السؤال الأبرز الذي يطرحه الاجتماع الأخير لما يسمى"تأسيس جالية سورية"، بالإضافة لبعض المواقف الأخرى التي يمكن استشراف وقوف التيار وراءها، ما هو موقف هذه القوى التيارات الديمقراطية اليسارية منها وغير اليسارية والناشطين والمثقفين في ظل ارتفاع الجدل الرافض لأي دور مفترض لتيار الوعد ومؤسسه رجل الأعمال المقرب من النظام فراس طلاس؟
التيار ظاهرة ديمقراطية؟
موقف أكثرية القوى والتيارات اليسارية وغير اليسارية والناشطين والمثقفين، يصف التيار أنه أحد أشكال النظام المنتفض ضده، وبقائه خارج الساحة السياسية أو على الأقل عدم قبوله من باقي القوى والتيارات الديمقراطية، يشكل ضرورة لأمن الثورة وبقائها بعيداً عن دائرة رجالات النظام. الفئة الصغيرة المتبقية وغالبيتهم من المثقفين والناشطين يعتبرون الشعارات الديمقراطية كفيلة بقبولهم وحقهم المبدئي بالوجود أسوةً بباقي القوى والتيارات، وهذا الدفاع الذي يقبل وجود هكذا تيار بلا قيد أو شرط، لا يخلى من شبهة المكتسبات المادية منها والمعنوية في آن واحد، وهو الحديث الذي لا يحتاج للكثير من البراهين، وتشكل المنح المادية التي يمنحها التيار للكثير من الشخوص تحت مسميات عديدة وظيفية أو غير وظيفية أو بدعوى دعم الفن والثقافة والعمل السياسي، إحدى الأمثلة الأوضح للتدليل.
يشكل القبول بتيار الوعد خطراً فادحاً على حاضر ومستقبل العملية الإجرائية في سوريا، ويسهم في تعريض القطاع المدني والناشطين لأخطار جسيمة، ولا يعد استبعادهم عن الحياة السياسية موقف قمعي بطبيعة الحال، ويجب على الائتلاف التصدي لهذا التيار بوصفه إحدى تشكيلات النظام السوري داخل القوى والتيارات الديمقراطية، ولا يمكن وصف أي قوى أو فرد يقبل بوجودهم بالديمقراطي.
مؤسس التيار وعائلته الذين كان لهم وزن داخل النظام والفئة الاجتماعية المنتفعة منه، لا يمكن للقوى والتيارات الديمقراطية القبول به، ومبدأ الاحتماء بالائتلاف لا يشكل احتماء بقوة تنتج استبداد جديد، بمقدار ما هو احتماء بإرادة هذه القوى والتيارات الديمقراطية التي تشكك به، و لها مستند تاريخي قوي تستند عليه، أهمها أن لمؤسس التيار علاقات قوية ظاهرة بالماضي وباطنية الآن بالنظام وأزلامه، ولا يمكن أن يكون لشخص كان له هذا الوزن، أن يكون له وزن الآن داخل الثورة.
وقد يكون أحكام الإعدام التي وقع عليها الأب مصطفى طلاس وزير الدفاع منذ انقلاب عام1970حتى الوقت القريب، بحق المئات من كوادر القوى والتيارات الديمقراطية والإخوان المسلمين، أخطر شكل عنفي لا يمكن لأي قوى أو تيار بل شخص أن يتسامح حياله، بالمقابل وبعيداً عن العنف المادي يشكل العنف المالي والفساد وجه آخر لمؤسس التيار الابن فراس.
أين يكمن الخطر؟
يبدو أي شكل من المراهنة السياسية على إدماج التيار والقبول به، يشكل إحدى المراهنات على القبول بالنظام، والتيار الذي يتمتع بقبول بعض الشخوص المحسوبين على الطبقة الوسطى، الذين عليهم التذكر إن الأخلاق إحدى جوانب الاشتمال السياسي ولا يمكن فصلها بعيداً عن النشاط السياسي، وأن مهمة الجيل الشاب الابتعاد عن عائلة متورطة بالكامل بالدم والفساد.
واتساقاً مع هذه الرؤية يشكل الاحتماء بالعملية الإجرائية المانحة لفكرة التيارات وما يتفرع عنها من فكر تحديثي، لحجز النظام وأزلامه مكان في العالم القادم، سينتج عنه حتماً وجهاً قمعياً وسلطوياً متسق تماماً مع الحاضنة الشرعية له متجسداً بالنظام، ولا يمكن تجنب هذا المطب البوليسي سوى عبر ضوابط تحديثية تفرضها القوى الراهنة التي تتعارض مع مصالح هذه الفئة بالمجمل.
بالمقابل إذا افترضنا قبول التيارات والقوى الديمقراطية بخيار الديمقراطية المطلق، بالرهان على قبول هذا التيار وأمثاله على أساس القواعد الديمقراطية، والرهان على تطور فكر هذا التيار على أسس العملية الإجرائية، سنجد أنفسنا في نهاية المطاف أمام خيارات فاشية بلبوس جديد، كما أن القوى والتيارات الديمقراطية الأخرى لن تجد دوراً مهماً تلعبه في ظل افتقادها لتمويل كبير، كالذي يحظى به تيار الوعد، ولا داعي للحديث عن مصدر هذا التمويل المعروف للجميع، فهو تاريخ من الفساد المالي المعروف من عقود ومثبت.
في اللحظة الحالية، الدفاع عن المشروع التحديثي لسوريا أمام كل أشكال الفاشية واجب
على كل القوى والتيارات اليسارية وغير اليسارية منها، وعليها في نفس الوقت تقديم نقد صريح لبرامجه للتيار وفضح وجهه السلطوي والتسلطي، والمطالبة بمحاكمة كل أزلام النظام وتقديمهم لمحاكمة عادلة وحقيقية، هكذا تكون الديمقراطية.
التعليقات (5)