ديمستورا الشاطر وهيئة الأمم المعطلة!

ديمستورا الشاطر وهيئة الأمم المعطلة!
كلما فشل مبعوث عربي أو دولي إلى سوريا في مساعيه لحل الأزمة السورية المتفاقمة، لجأ المجتمع الدولي- الذي بات الخلل في إدارته متمثلا بهيئة الأمم المتحد ومجلس الأمن واضحا جليا – إلى تعيين ممثل جديد، وكأن الأزمة السورية مسألة رياضيات أو معضلة عائلية صغيرة، يمكن أن تستطيع قدرات شخص خبير من فك ألغازها وطلاسمها وصولا للحل الناجع والسليم، ومع كل تعيين جديد تطرح مبادرة أو نقاط جديدة باسم هذا لشخص المتعين ديمستورا (المبعوث الدولي إلى سوريا) بعد الدابي وعنان والإبراهيمي يطرح مشروعه أو نقاطه أو مبادرته، ليس لحل الأزمة السورية وإنما لتجميد الصراع المسلح بين طرفي النزاع الأساسيين: الجيش الحر وجيش النظام السوري، وذلك تفرغا لقتال طرف ثالث (داعش) هو بالأساس من صنيعة الطرف الثاني أي النظام، مع تدخلات إقليمية واضحة ومكشوفة للقاصي والداني.

كل هذا يحصل في حركة دولية باتت تستغبي العقول لتقوم بإخراج هذه المبادرات بأثواب ديبلوماسية مزركشة تخفي تحتها نوايا وخطط لتغيير كبير في المنطقة ديموغرافيا وجغرافيا وسياسيا وطائفيا، كما وتخفي تحتها انهارا من الدماء السورية البريئة ومآسي هائلة وفظيعة وتشردا كبيرا جدا لملايين السوريين الذين باتوا مشكلة إقليمية لدول الجوار ، لا يمكن للباحث أو المفكر أو الإنسان العاقل السوي أن يقتنع بعد بأي خطة تسكينية تركينية تجميدية لصراع كان أساسه الثورة ضد الظلم والطغيان ، لقد تراكمت عوامل الأزمة لأكثر من أربعين عاما فولدت ثورة عظيمة، والآن تتراكم عوامل إدامة الأزمة لتقوم الدول المتدخلة بالشأن السوري بإدامة هذه الأزمة بانتظار اختمار خرائط تغير مرتقبة ، وكأن العالم الإنساني قد غفى غفوة الكهف المعروفة على بحار من الدم السوري وعلى جبال من الألم السوري وعلى وديان من العذاب السوري المزمن الطويل.

يأتي هذا القول بعد التصريحات الأخيرة لديمستورا المبعوث الدولي للأمم المتحدة إلى سورية والتي يمدح فيها النظام السوري بالقول: إنه جزء من الحل السياسي، وهذا القول بحد ذاته خرق للحيادية الدولية، ويبدو أن الموقف الدولي قد تحول إلى موقف متراخ ومائع تجاه النظام السوري، وموقفه هذا انحياز واضح لمحور إيران روسيا الداعمين للنظام السوري طيلة أربعة سنوات من سفك الدم السوري، وتدمير البنى التحتية للمجتمع السوري وقتل حوالي مليون مواطن وزج الآلاف بالسجون وتشرد أكثر من عشرة ملايين خارج سورية.

ديمستورا عمليا يدير الأزمة ولا يحلها، ولا يمكن للمعارضة السياسية والعكسرية الميدانية معا القبول بتجميد الصراع في حلب أو غيرها، وموقف النظام بالموافقة على هذه الخطة موقف مراوغ والتفاف على الخطة نفسها لكي يتحرك من جديد لتوجيه ضربة قوية لقوات المعارضة (وهذا ما أثبتته مجريات المعركة الأخيرة في حلب ودرعا وقصف دوما)، وهذا لن ينطلي على المعارضة ولا على المتابعين والمحللين والمراقبين للازمة السورية، فمؤتمر جنيف 2 شاهد قوي على مثل هذه المناورات التي يلجأ إليها النظام كعادته، وللأسف لم يتم الضغط في مؤتمر جنيف عليه وها هو الموقف الدولي المائع يتكرر مرة أخرى عبر تصريحات ديمستورا، فكيف يكون القاتل جزءا من الحل لإيقاف القتال، الموقف الدولي يوجه الأنظار كلها باتجاه داعش ويتناسى ويتغاضى عن المسبب الرئيس للأزمة السورية وهو النظام السوري، الذي يتحول بقدرة قادر عبر تصريحات ديمستورا إلى جزء من الحل.

ديمستورا يتشاطر هو الآخر على الشعب السوري بهذا الموقف المخزي والمؤلم للشعب السوري وكل قوى الحرية والتقدم في العالم. في ظل صمت الدول وتعطل هيئة الأمم المتحدة عبر الفيتوات الروسية الصينية المتكررة حتى ضد الدعم الإنساني للشعب السوري، مع صمت الولايات المتحدة الأمريكية المثير للريبة والشك تجاه اكبر مأساة إنسانية في العالم وفي التاريخ المعاصر، وكأنه مكتوب على الشعب السوري أن يستمر بمعاناته إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

*كاتب وباحث سوري مقيم بالنرويج

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات