المكاسب قصيرة الأمد.. إغراء قاتل!

المكاسب قصيرة الأمد.. إغراء قاتل!
يفتقد الحلف الإيراني إلى تصورات إستراتيجية بعيدة المدى، وهذا الامر يجعله واقعا على الدوام ضحية إغراء المكاسب القصيرة الأمد التي تستنزفه إلى أبعد وتدخله في دائرة من التوهان تجعله في حالة دوار دائم حول نفسه دون العثور على خريطة طريق للخروج من هذه الدوامة.

ما حصل في جبهة جنوب سورية مؤخراً خير إثبات لهذه القاعدة، ذلك أن الجبهة وفق المعايير العسكرية تعتبر ساقطة لإفتقادها للمرتكزات التي تجعل منها جبهة صلبة وقادرة على إنتاج الصمود والإستقرار لصالح نظام الأسد، وبدل أن يفكر النظام بطريقة إبتكارية تنزعه من دائرة الإستنزاف في هذه الجبهة تغريه بع المكاسب التكتيكية والانية على الإستمرار في النزف حتى أخر قطرة من دمه.

نفس الأمر يحصل على الجبهات التي يشتغل عليها حزب الله في القلمون وجنوب درعا وريف حلب وسواها من الجبهات الساخنة، حيث يلهث حزب الله في صراع لم يعد له معنى عسكري واضح بعد أن نزعت منه إمكانيات الحسم وتحول إلى مجرد جولات متواصلة من القتال، يربح حزب الله بعضها نتيجة إستخدامه للكثافة النيرانية الهائلة وللسلاسل البشرية، لكن ربحه يكلفه الكثير على صعيد قدراته البشرية المحدودة، ثم لا يلبث أن يخسر تلك المواقع وتدفعه رغبة الغنتقام في إستعادة السيطرة عليها وهكذا ضمن حلقة مفرغة لا نهاية لها.

في حالتي نظام الأسد وحزب الله، يستغرق الطرفان بإتباع نفس الأساليب والخطط التي تم تجريبها وإستنفاذ عنصر المفاجأة منها، ولا يوجد لديهما أي محاولة لتطوير وسائلهما العسكرية، وذلك لان الثوار في الحالتين فرضا على الطرفين نمط قتالي وضعهما في حالة دفاعية في الغالب وأربك كل قدراتهما التخطيطية، كما ان الطبيعة الفوضوية لجبهة الثوار والتي لا تعتمد نمط قتالي محدد يقوض كل إمكانية لتصدير خطط حربية طويلة الامد أو القدرة على تحديد الوسائل اللازمة للتعامل مع الحالة الميدانية.

وهنا لا بد من التنبه إلى دور الاطراف الخارجية في زيادة إغراق حلفاء إيران في الوحل السوري العميق، وذلك من خلال تعمدها إصدار إشارات معينة عن عدم إستعجالها حسم الأزمة وعدم رغبتها التدخل لتغيير المعادلات وموازين القوة لصالح طرف معين، ولا حتى عبر تزويد قوى المعارضة بأنماط من الأسلحة من شأنها كسر التوازن الحاصل، وهذه الإشارات غالبا ما يتم تفسيرها في غرف عمليات الحلف بمثابة الفسحة التي تمنحها هذه الأطراف لهم من أجل صياغة سورية المستقبلية وترتيب خرائطها بالطريقة التي تضمن لهم تحقيق النفوذ والسيطرة على أكبر قدر من المساحة السورية.

وفق ذلك يجري تحويل منطق المكاسب القصيرة الامد إلى إستراتيجية بعيدة يتم على أساسها رسم المشروع الجيوإستراتيجي لسورية والمنطقة، تحت وهم القدرة على صناعة هذا المتغير دون النظر إلى مرتكزات القدرة الحقيقية من قوة إقتصادية وعسكرية وبشرية، ودون التوقف عند سؤال ما إذا كان ممكناً المحافظة على خطوط النار المتحركة دائما وتحويلها إلى خطوط تقسيم دائمة؟.

وهكذا، وعلى وقع أوهام " سورية المفيدة" و" الدويلة العلوية" يجري إستنزاف إيران وأذرعها مثل ثور هائج يدور في حلبة الصراع وينتهي به الأمر وقد سقط جراء الطعنات العديدة التي ملأت جسده وجراء خوار قوته ونفاذ جهده، صحيح ان هذا الثور قد يتمكن من إصابة خصمه ببعض الكدمات والرضوض، لكن الفارق بينه وبين خصمه يبقى أن الأخر يعرف لماذا يقاتل وكيف ينهي المعركة ويخرج منتصراً، وهو ذاته الفارق بين الثوار السوريون وخصمهم الحلف الإيراني، فالثوار هنا يقاتلون لإستعادة أرضهم والولوج إلى المستقبل الأمن ويعتبرون أن كل ما هو دون ذلك خسارة إسترتيجية صافية.

ما حصل في درعا لا يمكن إعتباره إلا مكسباً أنياً لن يثمر نتائج مهمة وهو بحسابات العقلاء وصناع السياسة الواعون مأزق الهروب منه نصر والبقاء فيه خسارة، ولكن من أين يأتي سدنة الحلف الإيراني بالعقل الإستراتيجي طالما يقوده خامات من أشكال قاسم سليماني وماهر الاسد وحسن نصرالله؟.

التعليقات (1)

    مقال ممتع

    ·منذ 8 سنوات 10 أشهر
    مقال ممتع شكرا للكاتب واورينت
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات