عقدة الوفد المشارك

عقدة الوفد المشارك
حث مؤتمر فيينا الثالث الدول الداعمة للمعارضة السورية على مساعدتها لتحديد موقف تفاوضي وبرنامج عمل واحد ومن ثم اختيار من يمثلها للتفاوض مع النظام في موعد مُستهدف هو الأول من كانون الثاني/يناير المقبل، وهو ما يضع المعارضة السورية في مواجهة حاسمة لاستحقاق قد يعززها أو يطيح بها.

يُعتبر ما طلبه المؤتمر واحداً من أعقد القضايا التي تعيشها الأزمة السورية، فأربع سنوات ونصف من الحرب والموت والدمار لم تستطع توحيد المعارضة على أي مستوى، ولم تنجح كل الدعوات والمبادرات المحلية والعربية والغربية في إقناع هذه المعارضات بأن نصف الطريق نحو إسقاط النظام هو العمل المشترك وتقديم بديل مُنسجم واضح متفق.

بعيد مؤتمر فيينا تسرّبت ثلاث قوائم لما قيل إنه الوفد الذي سيُمثّل المعارضة في المفاوضات المُرتقبة، واحدة روسية وأخرى أمريكية وثالثة عربية، وسرعان ما رفض السوريون هذه القوائم، فهي من حيث المبدأ برأيهم قوائم من وضع أطراف غير سورية وهو ما لا يصلح من منطلق الوطنية والسيادة، وبالتفاصيل رأت المعارضة السورية أن قوائم روسيا تضم (أنصاف معارضين) وشخصيات محسوبة على النظام لا على المعارضة وأخرى مرضيّ عنها إيرانياً، أما القائمة الأمريكية فكثر فيها الليبراليون وضمّت شخصيات مقرّبة من واشنطن وحديثة العهد بالعمل السياسي، أما القائمة العربية ورغم أنها أوسع من غيرها، لكنها تعرضت لانتقادات لأنها ضمّت مسؤولين حكوميين سابقين حياديين كنائب الرئيس فاروق الشرع ورؤساء وزراء سابقين.

لم يكن معيار الاختيار في هذه القوائم واضحاً، فليست القدرة السياسية أو النضالية هي الميزان، وليست عراقة المعارض أو براعته الشخصية بفن التفاوض هي المعيار، وغُيّبت أسماء لمعارضين بارزين مكرّسين لا غبار عليهم، ووضعت أسماء لهواة جدد مُحدثين، ووضح للسوريين أن كل دولة تحاول في قائمتها سحب البساط لناحيتها وتمرير شخوصها، وبالتالي ترجيح كفة سياستها ومراعاة مصالحها في المفاوضات المأمولة.

هذه التركيبة أقلقت أصحاب الثورة وملايين السوريين المنتظرين، الذين باتوا يخشون أن يكون الوفد المُفاوض حصيلة حصص تتقاسمها الدول المؤثرة على المعارضة والداعمة لها، وأن تصبح المفاوضات بالتالي لعبة بيد أشخاص غير مؤهلين.

قطعت المملكة العربية السعودية الطريق على هذه القوائم، وأعلنت عن مبادرة أكثر جدّية، ودعت المعارضة السورية لمؤتمر موسّع في الرياض في كانون الأول/ديسمبر المقبل لوضع برنامج عمل موحّد واختيار وفد مُفاوض يُمثّل كل شرائح المجتمع السوري، وقالت إنه سيضمّ كل تيارات المعارضة السورية في الداخل والخارج وممثلين عن المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والإغاثية وشخصيات مستقلّة، وسرّبت بعض المصادر أن أكثر من 30 فصيلاً مسلّحاً معارضاً سيشارك في هذا المؤتمر، ليس بينها جبهة النصرة المُختلف عليها دولياً، ولا تنظيم الدولة الإسلامية الذي يُعتبر خارج سياق الثورة السورية.

رحّبت غالبية تيارات المعارضة السورية بالمبادرة السعودية، حتى تلك التي لا تربطها علاقة بالسعودية أو بدول الخليج، كهيئة التنسيق ومن يحوم حولها، كما رحّبت غالبية الكتائب المسلّحة بهذا المؤتمر وأعلنت عدم ممانعتها المشاركة إن دُعيت إليه، وقال المبعوث الدولي لسورية ستيفان دي ميستورا إنها "فرصة مهمة للمعارضة السورية كي تأتي معاً أكثر استعداداً وبشكل شامل قدر الإمكان"، وكشف أن قائمة المفاوضين باسم النظام جاهزة وتضم 40 شخصاً.

هدف مؤتمر الرياض الذي سرّبت بعض المصادر السعودية أنه سيحضره نحو 300 شخصية معارضة سورية هو تأسيس وفد موحَّد للمعارضة مُكوّن من نحو 30 شخصية، تتولّى عملية التفاوض مع النظام بهدف الشروع في خطوات الحلّ السياسي بناء على مخرجات "فيينا 3" واستناداً لبيان "جنيف 1".

يأتي انعقاد هذا المؤتمر وسط تطوّرات مهمّة، فالأطراف الإقليمية والدولية تريده أن ينجح، روسيا التي تدخلت عسكرياً بدأت تخشى أن تغرق بالوحل السوري، وأوروبا التي ضربها الإرهاب في باريس باتت تخشى أن تهدّد الأزمة السورية السلم العالمي إن استمرت، كذلك قد تريد أمريكا وضع حدّ للأزمة بعد أن قصّت مخالب إيران النووية ونزعت أسلحة الأسد الكيماوية، فضلاً عن أن السعودية لن تسمح له بالفشل لأنها تراهن على المعارضة بعد أن رفعت نبرتها بمواجهة روسيا، وكذلك الأمر بالنسبة لدول الجوار وأوروبا التي باتت تنوء بحمل اللاجئين.

تواجه المؤتمر صعوبات كبيرة أبرزها الخلافات الحادة بين المعارضات السياسية، فالائتلاف الذي يُعتبر أكبر تكتل للمعارضة معترف به دولياً يُصرّ على أن يكون السيّد وأن تتبعه بقية تيارات المعارضة وتكون جزءاً منه، فيما ترفض تيارات عديدة هذا المنطق وتؤكد على أنها تمتلك من الشرعية الثورية نفس ما يمتلك، وليس الخلاف بين هذا وتلك بحديث، فهي لا تُفوّت فرصة للتأكيد على اختلافها بالتكتيك والاستراتيجية، وتُعلن تناقضها بالأهداف، وتُعمّق الشرذمة والتفكك والعجز.

لا شك أن الدبلوماسية السعودية تحمل الآن حملاً ثقيلاً على كاهلها، حيث تواجه تحدي توحيد المعارضة السورية، وقد تنجح أو تفشل في ذلك، ولكن على أطراف المعارضة السورية أن لا تُلقي أوزارها ومشاكلها وعجزها على أكتاف البشر، وعليهم أن يُدركوا أهمية توحيد البرامج لتحقيق أهداف الثورة وإحلال السلام الذي تتعلّق أنظار الملايين من السوريين به، وأن يبتعدوا عن مصالحهم الضيقة وشخصنتهم وبعضاً من أنانيتهم وفرديتهم، وأن يقتنعوا أنه بحال فشلوا بالاتفاق فإن الأمر سينتقل إلى الدول الكبرى التي ستضع قوائم جديدة على هواها دون استشارة أحد منهم، وأن أول خطوة نحو تحقيق مطالب الثورة كاملة غير منقوصة هو توحيد العمل السياسي والعسكري والإنساني، ودون تحقيق هذه الخطوة الأولى فإنه من الصعب أن تُحقق الثورة حتى جزءاً من أهدافها.

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات