بوتين.. كيف يرى سوريا المفيدة ؟!

بوتين.. كيف يرى سوريا المفيدة ؟!
من الخطأ بمكان، اعتبار التدخل الروسي العسكري في سوريا، وإقامة قاعدة جوية بالقرب من القاعدة البحرية على الساحل السوري، تدخلاً جديداً، فالجميع يعرف مدى الدعم العسكري والسياسي الذي قدّمته روسيا لنظام الأسد، عبر مجلس الأمن، أو إتمام صفقات التسليح، بدعوى أنها صفقات قديمة، أبرمت في العام 2010، وهو ما وجد مبرراً للإفلات من أي فكرة، لخرق القانون الدولي، الذي تتمسك به روسيا لدعم طغاة العالم، منذ الحرب اليوغسلافية إلى الآن، في سوريا، واعتبار أن نظام الأسد يشكّل الحكومة الشرعية التي تحارب الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، التي تسيطر على مساحات واسعة في سوريا والعراق؛ بعد كل هذا الدعم يبقى السؤال المطروح: لماذا يريد بوتين التدخل العسكري المباشر في سوريا؟

في الحقيقة، يمكن اختصار روسيا في شخص بوتين، كأي دولة ديكتاتورية، يحصل الرئيس فيها على قوّته من رجالات الدين، وتأييد الكنسية الأرثوذوكسية الروسية للحرب المقدّسة ضدّ الدولة الإسلامية، وحماية مسيحيي الشرق؛ على اعتبار أن هذه الكنسية راعية لهم. بالمقابل سيطرته على قرارات مجلس الدوما الروسي، الذي وافق بالإجماع، على قتال تنظيم الدولة في سوريا، ولكن من الجو فقط، ولا يريد مجلس الدوما أن تكون هناك قوات برية، بمعنى أن بوتين يريد تثبيت أقدامه في الأراضي السورية بدون دماء الروس، ليس خوفاً على عناصر الجيش الروسي من الغرق في الوحل السوري، لكن على ما يبدو أن بوتين حسم أمره بشكل كامل، وقرّر عدم خوض الحرب في سوريا، دفاعاً عن أحد.

هو يريد بشكل واضح أن يكون الحل السياسي عبر بوابته العريضة، التي قال أنّه فتحها للجميع، سواء من خلال لقاءات المعارضة في موسكو، من خلال منتديين، والثالث في دولة حليفة أو تابعة له "كازخستان"، أو من خلال تشكيل تحالف دولي قوي لقتال داعش، بمشاركة النظام السوري، وإيران، وقوات الحشد الشعبي الشيعي في العراق، وهو ما يمكن فهمه أنه يريد أن يكون في حلف ندّي ضد الحلف الغربي – العربي، وإن كانت الأهداف واحدة، والذي بدأ قتال تنظيم الدولة، منذ أكثر من عام، أو أن يكون جزءاً مهماً، وقائد عمليات لهذا الحلف.

إنّ تمسك موسكو بشرعية النظام السوري، والحديث عن وجوب الحوار معه، وأنه جزء أساسي من أي تسوية سياسية تنهي الصراع في سوريا، وتحوّل الموقف الروسي، من التمسك بالنظام، والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، إلى التمسك بشخصية بشار الأسد، بعد مد وجزر حول عدم أهمية الأشخاص بالنسبة لموسكو؛ هذا التمسك يمنح روسيا شرعية التدخل العسكري المباشر، دون تقديم تنازلات معينة في أروقة مجلس الأمن الدولي، لتمرير القرار الذي من الممكن جداً أن يواجه بفيتو أمريكي، أو أوربي، أو الابتعاد عن خرق القانون الدولي الذي اعتادت أن تستنجد به موسكو كثيراً، لحماية الطغاة، فكانت الدعوة برسالة من بشار الأسد - بحسب إعلام النظام السوري - الذي تعتبره موسكو رئيساً شرعي، موجّهة إلى الرئيس بوتين، للتدخل العسكري المباشر، لمساعدة الجيش النظامي، بقتال الإرهاب؛ هو ما تريده تماماً لتمرير تدخّلها على أنه طلب رسمي، ضمن اتفاقات بين الدول، لحماية الدولة السورية، وليس تدخلاً لإسقاط أنظمة، كما تتهم روسيا الولايات المتحدة بأنها تخرق القانون الدولي، وتريد إسقاط رؤساء دول، انتخبوا بشكل ديموقراطي..

في الأمنيات، التي عوّلنا عليها نحن السوريين، خلال أربع سنوات مضت، أن تأتي نتائج التدخل الروسي مطابقة لنتائج التدخل السوفياتي في أفغانستان، وما نجم عنها من اندحار السوفيات من أفغانستان، عبر حرب عصابات، أنهكت الجيش الأحمر آنذاك، وهو ما يبني عليه كثيرون فرضية أن المعادلة لن تتغير كثيراً؛ هذا صحيح في حال كانت روسيا تريد القتال ضد أي جهة. وفي واقع الأمر، إن تحويل مطار مدني إلى عسكري، وإقامة قاعدة عسكرية في الساحل السوري، ليست الغاية منه إلا حماية مصالحها الاستراتيجية، المتمثلة في عدم مدّ أي أنبوب غاز من الخليج- وتحديداً قطر- إلى أوربا، لأن الأخيرة ستستغني عن الغاز الروسي، وعندها ستكون هناك عواقب وخيمة على اقتصاد روسيا، المعتمد بشكل أساسي على الغاز المباع لأوربا. أما المصلحة الأخرى، فهي وضع قدم كبيرة في سواحل المتوسط، حيث انتقلت القاعدة الروسية البحرية في طرطوس، من قاعدة إمداد وصيانة، إلى قاعدة عسكرية رسمية، تقوم على المناورات البحرية، واستضافة القطع البحرية بشكل كامل، وتعزيزها بقاعدة جوية، أما المصلحة الأكثر أهمية، فهي اكتشاف أربعة عشر حقلاً للغاز في السواحل السورية، تقدّر طاقتها الإنتاجية اليومية بمليون متر مكعب من الغاز، وهو ما تجب السيطرة عليه، وفعلاً، فقد بدأت عمليات التنقيب والدراسة، قبل بدء العمليات الجوية، وهو الأساس في هذا التدخل.

لم يعد للنظام السوري أي تواجد فعلي على الأرض، إلا من خلال مؤتمرات صحفية يطلقها البعض للحديث عن شرعية مفقودة، وأنه على الأسد أن يرحل، سواء أكان خلال فترة انتقالية، أو عبر تصعيد سعودي، من خلال تأكيد وزير خارجية المملكة "عادل الجبير" في الأمم المتحدة أن على الأسد الرحيل، ولو بالخيار العسكري، أو عبر تأكيد حلفاء النظام على شرعيته، لشرعنة التدخل، كما أنه أصبح ورقة للمساومة على أي تغيير ممكن، خاصة وأن نائباً في البرلمان الروسي أبدى استعداد موسكو لاستقبال الأسد- في حال سقوطه - كما استقبلت نظيره الأوكراني، الذي أسقطه شعبه، وهو ما يعزّز فكرة أن روسيا، لن تحمي أحداً في المستقبل.

من الواضح أن بوتين يرى في الساحل السوري "سوريا المفيدة"، ربما ليس عن طريق التقسيم أو اعتبارات الدولة العلوية، التي لا تعنيه كثيراً، ولكنه يرى في هذه الـ"سوريا" أنها منطقة نفوذه الحالية، التي يسيطر عليها ضمن تفاهمات دولية، كان آخرها التطمينات الروسية التي أودعها بوتين لرئيس الوزراء الاسرائيلي "بنيامين نتياهو"، حول أن الجيش النظامي "السوري" لن يستطع فتح جبهة مع إسرائيل، وأنّه لا يريد ذلك أصلاً.، وأنّه بالتالي مسؤول عن أمن إسرائيل كما أكد في مؤتمره الصحفي، هذا هو المهم بالنسبة للولايات المتحدة، التي لم تعد تريد الشرق الأوسط المتعب بعد اكتشاف النفط الصخري في الولايات المتحدة، وتريد التوجه إلى شرق آسيا، كسوق يشهد نمواً كبيراً جداً، خاصة بعد الانتعاش في الاقتصاد الأمريكي.

من المبكر الحديث عن أي تسوية سياسية في سوريا في الوقت الحاضر، وإن كانت اللجان الأربع لمبادرة "دي ميستورا" ستجتمع خلال أيام، ولكن قيل بشكل مسبق أن توصيات اللجان غير ملزمة، أي أنها لتمرير الوقت لصوغ تفاهمات في الغرف المغلقة، من أجل وضع خارطة طريق للحل السياسي في سوريا، خاصة بعد تأكيد "جون كيري" على وجوب مشاركة السنّة السوريين في الحل بشكل فعّال؛ هذه التفاهمات في الغالب، ستنهي الغارات الروسية الاستعراضية، التي بدأت بتنفيذها في مناطق حول الساحل السوري، وتجعل "سوريا المفيدة" في قبضة بوتين، لوقت قد يكون من الصعب التكهن به، ولكن من المتوقع أنه لن يكون طويلاً، فيما لو وصلت إلى البيت الأبيض إدارة جمهورية مؤمنة أن القوة الخشنة ضد الخصوم أكثر فاعلية من القوة الناعمة التي تستخدمها الإدارة الديموقراطية!

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات