روسيا .. الراعي الكذّاب

 اعتبرته مزاحاً، وكلاما ًغير قابل للتصديق، ما نقله لي صديقي في 11 أيلول عام 2001، حول انهيار برجي التجارة العالمي في مانهاتن بولاية نيويورك، وذهبت إلى أنها أمنية سمجة يتمنى حدوثها، إلا أن الأخبار المتتابعة، وتبني تنظيم القاعدة في أفغانستان للعمليتين الانتحاريتين بالطائرات المدنية، وتدمير البرجين، حوّلا كلامه إلى حقيقة، ودخلت في مرحلة انتظار ما ستؤول إليه الأمور، خاصة وأن الإدارة الجمهورية برئاسة جورج بوش الابن، الذي يؤمن بالقوة العسكرية لحلّ كل القضايا، والتي وصلت حديثاً للحكم، بدأت بالتهديد والحشد الدولي لمحاربة الإرهاب، بمباركة من الشعب الأمريكي الذي يريد الانتقام من هؤلاء الجهاديين في مجاهل أفغانستان، وخلال أربعين يوماً تم احتلال أفغانستان، بمساعدة تنظيم القاعدة الذي ترك ذريعة كبيرة أمام العالم، ومازال خطره جاثماً على صدور العالم في محاربة الإرهاب، بنسخته الجديدة (داعش).

على الرغم من التقارير الكثيرة، التي تحدثت عن كذبة 11 أيلول، واستثمارها من قبل الولايات المتحدة، والتي ذهبت في بعض الأحيان للقول أنها هي من أقدم على تنفيذ هذه العملية، لأن كل المعلومات الاستخباراتية، والتحريات، أثبتت أنه من الصعوبة بمكان اختراق النظام الأمني للطيران الأمريكي، إلا أن هذه التقارير لم تفد في إبعاد شبح الإرهاب العالمي، وتقسيم العالم إلى محوري الخير والشر في احتلال أفغانستان والعراق، أكبر أعداء الولايات المتحدة آنذاك. 

تحاول روسيا العمل ضمن هذا التكتيك، أو الاستفادة من التجربة الأمريكية في معاقبة الأعداء المفترضين لها، خاصة وأنها بدأت تشعر بقوة زائدة، بعد التدخل الروسي في سوريا، وتهافت الدول الأخرى للتنسيق معها، سواء في الجو (أمريكا - اسرائيل )، أو التنسيق معها على الأرض، من قبل قوات النظام السوري، والمليشيات الطائفية التابعة لإيران؛ هذا التكتيك الذي يعتمد على زج ّالرأي العام الروسي في بوتقة الحرب على الإرهاب، بالاعتماد على ذاكرة ليست بالبعيدة، في حروب روسيا في الشيشان ضد التنظيمات الإرهابية التي ظهر في وقت لاحق أنها تنظيمات مرتبطة بالمخابرات الروسية لإنهاء محاولة استقلال الشيشان عن روسيا بشكل كامل .

ويأتي تبني تنظيم الدولة (داعش) إسقاط الطائرة الروسية المدنية في منطقة سيناء، في مصر، ضمن هذا السياق، الذي تلعب عليه موسكو، في حشد الرأي العام الروسي، وتبرير التدخّل في سوريا، من خلال قتل أكثر من مائتي مدني في هذه الرحلة، والتي حاولت روسيا التغاضي عن تبني داعش لإسقاط الطائرة، كنوع من اللامبالاة، إلا أن تقارير تقنية تحدثت عن عامل خارجي أدى إلى إسقاط الطائرة، وأنها انشطرت في السماء قبل سقوطها، وهو ما يعزز نظرية إسقاطها من قبل تنظيم الدولة، بحيث يكون هذا التقرير الصادر عن جهة تقنية وليس من قبل الحكومة الروسية، لإخراس أي معارضة للتدخل في سوريا، من أجل ضرب تنظيم |"داعش"، وبالتالي الحصول على تأييد شعبي، بعد أن فشل الدعم الكنسي، من خلال الحديث عن الحرب المقدسة ضد الإرهاب الإسلامي، واستعداد رئيس الشيشان الموالي لموسكو "قاديروف" لإرسال جنوده بغية قتال داعش في سوريا والقاء القبض على منتمين لهذا التنظيم في الشيشان كان هذفهم تنفيذ عمليات ارهابية من بينها اغتيال قاديروف نفسه.

بعد عدة أيام، تسقط طائرة شحن أخرى، في سماء جنوب السودان، ويقتل من فيها، والذين يقدر عددهم بـ 44  شخص، ومما قيل أنها طائرة شحن أسلحة قادمة باتجاه سوريا، لضرب التنظيم الذي لا يطاله سلاح الجو الروسي، إلا بعدد قليل جداً من الغارات، التي لم توقفه عن التمدد في البادية السورية، والاستيلاء على ثاني أكبر مستودع للأسلحة، تابع لجيش النظام السوري وهو يتجه باتجاه بلدة صدد المسيحية، للعب على الفكرة الدينية، في حماية الأقليات، حيث يركّز غاراته على الأماكن المدنية في ريفي حلب، وحماة، وضد المعارضة السورية المسلحة المعتدلة، حتى وصلت نسبة الغارات التي نفذتها روسيا ضد المعارضة إلى 90% من هذه الغارات، بحسب  "آن باترسون"، وهي  أهم دبلوماسية أمريكية معنية بشؤون الشرق الأوسط في الكونغرس. 

يعمل "لافروف" جاهداً على كتابة قائمة بالتنظيمات التي يجب تسميتها بالإرهابية، وهي تلك الفصائل التي تدمّر قوات الأسد، والتي لا تستجيب إلى دعوات روسيا للحوار، والوقوف بجانبها لقتال تنظيم داعش، والكف عن قتال النظام الذي ينهار بشكل يومي، على الرغم من الغارات المكثفة على الجبهات، ولم تخفِ موسكو نيتها القتال في سوريا، حتى انتصار الأسد.

 في الحقيقة أن التكتيك العسكري، الذي تعمل عليه موسكو، هو إشعال المعارك في مناطق واسعة من سوريا، لتغطية تمدّد تنظيم الدولة، في عدة جبهات، ثم البدء بالغارات الوهمية ضد هذا التنظيم، وهنا تبدأ مرحلة انسحاب التنظيم، واستيلاء جيش النظام على المناطق التي ينسحب منها التنظيم، كما حدث في مدرسة المشاة، في ريف حلب، منذ أسبوعين، وانسحابه الأخيرمن منطقة خناصر، واستعادة الجيش النظامي له بعد خسارته له،ا وكل ذلك ضمن حملة إعلامية عن القوة الجوية الروسية، التي تجبر "داعش" على التقهقر، ودخول حليفه للأراضي التي يحررها! 

منذ اليوم الأول للتدخل الروسي في سوريا، بدأت روسيا بالحملات الإعلامية حول أنواع الأسلحة التي تستخدمها في سوريا، ضمن "بروباغندا" إعلامية للترهيب، لكنها احترفت دور الراعي الكذاب، الذي يحاول دائما صنع خطر، أو انتصار، ثم يكتشف الجميع أنه عبارة عن فقاعة إعلامية، حيث بدأت قوة روسيا المزعومة تتلاشى أمام انتصارات الجيش الحر، في ريفي حلب، وحماه، لكنها تحاول استعادة المبادرة في تصدير مفهوم القوة، عبر الحماية المتبادلة بينها وبين "داعش"؛ كلّما شعرت روسيا بتأزّم الموقف، ظهر لنا من يحشد ضد روسيا، أو ينفذ عملية ضد روسيا، من جماعة "تنظيم الدولة الإسلامية"، أو ظهور قائد تنظيم القاعدة  "أيمن الظواهري"، للحديث عن توحيد المجاهدين ضد روسيا، كذريعة واضحة لتمرير قائمة التنظيمات الإرهابية في سوريا، كما تراها موسكو، أو من أوجعت موسكو في سوريا، والتي لابد من التخلص منها، لتستتب الأمور لها.