قصة بلدة (نامر) بدرعا: الأسد ينسف (التعايش) وشبيحته ينهبون

قصة بلدة (نامر) بدرعا: الأسد ينسف (التعايش) وشبيحته ينهبون
نامر هي قرية سورية في سهل حوران إلى الشمال الشرقي من مدينة درعا بـ 22 كم وتتبع محافظة درعا.

تعتبر نامر من القرى الأثرية الهامة، وتعود آثارها لعصور الروم البيزنطيين والغساسنة العرب والعصر الأموي، ومنها الجامع القديم والحمامات الرومانية وكنائس قديمة ومنازل رومانية وغيرها.

يبلغ عدد سكان القرية حوالي 5000 نسمة، قبل بداية الثورة السورية أما اليوم فهي خالية تماماً من أهلها جميعاً بعد أن هجّرَتهم قوات الأسد ووطّنَت فيها بعض ضباطها وعائلاتهم.

تجسد القرية تنوع المجتمع السوري الديني التاريخي وتقدَر نسبة المسيحيين فيها حوالي 40 بالمئة من السكان، ومن أشهر عائلاتها المسيحية هي الطربوش والخوري والمنصور ورزق الله والسابق، بينما ينتمي عدد كبير من مسلمي القرية إلى عائلة الحريري ثم المسلماني والعماري والنجلات.

اعتمد سكان نامر في معيشتهم على المشاريع الزراعية للخضار بالدرجة الأولى والزيتون وبعضهم عملَ في القطاعين الخاص والعام وتعتبر نسبة التعليم بين الأهالي من النسب العالية في سوريا.

أبو يزن، أحد سكان نامر والمعتقل السابق في أقبية نظام الأسد والذي يعيش الآن في المنفى، يروي بعض الحوادث التي تجلّت فيها حالة الألفة التي سادت القرية منذ خمسينات القرن الماضي، حيث بلغت العلاقات بين مسلمي القرية ومسيحيّيها درجة التآخي الحقيقي، فعندما كانت الأم المسيحية غير قادرة على إرضاع طفلها كانت جارتها المسلمة تستقبل الرضيع وتحتضنه إلى جانب طفلها لإرضاعهما سوية.

يضيف أبو يزن: "عندما تعرّض عماد المسيحي لحادث أثناء عمله وفقد رجله، صعد إمام أحد المساجد وصرخ عبر مأذنته بحاجة عماد إلى الدم، تبرعت امرأتان ورجل مسلمون بالدم له في حينها، وبالمقابل عندما احتاجت إحدى المسلمات إلى الدم أثناء خضوعها لعملية جراحية في ستينات القرن الماضي، هرع إبراهيم المسيحي كي يتبرع إلا أن زمرة دمه لم تكن مناسبة فذهب إلى دير الراهبات التي تبرعت إحداهن بالدم ذي الزمرة المناسبة، وهو الشخص ذاته الذي تبرع بمبلغ خمسين ألف ليرة للمشاركة في بناء أحد جوامع القرية."

تحدث أبو يزن أيضاً عن حالة تقاسم الأفراح والأحزان في القرية، حيث كانوا يتبادلون الأطعمة والحلوى في المناسبات الدينية خاصةً مسيحية كانت أم إسلامية، وفي شهر رمضان كان أطفال المسيحيين يصومون مع أصدقائهم، وحتى بعض الأهالي شاركوهم الصيام من أجل مشاركتهم شعور الصبر والاجهاد على حد تعبيرهم.

تحتضن البلدة مسجدين وكنيسة ودير أثري، تعرضت جميعها للدمار بنسب متفاوتة بسبب القصف القادم من اللواء 12 في إزرع البلدة المجاورة والتي تعتبر أكبر مقرات قوات الأسد.

نامر الثورة

عندما بدأت أولى مظاهرات درعا البلد كان أهل نامر كبقية القرى المجاورة يتّجهون إلى درعا للمشاركة في المظاهرات تلبية لصرخة "الفزعة" وقدّمت نامر أول شهدائها بتاريخ 23 آذار 2011، وهو شادي نهار المسلماني بعد أن شارك في مظاهرة بدرعا وتعرض للقتل مع 72 آخرين على يد قوات الأسد في دقائق.

وبعد أن قامت قوات الأسد بتقطيع أوصال المحافظة ونشر جيشها في أرياف المحافظة بدأت مظاهرات نامر، ما دفع قوات الأسد إلى مداهمة القرية مرات عديدة في كل مرة كانت تعتقل عشرات الشبان بشكل عشوائي، قدمت نامر خلالها أكثر من 30 شهيداً و100 معتقل.

قام النظام باستهداف القرية للسيطرة عليها وإخلائها من أجل تحويلها إلى قاعدة عسكرية لأهمية موقعها، حيث تتصدر أتستراد درعا الدولي، وتعتبر مفتاح معركة إزرع أكبر وآخر أوكار قوات الأسد في محافظة درعا، ويمكن رصد مساكن الضباط في إزرع منها، فشنت قواته حملة عنيفة استخدمت جميع أنواع المحرمّات الدولية وجرائم الحرب من الحصار الكامل والتطويق فالقصف العشوائي ثم المداهمات الإجرامية، وتم استهداف خزان الماء الرئيسي وقطع الكهرباء والاتصالات عن القرية، كما تم مصادرة كميات من الشموع واعتقال السائق الذي ادخلها إلى نامر.

بدأ الأهالي بالنزوح عن القرية بعد استحالة الحياة فيها وتهديد القتل اليومي، رفض الأخوان المسيحيان جودت وصبحي المنصور الخروج من القرية، فقام شبيحة الأسد بذبحهما بالسكين لافتعال فتنة طائفية، إلا أن أحد ضباط الجيش اعترف بقيام شبيحة مرافقين للجيش بهذه الجريمة، والرجل الآخر الذي رفض الخروج من القرية هو عيسى العماري الذي تمسك بأرضه بعد أن فقد ابنه وأخته وابن وابنة أخيه، ولكن بعد إصرار الأهالي على إخراجه حفاظاً على حياته، قتلته رصاصة قناص في طريقه خلّدته في أرضه.

يقول أحد أهالي نامر الذي استطاع دخول القرية بعد خروج أهلها منها لتفقد منزله: "دخلت إلى البلدة عام 2013 فذهلت عندما وصلت إلى منزلي، لم يبق شيء في المنزل حتى الشبابيك والأبواب وخلاطات المياه والخزانات تمت سرقتها وعندما كنت أسير في الشوارع لاحظت انه تم سرقة كل شيء لم أر أي شباك أو باب في طريقي، إن حجم المأساة مذهل ومرعب، فهنالك تجريف شبه كامل لأشجار الزيتون وعدد كبير من بيوت القرية وبعضها محروقة، ونهبوا البيوت عن بكرة أبيها"

رغم نزوح أهل نامر عن أرضهم وبيوتهم وأشجار زيتونهم تحت القصف وانتشارهم في أصقاع الأرض، إلا أنهم حملوا حنينهم معهم وثقافتهم الجميلة التي مازالت تتضح حين تنظر في وجه أحدهم أو تقرأ الشعر المحكي لشاعر نامر أبو كرم الحريري من منفاه في الأردن:"محبتهم مجتمعه بالحارة الغربية..إسلام ومسيحية علاقة أخوية

ما تفرق بينا حرب طائفية..جوامع وكنيسة.. إيمان وعبودية..وخالق الكون ما نعرف عنصرية ...".

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات