رحل أبو فهد وحيد البلعوس الملقب بشيخ الكرامة كناية عن الشعارات التي أطلقها وناضل لأجلها, ففي يوم الجمعة الرابع من شهر سبتمبر \ أيلول، استهدف انفجار سيارة مفخخة موكب الشيخ البلعوس أثناء مروره في منطقة عين المرج على طريق ظهر الجبل بالقرب من مجمع سؤادا شرقي السويداء, ليلقى حتفه مع مجموعة من مشايخ الكرامة وعدد آخر ممن تصادف وجودهم في منطقة الإنفجار, الذي تلاه انفجار آخر بالقرب من المشفى الوطني الذي أسعف إليه المصابون وهو ما يؤكد إصرار القاتل على التخلص من الرجل مع أكبر عدد من أتباعه ومريديه, حيث تشير كل الدلائل إلى تورط نظام الأسد في هذه الجريمة كي يتخلص من الرجل الذي لطالما كان مثيراً للجدل بجرأته وتحركاته المستمرة وتفاعله مع كل حدث له علاقة بالدروز، ليس في السويداء فحسب بل في عموم سورية. هو رجل لطالما أرق الأسد ومشايخ عقل الطائفة "حناوي، جربوع، هجري" المؤيدين له وذلك رغم الفترة القصيرة التي نشط فيها أبو فهد حتى بات يعرف بشيخ الكرامة.
جملة من الأحداث ساهمت في بزوغ نجم الرجل, فمن الهجوم على خيمة الانتخابات الخاصة بإعادة انتخاب الأسد ، إلى حوادث الاختطاف المتبادل بين الدروز والفصائل المسلحة في حوران ، إلى أحداث إزالة حاجز المزرعة التابع للمخابرات الجوية ومعارك قرية داما التي قتل فيها شقيق البلعوس إضافة إلى 13 شخصاً آخرين, وصولاً إلى تصريحات البلعوس الجريئة دفاعاً عن الدروز ورفضاً لاستخدامهم أدوات في معركة الأسد ضد الشعب السوري وكذلك وقوفه في وجه المخطط الإيراني الذي يستهدف الطائفة تشييعاً واستقطاباً من خلال تنظيمهم في ميليشيات مسلحة تشرف عليها إيران بشكل مباشر, وصولاً إلى مطالباته المتكررة بتنحية بل واعتقال وفيق ناصر الحاكم الأمني بأمر الأسد في درعا والسويداء, والذي يُشبهونه بعاطف نجيب السويداء، كناية عن عاطف نجيب ابن خالة الأسد الذي تسبب باندلاع الثورة السورية بعد اعتقاله لأطفال درعا.
وحيد البلعوس أبو فهد ابن قرية "صميد" البوابة الشمالية لمنطقة اللجاة السورية،والمشهورة بأشجار البطم ذات الإستخدام الغذائي والطبي إضافة لأشجار اللوز المر التي يندر وجودها في العالم، لكنه ولِد وترعرع في قرية المزرعة غربي السويداء، ثم ارتحل عنها وسكن مدينة جرمانا بريف دمشق خلال خدمته في سلك الأمن السياسي ثم الشرطة المدينة لاحقاً ليعود بعدها ويستقر في بلدة المزرعة ويمارس حياته كإنسان بسيط يعمل بمهنة نجار بناء, كان يمكن له أن يحيا حياة بسيطة طبيعية بعيدة عن صخب الأحداث والخطر الناجم عن تحديه لأكبر منظومة إجرام عرفها العصر الحديث, لكنها الإرادة والشجاعة ما حمل هذا الرجل على ترجمة مبادئه إلى عمل وواقع على الأرض ، إذ استطاع تجنيب محافظة السويداء الكثير من المطبات, فإجرام عصابة الأسد دفع الكثير من السوريين للانخراط في الثورة أو التعبير عن سخطهم بطريقة أو بأخرى كما فعل الشيخ البلعوس.
لم يكن أبو فهد مؤيداً للثورة السورية لكنه وفي نفس الوقت لم يكن رمادياً, فقد أعلنها صراحة ومنذ البداية بقوله: " لسنا مؤيدين ولا معارضين", وما يميز ظاهرة الشيخ البلعوس هو اتخاذها لطابع مكافحة الفساد والتصدي للتهديدات التي تستهدف وجود الطائفة, فكان له مواقفه الجريئة التي رفضت توريط الشباب الدرزي في معارك الأسد الخاسرة ضد الشعب السوري, فجاهر برأيه محرضاً الشباب على عدم الانخراط في جيش الأسد, ومنادياً بوحدة المصير والعيش المشترك بوئام بين كافة مكونات الشعب السوري, حيث تعهد بحماية كافة الأعراض في منطقة الجبل بغض النظر عن إنتمائها المذهبي والطائفي، ومتحدياً في نفس الوقت مشيخة العقل التي تبنت مواقف النظام وطالبت الشباب الدرزي بالانخراط في جيش الأسد وميليشياته الطائفية.
محافظة السويداء ورغم عدم انخراطها في الثورة السورية, لكنها لم تكن بمعزل عن الأحداث، فدخلت بدورها في متاهة الولاء والمعارضة لهذه الجهة أو تلك من دول ومرجعيات سياسية وحزبية داخل وخارج سورية، وهو ما شجع على ظهور التيارات الحزبية والدينية التي كانت حركة الشيخ البلعوس إحداها، حيث ساهمت الأحداث في بروز أكثر من 12 فصيل مسلح في محافظة السويداء لعل أهمها هي ميليشيا شيوخ الكرامة التي شكلها الشيخ وحيد البلعوس، وباتت تعتبر من أكبر الميليشيات عدداً وأكثرها قبولاً على الساحة, حتى أنها وصلت إلى حدٍ هدد وجود بقية الميليشيات نتيجة تسرب الشباب الدرزي منها وانضمامه لميليشيا شيوخ الكرامة فباتت تضم الآلاف من الشباب الدرزي الذي وجد في تيار الشيخ البلعوس ضالته كونه يقف على مسافة شبه واحدة من النظام والثورة همه في ذلك حماية وجود طائفة الموحدين الدروز.
حادثة حاجز المزرعة
لقد كانت حادثة حاجز المزرعة التابع للمخابرات الجوية في الشهر الرابع من العام 2014 حدثاً مفصلياً في تاريخ السويداء والشيخ البلعوس إذ وبعد اعتداء الحاجز على أحد الباصات وإهانته لبعض الركاب فيه قام أنصار الشيخ البلعوس غير المسلحين باقتحام الحاجز وإزالته ليدخل الشيخ البلعوس بعدها في مواجهة مفتوحة ليس فقط مع نظام الأسد بل مع مشيخة الطائفة، وعندما أدلى بتصريحات نارية ضد الأسد، اتهمه فيها ببيع سورية لإيران والسعي إلى تقسيمها، قامت أجهزة أمن النظام بالضغط على مشيخة العقل، وهي المرجعية الرسمية لدروز سورية، والتي قامت بدورها بإصدار بيان موقع من شيوخ العقل حمود الحناوي، ويوسف جربوع، وحكمت الهجري، ويقضي بتوجيه البعد الديني" إلى وحيد البلعوس وأتباعه".
حيث علل الموقعون على البيان قرارهم هذا «بتكرار الحوادث المخلة بالدين وآدابه، والبعيدة كل البعد عن الأعراف الدينية»، وهو ما يفسر بياناً سابقاً منسوباً لنفس المشيخة يرفض أي إساءة لقائد الوطن والجيش العربي السوري حامي حمى الأوطان.
بيان المشيخة هذا كان قد سبب انقساماً داخل الطائفة حيث استنكر عدد من الشيوخ الدروز هذا القرار وأعلنوا وقوفهم إلى جانب شيخ الكرامة، فأصدر ما يُعرف "بجماعة عمار بن ياسر"، بياناً أكدت فيه دعمها للبلعوس ورفضها قرار توجيه البعد الديني له. قائلة إنها لا تقبل أن يصبح العلويون معياراً للوطنية، ووجهت من خلال البيان إنذاراً للأسد تطالبه فيه بسحب زعرانه من السويداء.
لقد أدرك الشيخ البلعوس ومعه كوكبة من مشايخ وأعيان السويداء أن إيران الغارقة في مستنقعات المنطقة من العراق إلى سورية فلبنان والبحرين وصولاً إلى الكويت والسعودية واليمن لن تتوقف عن محاولاتها توريط طائفة الموحدين الدروز في معارك مع محيطهم السني من أجل حرف بوصلة الثورة السورية وتخفيف الضغط عن قوات الأسد وذلك بإشغال الفصائل المسلحة في حوران عن هدفهم الرئيسي المتمثل في إسقاط نظام الأسد وتحرير سورية من الاحتلال الإيراني.
لقد تمثل الخطر الإيراني في تشكيل العديد من الميليشيات المدعومة من قبلها بشكل مباشر أو غير مباشر وهنا لابد لنا من أن نتطرق إلى الفصائل المسلحة التي تشكلت في السويداء خلال هذه الفترة لكشف الدور الإيراني المشبوه في محاولة توريط الدروز مع محيطهم، وهو ما سهل مهمة إغتيال الشيخ البلعوس ومرافقيه، أما أبرز الميليشيات فهي:
الدفاع الوطني: أو اللجان الشعبية (الشبيحة) وهي أهم المليشيات التي شكّلها نظام الأسد، حوالي 5000 مقاتل.
فصائل البعث: تتبع مباشرة لفرع الحزب في السويداء، حوالي 4000 مقاتل
جمعية البستان: وتمولها جمعية البستان ويديرها رامي مخلوف، وزوجة عصام زهر الدين حوالي 200 مقاتل
حزب الله السوري: وتقوم بتنظيم الشبان ودفع رواتبهم مع إبقائهم كخلايا نائمة إلى حين الحاجة إليهم العدد غير معروف.
سمير القنطار: حيث كان يديرها ويمولها القنطار بشكل مباشر وبدعم خفي من حزب الله وإيران بواسطة سمير قنطار.
حزب التوحيد: وتتبع لوئام وهاب زعيم الحزب وتمويلها إيراني مباشر ولكن بواسطة وئام وهاب.
الحزب القومي الاجتماعي السوري: وهو فصيل مسلح يتبع نظام الأسد بشكل مباشر، حوالي 150 مقاتل.
لبيك يا سلمان: وهي ميليشيا شكلتها إيران وتقوم بتمويلها بشكل مباشر.
شيوخ الكرامة: وتتبع الشيخ وحيد البلعوس وتعتبر من أكبر الميليشيات عدداً أكثر من 4000 مقاتل.
جماعة بشنق: وهي مجموعة غير ظاهرة للعلن حتى الآن وعدد عناصرها بالآلاف وقيادتها جماعية.
يوسف جربوع: وهو شيخ عقل الطائفة الحالي يوسف جربوع حوالي 2000 مقاتل.
عمار بن ياسر: غير معروفة العدد لكن عناصرها من المتطرفين دينياً.
لقد كان الشيخ البلعوس عقبة في وجه الأسد وإيران فأفشل مساعي تشكيل حشد شعبي على غرار الحشد الشيعي في العراق كما أفشل محاولات النظام استقطاب الشباب الدرزي للخدمة في جيشه وهدد بانهيار ما عملت عليه إيران خلال الأعوام الأخيرة خاصة الميليشيات التي قامت بإنشائها، ليس هذا وحسب فلقد ظهر الشيخ البلعوس كشخصية وطنية وطائفية جامعة للدروز وهو ما شكل خطراً على مكانة وسلطة شيوخ عقل الطائفة وهدد بتغيير تراتبية خارطة الدروز الدينية فكان لابدّ من التخلص من الرجل الذي شكل علامة فارقة في حياة الموحدين الدروز رغم قصر المدة التي نشط فيها شيخ الكرامة الذي أغضب المشايخ والأسد.
من أقوال الشيخ وحيد البلعوس:
الدروز بموقفهم الوطني "أشرف من كل علوي، ونحن نحرص على وحدة سوريا، ونرفض مشاريع التقسيم والتعدي على كرامة الناس في الجبل بكل طوائفهم، وسنحارب الفساد وندافع عن الأرض والعرض ضد كل معتد.
ما بدنا الدولة الدرزية، بس إذا صارت، منحكم حالنا بحالنا.
كرامة أهل الجبل أغلى من بشار الأسد نفسه.
النظام لا يقيم أي اعتبار لأبناء الطائفة الدرزية، كما غدر بنا وقام بإطلاق النار علينا من الخلف، في معركة داما التي "ذلّت" النظام، الذي يصفنا بالإرهابيين بينما يصف رجاله الفاسديين بالوطنيين.
إنّ مسؤولية رئيس الجمهورية هي الحفاظ على المواطنين، وإذا لم يُقدر الأسد ذلك. فمع السلامة. ما بدنا ياه. ومستعدين نوصل للقصر الجمهوري ونقوم بإسقاطه.
التعليقات (16)