدينة كمكان يرفع منه الأذان.

وبعد ذلك بوقت قصير، أمر الخليفة والي مصر أن يضيف 4 أبراج جانبية إلى مسجد عمرو بن العاص، في ذلك الجزء من القاهرة الكبرى الذي عرف باسم الفسطاط، وأشر إلى أن هذه الأبراج الجانبية قد استخدمت في دمشق كأماكن مناسبة لرفع الأذان.

من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه في اللغة العربية، هناك كلمتان منفصلتان للإشارة إلى ما نتحدث به هنا، وكل منهما لها معانيها الخاصة التي توضح الأغراض المتعددة التي تشيد من أجلها.

وهاتان الكلمتان هما بالطبع، «المئذنة» التي تعني المكان الذي يرفع منه الأذان، بينما الكلمة الثانية هي «المنارة» ومن هذه الكلمة العربية اشتقت الكلمة الغربية «Minaret»، وهي تمنح المبنى ذلك الاستخدام الإضافي الذي يكرسه الإنسان له بمعنى الشيء، أو المكان الذي ينير، أو مكان الإنارة. وهذه الوظيفة العملية الثانية للمنارة، هي التي تزيد فائدتها العملية، وأيضاً تضفي عليها قيمة صوفية رفيعة.

يعرف الجميع أن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبا بكر، قد لاذا بكهف في هجرتهما من مكة إلى المدينة، وتشير السيرة النبوية العطرة إلى أن بعض مطارديهما قد اقتفوا أثرهما وصولاً إلى هذا الكهف، ولكنهم اقتنعوا بأنه لا وجود لبشر في داخله، وذلك بسبب وجود حمامة عششت على المدخل، وكذلك لأن عنكبوتاً قد نسج شبكته فوق المدخل.

وقد أرادا السير إلى يثرب التي تقع إلى الشمال من مكة، وفي اليوم الـ 12 لمغادرتهما الكهف وصلا إلى قباء، وتحدثنا السيرة النبوية الشريفة بأن الرسول الكريم بلغ واحة قباء في 27 سبتمبر عام 622 ميلادية، ولم يمكث هناك طويلاً، حيث شعر بأن الجميع في المدينة ينتظر قدومه، غير أنه خلال الأيام الثلاثة التي مكثها في قباء، شيد أسس مسجد هو المسجد الأول في الإسلام.

وقد اختار الرسول أن يسمح لناقته القصواء بأن تمضي به إلى حيث أمرت، وبالفعل، فإن القصواء دخلت فناء كبيراً، فأمر الرسول بتحويل هذا الفناء إلى مسجد، وفي هذا المكان نزلت عليه أطول سورة في القرآن، وهي سورة البقرة.

وقد شيد مسجداً هناك، وشعر الرسول بأن المسلمين، كما هي الحال مع المسيحية واليهود، ينبغي أن تكون لديهم طريقة لدعوتهم إلى إقامة الصلاة عندما يحين موعدها.

غير أنه أراد أن يجد طريقة تتفق مع روح الإسلام، واقترح عليه الصحابة أن يكون هناك شخص من بينهم حسن الصوت يرفع الأذان قائلاً: «الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله الا الله وأن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر»، وبعد ذلك «لا إله إلا الله».

وهكذا جعل الرسول، الصحابي الجليل بلال بن رباح أول من يرفع الأذان في الإسلام، وتقرر أن يكون ذلك من فوق أعلى دار في الحي الذي يقع فيه المسجد.. وهكذا ولدت فكرة المئذنة.

* كاتب ومترجم بريطاني

** المصدر: صحيفة (البيان) الإماراتية 3/12/2012

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات