ليل آذار الطويل-3 اللجنة العسكرية تغدر بالحريري وتبعد لؤي الأتاسي

ليل آذار الطويل-3 اللجنة العسكرية تغدر بالحريري وتبعد لؤي الأتاسي
بعد نجاح حركة 8 آذار بوقت قليل، جرت الانتخابات الحزبية في سورية، وانتخب على أثرها قيادة قطرية للحزب، مرتبطة رسمياً بالقيادة القومية, ومع وقوع القطيعة بين حكم البعث في دمشق ونظام عبد الناصر، عادت ودخلت إلى الحزب أعداد كبيرة من أعضاء وكوادر التيار البعثي السابق لرياض المالكي أو حتى لأكرم الحوراني. ويوصف هؤلاء بالقطريين ويحملون لواء خط متطرف ومعادٍ لعبد الناصر.,, مقابل القيادة القومية التي كانت توصف باليمين!

اللجنة العسكرية: تصفّي خصومها!

كان معظم أعضاء اللجنة العسكرية ليسوا مع القيادة القومية، ولا مع القيادة القطرية. وهذا يعني في الحقيقة بأنهم لم يكونوا لا من اليمين ولا من اليسار. وهم في الواقع ليسوا سوى عسكريين، وما يسعون إليه ويبحثون عنه هو السلطة، أولاً في الجيش ومن ثم في الدولة والحزب. فكل الوسائل جيدة لديهم إذا كانت توصل إلى الهدف.

تكتيك اللجنة العسكرية التي كانت تضم بشكل أساسي الضباط العلويين الثلاثة: (صلاح جديد- محمد عمران- حافظ الأسد) كان يتلخص في إبعاد خصومهم وحلفاء الطريق مجموعة بعد أخرى، وعدم الدخول في معارك على جبهات متعددة في نفس الوقت. حتى يبقوا ويستمروا (سادة الموقف)!

وقد حددوا هدفهم منذ البداية بصورة واضحة: أبغض الناس إليهم والذي يجب إسقاطه، كان وسيبقى جمال عبد الناصر. وعليه فإن أعضاء اللجنة العسكرية في الحقيقة هم حجر عثرة في طريق كل تقارب بين البعث السوري وعبد الناصر. واعتبروا أن كل وحدة مع مصر الناصرية هي طعنة توجه لمبادئ الحزب الوحدوية.

منذ نجاح حركة 8 آذار وخلال خمسة أشهر، نجح البعثيون في تصفية وإبعاد خطر كل السياسيين، المدنيين والعسكريين الذين كانت توجه إليهم تهمة الانفصال.. ومن ثم الناصريين.. وأخيراً حلفاؤهم من الضباط المستقلين: لؤي الأتاسي وزياد الحريري.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن اللواء زياد الحريري رئيس الأركان العامة، حليف الأمس، جُرّد - بعد أن صار بالنسبة للبعث السوري مزعجاً - من جميع مسؤولياته وأبعد عن الحكم في شهر تموز 1964م في أثناء رحلته إلى الجزائر، أيضاً صفي أنصاره في الجيش. ثم صدر قرار لدى عودته بإبعاده سفيرا متجولا لسوريا في أوروبا على أن يكون مقره في باريس... وكتبت (الأسبوع العربي) عنه حينها: "زياد الحريري... الموجود المفقود في المتاهة الباريسية" في إشارة لتهميش دوره المُبّيت!

إبعاد لؤي الأتاسي!

أما اللواء لؤي الأتاسي، فقد اعترض على تنفيذ أحكام الإعدام الكيفية وعمليات القمع الدموية الواسعة التي استهدفت الناصريين. وعليه فقد أقيل من منصبه كقائد للجيش وكرئيس للمجلس الوطني لقيادة الثورة. وحلَّ محلّه اللواء أمين الحافظ، الرجل القوي آنذاك - كما صوره أعضاء اللجنة العسكرية - ليلعب دوراً مرسوماً له بدقة وإتقان سواءً أعرف أم لم يعرف.

بعد حصول القطيعة بين البعث السوري وبين الناصريين، اتجه نظام البعث في سورية، في نهج اقتصادي-اجتماعي، أطلق عليه اسم (الاشتراكية). وأول المؤشرات لهذا الاتجاه هو نشر الإصلاح الزراعي في حزيران 1963م، والذي بموجبه حددت الملكية بين (15 و40) هكتاراً من الأراضي المروية وبين (80 و 100) من الأراضي غير المروية.

في أيلول 1963م تم توقيع اتفاقيات ثنائية اقتصادية وثقافية بين بعث العراق وبعث سورية. وبعد مضي شهر، في تشرين الأول، أعلن عن توحيد القوات العسكرية بين سورية والعراق. وأنشئ لهذا الغرض (مجلس الدفاع الأعلى) مركزه دمشق، وسمي اللواء صالح مهدي عماش وزير الدفاع في الحكومة العراقية، في منصب القائد الأعلى للجيش الموحد.

شعارات البعث المضللة التي انطلق منها!

اعتبر المؤتمر القومي السادس أن الوحدة العربية نظرية أساسية في العالم العربي وواقع يحرك أعماق الجماهير العربية من الخليج إلى لمحيط. ولكن المهم الآن هو تحديد أسسها السياسية ومضمونها الاجتماعي.

أكد البيان العقائدي على أن بناء الوحدة بين بلاد تركت التجزئة السياسية رواسب إقليمية ومصالح ضيقة.. يجب أن تأخذ بعين الاعتبار هذه الفوارق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. على الأقل في الابتداء. وذلك حتى تستطيع فيما بعد أن تتغلب عليها تدريجياً.

لابد في هذا السياق من أن نعود قليلاً إلى الوراء وان نشير تلميحاً إلى ما كانت تفهمه حركة البعث العربي.. منذ تأسيسها.. من اصطلاح (الحرية). في الحقيقة وواقع الأمر، كانت كلمة الحرية تأخذ دائماً في أدبيات البعث السياسية صفة (القداسة).

الديمقراطية البرلمانية.. برجوازية!

لقد اعتقدت حركة البعث ومنذ تأسيسها أن النظام السياسي الذي يجسد مفهومها لهذه الحرية.. يكمن في تطبيق الديمقراطية البرلمانية على النمط الغربي.

وفي عام 1950م.. عندما كانت المعركة على أشدها في سورية حول قضية الديمقراطية البرلمانية والحكم الفردي.. اتخذ الحزب موقفاً صلباً وقوياً ضد أية فكرة تنسب مسؤولية التأخير وسوء الأوضاع السياسية في العالم العربي إلى النظام الديمقراطي البرلماني.

في الحقيقة، هذا الاتجاه العام والرسمي لحركة البعث، فيما يتعلق بتبني مفهوم الديمقراطية البرلمانية، قد خضع لبعض التحولات إثر وصول بعض الأحزاب أو العسكريين إلى قمة السلطة في بعض البلدان العربية والنامية فقد ابتدأ الحزب في توجيه الانتقادات للنظام الديمقراطي البرلماني وأخذ يميل إلى تأييد ما كان يسمى بـ(الديمقراطية الموجهة).

وقد حاول (التقرير العقائدي) الذي أقر في المؤتمر القومي السادس، أن يضع الخطوط العامة العريضة لمفهوم الديمقراطية المسمى بالشعبية، إذ يرى أن الديمقراطية البرلمانية على النمط البرجوازي والتي نقلتها الدول العربية عن الدول الغربية، بقيت ديمقراطية شكلية مقطوعة من جذورها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

الاشتراكية البعثية: شكل ثانٍ!

لقد وجه التقرير العقائدي ولأول مرة رسمياً، ضربة قاسية لمفهوم (الاشتراكية العربية) للحزب. فبعد أن أشار إلى الجوانب الإيجابية لعمل حركة البعث السياسي، التي ربطت النضال القومي بالنضال الاشتراكي، يؤكد المؤتمر القومي السادس أن الحزب أطلق على الاشتراكية التي ينادي بها اسم (الاشتراكية العربية) في مواجهة سلبية للتحدي الشيوعي المحلي وفي محاولة لتأكيد القضية القومية.

ويعرّف التقرير العقائدي الاشتراكية بأنها (الملكية العامة لوسائل الإنتاج). وإنها نظام اجتماعي يخلق ظروفاً موضوعية، اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، تحرر الإنسان من جميع أنواع الاستغلال والتسلط.

يتبع...

تقرؤون في سلسلة (ليل آذار الطويل) غداً:

- القصة الكاملة للجاسوس الإسرائيلي كوهين بالنكهة البعثية!

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات