إسقاط الأسد أم إسقاط النظام؟

إسقاط الأسد أم إسقاط النظام؟

آخر "موديل" للمبادرات السياسية لحلّ الأزمة السورية أُطلق في "معرض" فيينا، أو ما يُطلق عليه سياسياً اسم "مؤتمر فيينا الثالث"، رأى الكثيرون نتائجه متطوّرة بعض الشيء عن نتائج ما سبقته من مؤتمرات، وأشاروا خصوصاً إلى تحديده برنامجاً زمنياً للمرحلة الانتقالية، وإشارته لوقف إطلاق نار بمراقبة أممية وانتخابات بإشراف دولي.

في المقابل، هناك من رأى أن مُخرجات فيينا ناقصة، فهي لم تُشر لمصير الأسد، ولم تحرمه من الترشّح لانتخابات مقبلة، ولم تُحدّد دوره في المرحلة الانتقالية، وحذّروا من أن بيان فيينا ضبابي وعمومي في غالبية بنوده، وأنه أكثر غموضاً من بيان جنيف الذي اختلف الجميع على تفسير كل بند من بنوده.

يُعتبر تحديد مصير الأسد أولوية بالنسبة للملايين من المعارضين أو المتضرّرين من حلّه الأمني أو المتأذّين من سياساته الأمنية والتمييزية والقمعية ثم الحربية، فبالنسبة لهم هو رمز لنظام أمني شمولي، ورمز لحقبة مريرة ومرحلة قاسية من تاريخ سورية، ورمز لجماعة حكمت بالحديد والنار وفسدت بطريقة لا حدود لها، ولهذا يعتبرون إسقاطه هو إسقاط لكل تلك الرموز.

الجدلية التي لم يجد السوريون جواباً شافياً لها هي تحديد من حكم سورية خلال العقود الخمسة الأخيرة ومن يحكمها الآن، هل هو الأسد بنسختيه (الأب والابن) ومعه أسرته التي نصّبت نفسها كمالك لسورية وباتت هي (النظام) وكل مؤسسات الحكم مجرد أدوات بيدها، أم الأجهزة الأمنية والمخابرات التي مارست كل الموبقات لتتحكّم بمصير وحياة السوريين بكل صغائرها هي (النظام) وما الأسد إلا ذراع تنفيذي وواجهة له.

بغض النظر عن التفسيرات والاحتمالات، يمكن الجزم بأن رحيل الأسد كشخص ومعه أسرته كلها لن يحلّ المشكلة السورية، ورغم أنه أمر أساسي بل وحتمي، لكنه غير كاف لإنهاء الأزمة، صحيح أن رحيلهم سيُرضي ملايين السوريين ويُهدّئ قليلاً من النيران التي اشتعلت، وسيُشعر المعارضين أنهم انتصروا، لكن لا يمكن أن يؤدي ذلك وحده لتغيير النظام أو الاعتقاد بأن أحلام السوريين بالحرية والكرامة باتت قاب قوسين أو أدنى من التحقق.

قبل ما يقارب الخمس سنوات، كان السوريون يعرفون بدقة ما يريدون، أرادوا إسقاط النظام ولم يحدّدوا أبداً أنهم يريدون إسقاط فرد من أفراده أو أسرة من أسره فقط، أعلنوا إنهم تعبوا وسُرقوا وثُكلوا من هذا النظام وآن أوان الخلاص منه، ومع تشابك الأزمة وتعقيدها اختلطت الأولويات، وحاول أنصار النظام المحليين والإقليميين والدوليين تصوير الخلاف على أنه خلاف سوري ـ سوري حول شخص، وتناسوا أن الخلاف هو خلاف سوري ـ سوري حول (نظام) أمني شمولي متكامل يُمثّله وينوب عنه هذا الشخص.

من الصعب حصر ما عاناه السوريون خلال خمسة عقود من الأجهزة الأمنية والمخابرات، التي تُشكّل أساس النظام وقلبه، ومشكلة السوريين لم تكن فقط مع المؤسسة الرئاسية، فالسلطة في سورية ليست سلطة الأسد وحده، وليست سلطة الحزب أو الحكومة أو البرلمان أو القضاء أو الطائفة العلوية، وليست سلطة هذه المؤسسات مجتمعة، بل هي سلطة الأجهزة الأمنية، وهي وحدها أداة الرئيس الحقيقية، أو الأصح الرئيس أحد أدواتها، أما باقي المؤسسات السورية فهي شكل دون مضمون بما فيه الجيش، فالجميع يعرف أن أجهزة الأمن هي التي تتحكّم به وبقراره وضباطه وعناصره.

جوهر مشكلة السوريين مع أجهزة الأمن والرئيس الذي يُمثلها أو ينوب عنها، فهي أداة القمع والتعذيب والتدجين التي تحوّلت بعد الثورة إلى أداة قتل وتدمير، وهي التي تغوّلت في الدولة والمجتمع وصنعت كل المسؤولين في سورية من مؤسسة الرئاسة إلى الحكومة وصولاً لأئمة المساجد و"نواطير" الأبنية، وسيطرت على عمل الدولة والحكومة والقضاء والإعلام والاقتصاد والجيش والقوات المسلحة والميليشيات، وتحكمت بالوزارات ومؤسسات الدولة والموظفين، وعيّنت الدبلوماسيين وأعضاء السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية واختارتهم من الأكثر فساداً وتخلفاً، وأشرفت على الحياة الثقافية ودمّرتها، وخرّبت العلاقة الاجتماعية وطيّفتها، وجعلت الحياة الاقتصادية وحشية على صورتها، وهي التي منحت المال وحجبته ومارست الفساد المطلق، وتدخلت بعمل المهنيين والتجار وبترخيص المكاتب التجارية والمهنية وصولاً إلى ترخيص محلات (الفلافل)، وشاركت في صناعة الحركات الإسلامية المتشدّدة، وتعاونت ونظّمت العلاقة مع الإرهاب، وجنّدت عنوة العملاء والمخبرين حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، ولفّقت التهم وشوّهت سمعة المعارضين، وحرَمت الشعب من حقوقه وداست على كرامته، ووفّرت الحماية للنظام ووفّر لها بدوره الغطاء القانوني والسياسي وأصدر لها قانوناً يمنع محاكمة أي عنصر أمن على أي جريمة يرتكبها دون موافقة وزير الدفاع وهذا لم يوافق خلال أربعين عاماً على إحالة أي عنصر أمن.

وأهم من يعتقد أن حسم مصير الأسد وحده سيؤدي تلقائياً إلى حلّ الأزمة السورية، لأن بقاء الأجهزة الأمنية هو لبّ الأزمة، وهذه الأجهزة متمسّكة بالأسد لأنه رمزها، وهي قادرة على صناعة غيره، وحتى لو وافقت على بقاء الأسد رئيساً لفترة انتقالية تحت ضغط الظروف، فإنها لن تسمح بانتقال سورية إلى المرحلة التالية، أياً تكن الصلاحيات التي ستبقى مع الأسد، ولن تترك سورياً يرفع رأسه أو صوته.

أي حلّ سياسي للأزمة السورية في ظلّ استمرار القبضة الحديدية للأجهزة الأمنية على كل شيء ليس حلاً سياسياً بل وثيقة استسلام لها، وببقاء هذه الأجهزة الأمنية لن تصل الأزمة السورية إلى أية نهاية مُبهجة، وأي صيغة للحلّ لا تتضمّن نصّاً صريحاً وبضمانة دولية يحدّد مصير الأجهزة الأمنية قبل أن يحدّد مصير الأسد، لن تضمن انتهاء خمسة عقود من السيطرة الأمنية المطلقة على حاضر السوريين ومستقبلهم، ودون إسقاط هذه الأجهزة كل ما يقوم به السوريون هو دوران في المكان.

التعليقات (4)

    سوري حر

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    هم يحسبون بأن الشعب السوري سينصاع لرغباتهم المريضة العفنة لقناعتهم بأنهم عندهم القوة والجبروت لأخذ القرارت وتنفيذها وفرضها علينا سواء شئنا أو أبينا لأن العاقبة ستكون وخيمة علينا وعلى وطننا فهم عندهم مختلف وسائل التدمير والقتل المرعبة. ولكنهم خابوا وخسروا لن ينالوا إلا الخزي والعار ولن يستسلم الشعب السوري المجاهد الصابر لأن الله القوي العزيز هو حسبه وقد تكفل الله بالشام وأهله. وسيرى العالم كله معجزة في الشام بتمكن المجاهدين الفقراء الضعفاء من تحقيق النصر على كل قوى الطاغوت الذين يريدون تركيعه.

    أبو القاسم مصياف

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    لا يوجد بسورية خلال أكثر من 45 عام " نظام " بل " عصابة مافيوية إرهابيّة " تحكم بالحديد والنار وتمثّل مصالح أعداء البلد .. لكي يتحقق جزء بسيط من مطالب السوريين: يجب إنهاء وجود هذه العصابة المافيوية وكل رموزها في سورية وفق القانون والمحاكمات عمّا اقترفته خلال كل تلك العقود وليس خلال الخمس أعوام الأخيرة!

    محمد

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    اسقاط الاسد

    حسان

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    عم شبكه من الفساد و الاستبداد طالت كل مفاصل الحياة و الشعب يللي راكض وراء لقمه عيشه او حتى الانتهازيين من الشعب حاولوا التعايش مع هذه الشبكه و أصبحوا يعرفون كيف تجرى الأمور و هكذا الفساد استشرى نعم للأسف التظام لا يمكن اصلاحهخ
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات