لعل الشائعة الأهم التي ظهرت في الثلاثينيات، وازداد انتشارها أيام الحرب العالمية الثانية، عندما كان "الفوهررالألماني" يحصد الانتصارات، والتي حظيت بقبول كاسح بين فئات الشعب المختلفة في منطقة بلاد الشام آنذاك، هو ما أوردته بعض المصادر عن المقال الذي كتبه "حسن البنا"، مؤسس جماعة الأخوان المسلمين في مصر، عبر مجلة "النذير" الناطقة باسم الجماعة، عن إسلام الزعيم النازي "أدولف هتلر"، وأنه ذهب إلى مكة المكرمة، وأدى فريضة الحج، وغيّر اسمه إلى "الحاج محمد هتلر"، بالإضافة إلى شائعة تدريس اللغة العربية وعلوم الدين الإسلامي في دول المحور: (إيطاليا - اليابان - ألمانيا)، خلال فترة الحرب العالمية الثانية.
حيث استطاعت هذه الشائعة أن تستحوذ على تفكير ومخيلة الناس في الشرق العربي، على اعتبار أن "الحاج محمد هتلر" يقتل الإنكليز والفرنسيين، الذين يحتلون الأراضي العربية، حيث يعتبر تصديق هذه الشائعة في ذاك الوقت، من باب التمني للقضاء على الاحتلال والانتداب، الذي ترزح تحته بلاد الشام والعراق ومصر، حيث كانت الفكرة الدينية هي المسوّق الرئيسي لهذه الشائعة.
في الموروث الشعبي، هنالك مثل يقول "عدو عدوك صديقك"، وبالتالي إن كان هتلر هو عدو للإنكليز، والفرنسيين، واليهود، فهو بالتالي صديق للعرب والمسلمين.
من المؤكّد، والحتمي، أن العرب في الشرق لا يعرفون أدبيات الحزب النازي المتطرفة، إلا أن معاداة السامية، وحرق اليهود بأفران الغاز، أو ما يسمى بالهولوكست، وبغض النظر عن مصداقية هذه الرواية، إلا أنها داعبت مشاعر العرب المسلمين لإنهاء العدو الأكبر تاريخياً، ما جعل فكرة الشائعة التي تتحدث عن إسلامه تنتشر كما النار في الهشيم، ليصبح بقدرة قادر "الحاج محمد هتلر"!
في المقابل، منذ بداية تسليح الثورة، وظهور الجيش الحر في سورية، أخذ النظام منحىً جديداً في التصدي للثورة والثوار، عبر القصف والتدمير الممنهج للمدن والبلدات التي تخرج عن سيطرته بشكل نهائي، ما أدى إلى موجات نزوح عن هذه البلدات، والتي كان احتواءها في دول الجوار مثل تركيا، ولبنان، والأردن، ممكناً في تلك الأحيان. إلا أن ازدياد همجية النظام الإجرامية، أدى إلى اقتناع الدول الأوربية بفكرة منح حق الحماية البديلة، للهاربين من هول الحرب في سورية، حيث تم توصيفها في بعض الدول الأوربية على أنها "حرب أهلية"، وبدأت منذ نهاية عام 2011 تمنح هذا الحق بشكل مؤقّت، على اعتبار أن هذه الحرب قد تنتهي بعد وقت قصير، بطريقة الحل السياسي، خاصة وأن كل الأطراف الدولية في ذاك الوقت، كانت تدفع باتجاه الحل السياسي، عبر مبعوثين أمميين، ولجان تقصي حقائق، من مفتشين عرب ودوليين.
لم تنته الحرب، كما كان متوقعاً، وبدأت أسراب السوريين بالهجرة نحو الدول الأوربية، التي تحظى بحقوق الإنسان والأمان، حيث كانت مملكة السويد هي الدولة الأكثر جذباً للمهاجرين، تليها ألمانيا التي تحظى بمقومات الدولة القوية، غير أن التدفقات الكبيرة التي اجتاحت أوروبا، جعلت دول الاتحاد الأوروبي تفكر بشكل أكثر برغماتية، حول توزيع عادل للمهاجرين القادمين من عددٍ من دول العالم، حيث يشكّل السوريون والفلسطينيون المقيمون في سورية، أقل من 20% من المهاجرين الوافدين، وكانت ألمانيا دائماً تتبع أي لقاء أوروبي، بحزمة قرارات تجعل منها ملاذاً آمناً للمهاجرين، الذين تقطّعت بهم السبل كلها، حيث تتوقع الحكومة الألمانية أن تستقبل في نهاية 2015 نحو 800 ألف مهاجر.
يتحدّث البعض عن تبعات هذا الاستقبال الكبير للاجئين السوريين، ويعتبرونه إفراغاً لسورية من طائفة الأكثرية السنّية، وجعلها أقلية، بغية التغير الديموغرافي في سورية، ومنح جنسيات لمليشيات قاتلة للشعب السوري، على مدى أربع سنوات متتالية حيث قيل عن منح ما يقارب 800 ألف جنسية لمقاتلين غير سوريين، بحسب بعض مصادر من المعارضة السورية.
مرة أخرى، وبعد أكثر من سبعين عام، يستخدم الدين بذات الطريقة التي تم استخدامها لجعل زعيم غربي قائداً فكرياً لنا نحن أبناء الشرق؛ يستخدم الآن في تسويق زعيمة غريبة، وطبعاً هي لا تدري أنها تسوّق في الشرق على أنها المخلّصة، كما كان هتلر لا يعرف ذلك؛ في إسقاط غريب ظهر على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك - تويتر)، تظهر صورة للمستشارة أنجيلا ميركل، في تشبيه غريب بالنجاشي، ملك الحبشة، خلال الأعوام الأولى للرسالة الإسلامية، حيث قال الرسول الكريم (ص ): "اذهبوا إلى الحبشة، ففيها ملك نصراني لا يظلم عنده أحد" حيث اعتبرمن يعمل على تسويق الصورة أن هذه الهجرة كتلك، وأنّ ميركل كالنجاشي، وربما نقرأ بعد فترة وجيزة عن إسلام ميركل، زعيمة الحزب المسيحي الديموقراطي اليميني، وكيف ذهبت إلى مكة وقد أدت مناسك الحج، ثم كيف أصبحت "الحاجة فاطمة ميركل"، وليس بيد العامة إلا التصديق!
سواء أكان "الحاج محمد هتلر"، أو "الحاجة فاطمة ميركل"، مع أو ضد ما حصل في الشرق العربي في أربعينيات القرن الماضي، أو الآن، لا يمكن منحهم صك البراءة مما يجري من حروب إبادة بحق الانسانية، وهذا الحياد من قبل ألمانيا "ميركل"، تجاه المجازر اليومية التي تحصل في سورية، ولعل استخدام الدين لتسويق شخصيات تروق للبعض، كما حصل في الثورة العربية الكبرى، التي كان فيها الضابط البريطاني "توماس إدوارد لورانس"، الذي حمل على لقب "لورانس العرب"، أو تأييد السوريين لحزب العدالة والتنمية التركي، وزعيمه رجب طيب أردوغان، رغم أن هذا التأييد لربما يكون هو من تسبّب بجعل الحزب يخسر نقاطه في الانتخابات الأخيرة، ليأتي الدور على المستشارة الالمانية، التي من الممكن أيضاً، بسبب الإجراءات الاستثنائية التي تقدّمها للمهاجرين بشكل عام، والسوريين بشكل خاص، من أجل تقديم الحماية، قد يخسر حزبها الانتخابات، خاصة بعد الخلافات التي تجتاج أعضاء المكتب السياسي للحزب المسيحي الديموقراطي الحاكم ، وقد تخرج "ميركل" من زعامة ألمانيا بسبب هذه الخلافات، وتنتهي أسطورة أقوى امرأة في ألمانيا!
من "الحاج هتلر" إلى "الحاجة ميركل"، تبقى ألمانيا هي بلد الخلاص من الأعداء، والقهر، والحياة.
التعليقات (3)