"المراصد" ... تتحدى اتصالات الأسد وتنقذ أرواح الناس

"المراصد" ... تتحدى اتصالات الأسد وتنقذ أرواح الناس

"حربي س 24 باتجاه جنوب المحافظة والريف حتى الحدود ... حدود انتباه حربي"

"حربي روسي اقلاع من حميميم باتجاه منطقه العمل اللهم سلم"

هذه العبارات تصل كل دقيقة إلى الآلاف من الناس في المناطق المحررة من سوريا، كانت تصلهم صوتاً عبر أجهزة اللاسلكي المنتشرة بكثرة "القبضات"، والآن تصل عبر كل الوسائل المتاحة، القبضات وتطبيقات الموبايل، ومواقع التواصل الاجتماعي، ومصدرها "المراصد".

مواطنون متطوعون متفرغون يعملون ليلاً ونهاراً، مزوّدون بأجهزة استقبال يرصدون تحركات قوات الأسد، ويتنصتون على اتصالاتهم داخل المعسكرات وخارجها، ويتابعون كل حركات الطيران والمطارات، وأضيفت إلى مهامهم مهمة جديدة وهي ترجمة الرسائل التي يتبادلونها الطيارون الروس. وبعد خمس سنوات من اعتماد قوات الأسد على الطيران في تنفيذ مجازر بين المدنيين، ومرافقة قواته على الجبهات المفتوحة ضد الثوار، أصبحت المراصد أهم عنصر في المعارك، وأمل المدنيين الوحيد لتحذيرهم من الغارات، وأصبحت  أجهزة اللاسلكي "القبضة" موجودة في كل بيت أو سيارة، ومع توسيعها لخدماتها عبر الهواتف الذكية وأصبحت تنبيهات ورسائل المراصد تصل كل الناس تقريبا في المناطق المحررة.

هكذا بدأنا..

بداية عمل المراصد كانت كمقابل لكتيبة الاستطلاع الحربية، وتعمل تزامناً  مع المعارك فقط، تقوم بالتنصت على ترددات قوات الأسد والمليشيات المرافقة لها، ومحاولة معرفة الخطط والتحركات، ثم إبلاغ قادة فصائل الثوار على الجبهة، وكذلك إبلاغهم بإحداثيات مواقع القوات المعادية، ليستفيدوا منها أثناء المعركة، كما يعمل المرصد على تشويش الاتصالات بين قوات الأسد وقيادتهم، أبو الزين راصد في ريف ادلب قال لأورينت نت: "المراصد من أساسيات أي معركة وهي تمثل فرقة الاستطلاع، التي لا يستغنى عنها وخاصة بعد أن تعطلت شبكات الموبايل."، يضيف أبو الزين "إن كثرة استهداف المدنيين في المناطق المحررة دفعنا للتفكير بطريقة نبلغ بها الناس عن تحرك الطيران لينتبهوا، وبدأت الفكرة بالتطور بعد أن استطعنا إقامة مراصد متفرغة في أماكن قريبة من المطارات، وتم توزيع قبضات على الشباب في كل المناطق، وتثبيتها على موجات وترددات موحدة ومحددة، وأصبحت المراصد ترسل التحذيرات المسبقة، بعد التنصت على محادثات الطيارين مع غرفة عمليات، وأبراج المطار، وفك شفرات المواقع التي يراد تنفيذ الغارات فيها ... ثم التعميم على الشباب والحامي الله".

لحظة بلحظة ولكل مكان..

بعد أن ترسخت المراصد في كل المناطق المحررة، واتسع نطاق عملها، إذ تم ربط أغلبها بغرف مشتركة بحيث يمكن أن تصل الرسائل لحظة بلحظة وإلى كل الأماكن، وتطورت الأدوات وأصبح العمل ليلا ونهارا لمتابعة حركة الطيران، حتى أصبحت التنبيهات و"التعميم" هاجس الناس، والقبضات رفيقتهم في كل مكان وكذلك الموبايلات والمجموعات والغرف التي تضم الألاف، فأحس النظام بأهمية ما تقوم به هذه المراصد وخاصة انها لا تؤثر فقط على سير المعارك، بل أيضا أصبحت تحرمه من ارتكاب مجازر مفاجئة وقت وأين يشاء، لأن الناس بدأوا بأخذ احتياطاتهم ما أمكن بعد أن تصلهم رسائل المرصد فعمد لقصف هذه المراصد مرات كثيرة لكنها في كل مرة تعاود نشاطها وعملها، كما بدأ الطيارون يبعثون إشارات ورسائل وهمية تضلل المرصد.

وحول التوسع الكبير الذي وصلت إليه "خدمة الرصد" ، أبو الفوز وهو مشرف غرفة في سلسلة طويلة تنقل التنبيهات والأخبار على مدار الدقيقة قال لأورينت نت: "تقسم العمل إلى مجموعات، وفي كل مجموعه أكثر من مشرف، ولدينا غرفة للمشرفين، تصلنا الأخبار والتنبيهات من جماعة المرصد مباشرة، وكل مشرف يوزعها على مشتركيه في مجموعات (الواتس آب)، (التلغرام)، (الزيلو)."، وهي تطبيقات للموبايلات متاحة للألاف، طبعا بعد أن تنتشر على القبضات، يضيف أبو الفوز "في ناس ما عندها قبضات، وأغلب  الناس فقيره ما عندها ( واتس آب)، فأنشأنا غرف (التلغرام)، ومعنا مشتركين من ادلب وحماة وحلب والساحل وحمص والغاب ومغتربين، وبهذه الطريقة تصل الأخبار لأكبر عدد ممكن، من مناطقنا، وحتى خارج سوريا، ليتابعوا أخبار أهاليهم لحظة بلحظة.. وفي كل مكان." 

س24 أو س22 أو ميغ 21 أو23 

بعد فترة من متابعة التنبيهات، يلاحظ المتابع تحديد المرصد لنوع الطائرات منذ إقلاعها، ويرجع "أبو الفوز الفضل" في ذلك للراصدين الأكفاء ويقول: "إن خبرة الراصد جعلته يعرف الطيارة منذ إقلاعها، إن كانت س24 أو س22 أو ميغ 21 أو 23." ويضيف إن الخبرة تلعب دوراً كبيراً، فضلا عن التنصت، واختراق ترددات أبراج المطارات.

حربي روسي بالأجواء...

ومع دخول الطيران الروسي الأجواء، وبدء عدوانه العسكري، استهدف من اليوم الأول مناطق وتجمعات مدنية، وكان من المفروض على المراصد تطوير أدواتها البسيطة أصلا لمجاراة هذا التحول الكبير، وفي هذا المجال واجهت المراصد صعوبات كثيرة لاختلاف آلية عمل الطيارين الروس عن السوريين، ولاختلاف اللغة التي يتكلمون بها بين بعضهم في الجو أو مع المطار وغرف العمليات، ولذلك سعت وتسعى كل المراصد لتعلم بعض المصطلحات العسكرية الملاحية باللغة الروسية مستعينين بذلك بضباط منشقين أو طيارين ممن حصلوا على دورات في روسيا أثناء خدمتهم، أو كانوا في قواعد يعمل فيها خبراء روس، كما لجأت المراصد لحفظ الكلمات ومحاولة ترجمتها عن طريق "جوجل" حتى يستطيعون الاستمرار في تنبيه المدنيين، لكن مع ذلك تمكنت المراصد من تحديد بعض المؤشرات التي تدلل على أن الطيران الذي يحلق أو ينفذ هو روسي، وأهم المؤشرات بحسب الراصد أبو الزين أن الروسي يقلع من اللاذقية مطار حميميم، ويحلق كسرب كامل، ويمكنه الطيران والتنفيذ في أماكن ضيقة، كسرب، بفضل التنسيق العالي بين الطيارين، وهذا يميزه عن الطيران السوري الذي يحلق وينفذ بعشوائية، لكن دخول الطيران الروسي شكل قلقا وخوفا كبيرا لدى المدنيين بعد مجازره المروعة، وعدم التمكن من تحديد أهدافه بشكل مسبق، لأنه يعتمد على اتصالات بالأقمار الصناعية، وغالبا لا يبلغ عن أهدافه أثناء الطيران مما يعقد مهمة الراصدين، والأخطر من ذلك أنه لا يحلق إلا بعد إخلاء الأجواء من الطيران السوري، فما أن يقلع حتى تعود كل طائرات النظام إلى مطاراتها إن كانت متواجدة، حتى وإن لم تك قد نفذت غاراتها المقررة، ممن يعني أنها ستفرغ حمولتها أثناء عودتها على أي تجمع كما عادتها، فتصاب المنطقة المستهدفة بغارات متعددة من قبل الطيران الأسدي العائد، ومن الروسي المنقض، وعن هذا يقول الراصد أبو الزين: "نعلم في هذه الأوقات تحديدا أن أكثر من مجزرة يمكن أن تقع ... ونحن لا حول لنا ولا قوة، عاجزون، وننتظر رحمة الله."

إنقاذ روح واحدة يكفي ...

تعميم، تعميم، مروحي براميل من المطار باتجاه منطقة العمل" 

"مروحي براميل انتباه... انتباه يا معرة مروحي بالأجواء ... الله يحميكون معرة"

في ظل غياب أي رادع لقوات الأسد وطيرانه ومع اشتراك الطيران الروسي في قتل السوريين، تصبح المراصد ملاذ الناس الوحيد، وتتحول القبضات، والهواتف الذكية إلى رفيقتهم في كل تحركاتهم، فرُبّ تنبه يجعل الناس تهرب وتختبئ بعيدا عن مكان التنفيذ الذي يسعى إليه الطيران، ورُب رسالة للمقاتلين تغير سير معركة، وبذلك تحقق المراصد غايتها في إنقاذ الناس، أبو مريم من ريف حماة، لا تفارقه القبضة ولا الموبايل، قال أبو مريم إن العام الماضي تلقى كما أهالي قريته من خلال القبضات تنبيها عن اقترب المروحي من القرية، وكان خارجا مع المصلين من المسجد، وعلى الفور تفرق الناس...... "نفذ المروحي ع باب الجامع ..ع باب الجامع، الله ومرصد حماة."، ولذلك يعتبر أبو مريم والكثير غيره أن المراصد ضرورة لا غنى عنها.

وفي محاولة لحساب الزمن اللازم لوصل التنبيه من وقت التقاط الإشارة عن إقلاع الطائرة، وتحويل المعلومات من قبل المرصد إلى رسائل للقبضات، ومن ثم تحديد الوجهة، وتعميم الرسالة مرة أخرى للقبضات، ومنها على الغرف، فالمجموعات وبالتالي معرفة جدوى العملية، عن هذا يجيب أبو الزين "ما مهم الوقت، المهم المحاولة والعمل ...إنقاذ روح وحدة، طفل واحد، يكفي."

لا نحتاج شيئاً..

أما المشكلات والصعوبات التي تواجه الراصدين فكثيرة، لأن كل آلية العمل بدائية وتعتمد كثيرا على الشباب لأنهم لا يمتلكون الأجهزة المتطورة، وهو ما يجعل مهمة النظام في التشويش على المراصد سهلة، وكذلك كشف أماكنها وقصفها، فضلا عن عدم توفر الكهرباء في الكثير من الأماكن التي توجد فيها المراصد كونها أماكن جبلية غالباً، وعند سؤال الراصد أبو الزين عن الأدوات أو الأجهزة التي يحتاجونها لتطوير عملهم ورفع كفاءة ما يقومون به لتحذير المدنيين قال ساخرا: "لا نحتاج شيئا، نحتاج فقط أن يتوقف القصف، وأن ينقلع الأسد والروسي والمراصد كلها ما لازمة."

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات