الرؤية الأولى: سعودية مدعومة من مصر والإمارات إقليميا والولايات المتحدة الأمريكية دولياً، وتقوم على فكرة إضعاف نظام الأسد وإجباره على الذهاب إلى المفاوضات على أساس جينيف 1 الذي ينص على تشكيل حكومة إنتقالية من المعارضة والنظام مع وجود بشار الأسد في المرحلة الإنتقالية التي تدوم لعامين، والذريعة أن سقوط بشار الاسد في الميدان من شأنه أن يؤدي إلى حدوث فوضى ودمار لمؤسسات الدولة وحالة فلتان قد تستنغلها القوى الاصولية بما فيها إيران و"حزب الله" نفسيهما، لذا فإن الامر يستلزم حصول إتفاق على نمط الطائف برضاء الجميع وموافقتهم وحصولهم على الضمانات التي تحفزهم على دعم السلام والإستقرار.
لكن كيف الوصول إلى هذه الخلاصة؟، عبر نوع من "عاصفة الحزم" قريب من النمط الذي جرى تطبيقه في اليمن ولكن ليس بالضرورة أن يأخذ طابع إعلان الحرب وإستخدام القوة الجوية لما لذلك من محاذير وعدم ضمان الرد الروسي تحديدا، لكن ثمة طرق عدة متاحة لا تثير الغضب الروسي ويمكنها تحقيق نتائج عملانية محققة مثل دعم الكتائب المعارضة بكثافة، وعلى أكثر من مستوى، بدءا من تزويدها بأنماط جديدة من السلاح النوعي وخاصة الصواريخ المضادة للدروع وكذلك دعمها بالمستشارين الإحترافيين ومهندسي المعارك، وتقوم هذه الخطة على محاصرة قوات النظام في أصغر مساحة بما في ذلك قطع خطوط امدادها وإفقادها القدرة على المناورة والحركة الأمر الذي من شأنه تقليل الخيارات أمامها وحصرها في خيار القبول بالتفاوض، وتراهن هذه الرؤية على ضعف وإنهيار المنظومة القتالية للأسد وحلفاءه في هذه المرحلة وعدم إمتلاكهم لخيارات عديدة في الميدان بعد الإنكسارات التي تعرضوا لها وأن الامر لا يحتاج سوى مزيد من الضغط لتحقيق الهدف.
الرؤية الثانية: قطرية – تركية، وتلاقي بعض الدعم الفرنسي على الصعيد الدولي، وتقوم على فكرة إسقاط نظام الأسد في الميدان كسبيل وحيد لإنهاء الأزمة السورية دون الحاجة إلى تسويات سياسية وترك هذه المسألة إلى ما بعد مرحلة إسقاط النظام، وذلك على إعتبار أن الخبرة التاريخية في التعامل مع هذا النظام أثبتت قدرته الهائلة على المناورة والتسويف ولا يمكن الثقة به بأي شكل من الأشكال وان مجرد طرح قضية المساومة معه تعني إعطاءه فرصة جديدة للتملص والهرب من الإستحقاقات في إنتظار تغير المعادلات على الأرض.
تراهن هذه الرؤية أيضا على ضعف النظام وحلفاءه وعدم قدرة روسيا على إنقاذه وذلك نظرا لإنشغالاتها الأوكرانية ولأنها لن تستطيع تقديم جديد له أكثر مما قدمته حتى اللحظة، وبالتالي لا بد من إنتهاز هذه اللحظة المثالية للإنقضاض على ما تبقى من نظام الأسد وإسقاطه بالضربة القاضية.
تعتمد هذه الرؤية على إستراتيجية تزخيم الهجوم والملاحقة لفلول قوات الأسد في أكثر من مكان، كما هو حاصل في إدلب والشمال عموما وتهديد معاقل الأسد والضغط عليها بقصد إضعاف قوته في الجنوب والعاصمة وإضطراره إلى سحب قواته من هناك ما يساعد على تسهيل سقوط العاصمة.
تلتقي الرؤيتان عند ضرورة تحويل نظام بشار الأسد إلى مجرد ميليشيا ضمن مسرح الصراع في سورية وإسقاط شرعية حكم الأمر الواقع التي يتمتع فيها حتى اللحظة ، وإذا كانت الرؤية السعودية تسعى إلى توظيف هذا المتغير في عملية التفاوض النهائية، فإن الرؤية القطرية – التركية تهدف إلى توظيف هذا الأمر ضمن حزمة أدوات إسقاط النظام في الميدان جراء التفاعلات المتوقعة لإنحسار سلطته ضمن مناطق ضيقة ومحدّدة.
عمليا تبدو حظوظ الرؤية السعودية أكبر وذلك بالنظر لحجم الكتلة الإقليمية والدولية التي تؤيدها، ويبدو ان روسيا قد تكون قريبة من هذه الرؤية في حال حصولها على ضمانات لمستقبل نفوذها في سورية، وما يدعم هذا الإتجاه الدعوى التي وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز للتباحث في موسكو، ويأتي ذلك بناء على تقديرات روسية بأن نظام الأسد ساقط حتماً وان الإنعاش الروسي له لن يصمد طويلا وانه من الأفضل لموسكو التفاوض على سقوطه بدل أن يفرض عليها الأمر فرضاً، غير أن ذلك لا يعني أن الأمور قد لا تتطور لصالح الرؤية القطرية- التركية وخاصة وأن إنهيارات قوات النظام بالصورة الدراماتيكية قد تغري خصومه بالذهاب بعيدا إلى حد إسقاطه وفرض الامر على مختلف الاطراف الإقليمية والدولية.
التعليقات (3)