في اليوم العالمي للاختفاء القسري.. آلاف السوريين مصيرهم مجهول

في اليوم العالمي للاختفاء القسري.. آلاف السوريين مصيرهم مجهول
من أكبر مآسي الحرب التي شنها نظام الأسد على المدن والبلدات السورية، اختفاء عشرات آلاف السوريين دون أن يعلم أحد مصير هؤلاء الأشخاص، والمكان الذي يتواجدون فيه.

فالقانون الدولي ينص على وجوب ألا يكون أحدٌ ضحيةً لاحتجاز سرّي، فالاختفاء القسري ممارسة لا يمكن التسامح مع مرتكبيها في القرن الحادي والعشرين، هذا النص من رسالة الأمين العام للأمم المتحدة، بمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، الذي يحتفي به العالم كل عام في 30 من آب.

"في الساعة الثانية من مساء ذاك اليوم دقوا الباب بقوة، وبعد فتحه دخل خمسة أشخاص ملثمين ثم اقتادوا زوجي بعد ما انهالوا عليه بالضرب، ودون أن يسمعوا كلامنا ودون أن نعرف من هم وضعوه في سيارة مغلقة ورحلوا، فمضى على الحادثة ثمانية أشهر ولم نعرف عنه أية أخبار حتى اليوم"، بهذه الكلمات اختصرت أم محمد ما حل بزوجها منذ أشهر، وهو مايعرف بالاختفاء القسري، حيث يصل بعض الأشخاص ويقتحمون مسكن أسرة من الأسر، ويختطفون أحد الأشخاص، وهم يأتون في أي وقت من النهار أو الليل، يرتدون ملابس عادية، أو زياً رسمياً في بعض الأحيان، ولكنهم يحملون السلاح دائما، ثم ودون إبداء أية أسباب، أو إبراز أي أمر بالقبض، بل في كثير من الأحيان دون الإفصاح عن هويتهم، أو السلطة التي يأتمرون بأوامرها، وأحياناً يأخذون فرداً واحداً أو أكثر من أفراد الأسرة إلى سيارة، مستخدمين العنف في هذه العملية عند اللزوم.

ومثل هذا الحادث، كثيراً ما يكون الفصل الأول من مأساة مايعرف بالاختفاء القسري أو غير الطوعي، وهو ما يشكل بوجه خاص انتهاكاً لحقوق الإنسان وجريمة دولية.

ووفقا للإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي اعتمدته الجمعية العامة في قرارها 133/47 المؤرخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1992 بوصفه مجموعة مبادئ واجبة التطبيق على جميع الدول، فإن الاختفاء القسري يحدث عند القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغما عنهم أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون.

الآثار على الضحايا أنفسهم

يتأثر الضحايا، الذين كثيرا ما يتعرضون للتعذيب والخوف المستمر على حياتهم، ويتأثر أفراد أسرهم، الذين يجهلون مصير ذويهم، وتتأرجح عواطفهم بين الأمل واليأس، فيترقبون في حيرة، تصل أحياناً لسنوات وصول أخبار قد لا تأتي أبداً، ويدرك الضحايا جيداً أن أسرهم لا تعرف شيئا عما حل بهم، وأن فرص حضور من يمد لهم يد المساعدة ضئيلة، وقد أصبحوا في الحقيقية - بعد إقصائهم عن دائرة حماية القانون و اختفائهم من المجتمع - محرومين من جميع حقوقهم، وواقعين تحت رحمة آسريهم، وحتى إذا لم يكن الموت هو مآل الضحية، وأخلاء سبيله من هذا الكابوس في نهاية المطاف، فإن الآثار الجسدية والنفسية لهذا الشكل من أشكال التجريد من الصفة الإنسانية، وللوحشية والتعذيب اللذين يقترنان به في كثير من الأحيان تظل حاضرة.

الآثار النفسية والمادية على المحيط

وتعاني أسر المختفين كما يعاني أصدقاؤهم من ضغط نفسي بطيء، لعدم علمهم إذا كان الشخص لا يزال على قيد الحياة، يقول أيمن وهو شخص اختفى شقيقه في ظروف غامضة: "إذا كان أخي على قيد الحياة! أين يحتجز؟ وما هي ظروف احتجازه، وما هي حالته الصحية؟ كنا ندرك أننا مهددون مثله، وأننا قد نتلقى المصير نفسه، وأن البحث عن الحقيقة وعن مصير أخي قد يعرضنا لمزيد من الأخطار".

في وقت تزداد محنة الأسرة من جراء العواقب المادية للاختفاء القسري، ذلك أن الشخص المختفي غالباً ما يكون هو العائل الرئيسي للأسرة. وقد يكون في كثير من الأحيان هو الفرد الوحيد في الأسرة الذي يقدم المصروف المالي لها، وهكذا يتفاقم الاضطراب العاطفي باقترانه بالحرمان المادي الذي تشتد حدته في الأسرة نتيجة التكاليف الإضافية التي تتكبدها إذا قررت البحث عن فردها المختفي، وهذا ما قالته سيدة فضلت عدم الكشف عن اسمها حيث قالت: "اختفى زوجي واطفالي صغار ولا يوجد معيل لنا، أنا الآن أعيش في بيت أهله وأنتظر عودة زوجي حتى أستطيع إطعام صغاري".

وعلاوة على ذلك، فإن الأسرة التي اختفى أحد أفرادها لا تعلم إن كان سيعود يوماً، ولذلك فمن الصعب على الأسرة التكيف مع الوضع الجديد، وفي بعض الحالات، قد لا يسمح تشريع البلد للأسرة بتلقي معاش أو أية إعانات أخرى إن لم تقدم شهادة وفاة، فتكون النتيجة في أغلب الحالات أن تعيش الأسرة مهمّشة اقتصادياً واجتماعياً إذا غاب طرف آخر من الأقرباء أو الأصدقاء ممن قد يتكفل بالإعالة ريثما يتبين مصير المعيل المختفي فسراً.

المرأة تتصدر الكفاح في حالات الاختفاء

وتتحمل النساء في أغلب الأحيان وطأة الصعوبات الاقتصادية الخطيرة التي عادة ما تصاحب حالات الاختفاء، فالمرأة هي التي تتصدر الكفاح في معظم الأحيان لإيجاد حل لقضية اختفاء أفراد من أسرتها، وقد تتعرض المرأة، بقيامها بذلك، للمضايقات والاضطهاد والانتقام. وعندما تقع المرأة بنفسها ضحية الاختفاء، فإنها تصبح معرضة بشكل خاص للعنف الجنسي ولغيره من أشكال العنف.

تقول سحر: "كنا في دمشق ونتيجة تفاقم الأحداث دخل ملثمون واختطفوا زوجي، مما دفعني العودة بأبنائي للقرية، بعد أن صبرت أشهراً عدة على العيش في دمشق وأنا أعمل في حفر الباذنجان والكوسا لشخص في سوق الهال كي أتمكن من إعالة أطفالي، لكن حصلت عدة مضايقات في العمل، حيث يعتبر الناس أن المرأة العاملة فريسة سهلة الاصطياد، وقابلة للانحراف الجنسي".

ويمكن أن يقع الأطفال أيضا ضحايا هذه الظاهرة بصورة مباشرة وغير مباشرة، حيث يشكل اختفاء الطفل خرقاً واضحاً لعدد من أحكام اتفاقية حقوق الطفل، بما في ذلك حقه في التمتع بهويته الشخصيةً، كما أن فقدان أحد الوالدين عن طريق الاختفاء يشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان المكفولة للطفل.

تأثير الاختفاء على المجتمعات

تتأثر المجتمعات تأثيراً مباشراً جراء اختفال المعيل الوحيد للأسرة، بالإضافة إلى تأثرها من تدهور الوضع المالي للأسر وتهميشهم اجتماعياً.

وكثيراً ما استُخدم الاختفاء القسري كاستراتيجية لبث الرعب داخل المجتمع. فالشعور بانعدام الأمن الذي يتولد عن هذه الممارسة لا يقتصر على أقارب المختفي، بل يصيب أيضا مجموعاتهم السكانية المحلية ومجتمعهم ككل.

انتهاك حقوق الإنسان

ففي أثناء عملية الاختفاء، يمكن أن تنتهك الحقوق المدنية أو السياسية التالية:

- حق الفرد في الاعتراف بشخصيته القانونية.

- حق الفرد في الحرية والأمن على شخصه.

- الحق في عدم التعرض للتعذيب أو لأي ضرب آخر من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

- الحق في الحياة، في الحالات التي يقتل في الشخص المختفي.

- الحق في الهوية؛ الحق في محاكمة عادلة وفي الضمانات القضائية.

- الحق في معرفة الحقيقة فيما يخص ظروف الاختفاء، وغيرها الكثير من الانتهاكات.

وينتهك الاختفاء القسري أيضا بصفة عامة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للضحايا وأسرهم على حد سواء، ومنها:

- الحق في توفير الحماية والمساعدة للأسرة.

- الحق في مستوى معيشي مناسب.

- الحق في الصحة.

- الحق في التعليم.

سورية والاختفاء القسري

لا شك أن ملف الاختفاء القسري الذي يتعرض له السوريون يُعدّ من أخطر الانتهاكات التي تعيشها سورية منذ بداية الثورة السورية، وهو في الوقت ذاته من أكثر الملفات الشائكة، والتي يصعب التعامل معها في الوقت الراهن، وحتى في المستقبل، وهو يزيد في خطورته عن ملف الشهداء الذين يزيد عددهم عن ماخمسمة ألف شهيد حتى الآن.

وتأتي خطورة هذا الملف باعتباره ملفاً يخلو من المعلومات اللازمة المتعلقة بضحاياه، وما يرتّب على ذلك من اعتبارات قانونية وسياسية وحتى اجتماعية لاحقة، فعندما نتحدّث عن ضحية سقطت برصاص جيش النظام أو شبيحته، أو بقصف الطائرات والصواريخ، فنحن نعلم أن الشخص قد سقط نتيجة عنف النظام، وبالتالي فإنّ الأركان المادية للجريمة تكون كاملة من جهة، وتسهّل عمليه المحاسبة لاحقاً، ويمكن من جهة أخرى لذوي الضحية التعامل قانونياً وعاطفياً مع ضحيتهم، أما في حالة الخطف والاختفاء القسري، وهي الحالة السائدة الآن في سورية، فإنّ كل ما نعرفة أن عشرات الآلاف من الأشخاص لم يعودوا بين ذويهم، ولا تُعرف الجهة التي اختطفتهم، ولا يُعرف شيئاً عن مصيرهم، ولسنا متأكدين في جميع الحالات أنّهم اختطفوا أو قتلوا أو ما إذا انقطعت أخبارهم لأسباب أخرى، وبالتالي فإنّ متابعة هذا الانتهاكات تصبح شبه مستحيلة في الوقت الراهن، وتترك آثاراً تستغرق عقوداً في بعض الأحيان، فإلى اليوم لم يزل ملف المختفين قسرياً في أحداث الثمانينيات معلّقاً، وما تزال آلاف العائلات لا تعرف شيئاً عن مصير أولادها الذين اختفوا، بكل ما يتركه هذا الأمر من أزمات عاطفية، ومشاكل قانونية واجتماعية تتعلق بالزواج والإرث وما شابه.

ويُعبّر الإخفاء القسري للسوريين، بكل أبعاده السابقة، عن مدى الوحشية التي يمتلكها النظام السوري، والذي يعمل على تعذيب الضحايا وأسرهم، فهو لا يكتفي باختطاف الأشخاص وتعذيبهم وممارسة كل المعاملة اللاإنسانية عليهم أثناء احتجازهم ومنعهم من التواصل مع العالم الخارجي، بل يمنع ذويهم أيضاً من معرفة أخبارهم، وبالتالي يمارس تعذيباً مزدوجاً داخل أماكن الاحتجاز وخارجها، وبشكل طويل الأمد.

التعليقات (2)

    ناهيك عن دور ليلى والذئب

    ·منذ 8 سنوات 8 أشهر
    فبعد إختفاء ذكور العائلة يأتي من يتظاهر بالنبل والأخلاق الحميدة وأنه يبتغي وجه الله لمساعدة العائلة ـ ينتهي به المطاف متزوجاً أحلى الإناث و مشرداً بقية أفراد العائلة ويبيع دارهم ويفرطع من تبقى منهم ـ دون أن يعلم أحد ـ عالساكت

    سميرة توفيق

    ·منذ 8 سنوات 8 أشهر
    وبعد كل هذه الجراءم الشنيعة والقاشية التي ارتكبتها وترتكبها كل يوم عصابة الاسد يتحفنا العالم المتحضر بانه يجب الحفاظ على دولة القانون ومؤسساته..بربكم عصابة الاسد هي دولة القانون؟؟؟؟؟كفاكم التامر على شعبنا العظيم وكفاكم ابادته.الامم المتحدة فقدت كل الشرعية وانكشفت وجوهكم الحاقدة .الموت لبشار وعصابته
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات