الأوجلانيون من التحرر إلى الاستعمار!

الأوجلانيون من التحرر إلى الاستعمار!

تصادف في السابع والعشرين من تشرين الثاني ذكرى تأسيس حزب العمال الكردستاني في تركيا، الفرع السوري للحزب المُسمى PYD احتفل بالمناسبة على طريقته، فحاول احتلال مدينة أعزاز وصولاً إلى السيطرة على معبر السلامة لتطويق فصائل المعارضة وقطع طرق إمداداتها. لم تتمكن قوى الحزب من احتلال أعزاز، لكن محاولتها أتت انسجاماً مع تصريح قائدها صالح مسلم الذي قال إن أعزاز وجرابلس جزء من غرب كردستان، مرتاحاً إلى أن السيطرة على تل أبيض وضمها إلى الإدارة الذاتية بقي حتى الآن من دون مقاومة فعلية.

شكلياً، نستطيع القول بأن حزب العمال انتقل خلال أقل من أربعة عقود من عمره، وحوالي ثلاثة عقود من وجوده في سوريا، انتقل من مظلومية حركة التحرر إلى التوسع والاحتلال. وإنها لحالة شاذة حقاً أن الحزب وأنصاره، اللذين لا يزالان يتاجران بالمظلومية الكردية المحقة، أن يندفعا إلى تبرير نقلة الحزب هذه تحت ذرائع مختلفة، أهمها المواظبة على اتهام معارضي نظام الأسد بالتطرف تارة، وبالأردوغانية تارة أخرى، والبعض منهم بكل صفاقة يتهم المعارضين بالبعثية وكأن المعارضة هي من حكمت البلاد طوال العقود الفائتة وظلمت الأكراد مرتين؛ مرة لأنهم سوريون ومرة لأنهم أكراد.

لعبة المظلومية والتباكي تتكرر أيضاً على وقع التطورات الميدانية، فأبواق الأوجلانية تهلل لتقدم قواتها خارج مناطق تواجد الأكراد، وتهلل حتى لقصف معبر الكاستيلو من قبل قوات الـPYD المتمركزة في حي الشيخ مقصود، على رغم سقوط مدنيين أبرياء في هذا الشريان الوحيد الذي يربط بين حلب وريفها. الأصوات نفسها تتباكى عندما تفشل تلك القوات وتنكفئ إلى أماكن سيطرتها في عفرين، ويبدأ النواح بذريعة حصارها، ولا تتذكر من المدنيين سوى مدنيي الشيخ مقصود الذين يستحقون التعاطف حقاً، وأولاً لأنهم بمثابة رهائن لدى قوات الأمر الواقع شأنهم شأن الكثير من المدنيين في مختلف أنحاء البلاد. مع التنويه بأن الحي ليس كردياً بالمطلق كما يُراد الإيحاء به، وفي الأصل هو حي تقطنه غالبية مسيحية وكان يُعرف باسم "جبل السيدة"، النظام "العلماني" هو من اعتمد التسمية الإسلامية له، وعلى كل حال بقي الحي مختلطاً طوال الوقت.

ما لا يخفى على أحد أن هجمة الـPYD الأخيرة سببها إسقاط الطائرة الروسية من قبل الطيران التركي، أي أن الهجمة لها دوافع خارجية بحتة تتعلق بعداء حزب العمال لتركيا، ومن المعلوم أن القوات المهاجمة حظيت بتغطية من الطيران الروسي. يا للمصادفة! كان الطيران الروسي بقصف مواقع المعارضة في الوقت نفسه، تماماً مثلما كان يقصفها عندما تقدم داعش لاحتلال مدرسة المشاة. ومن المتداول في التحليلات على نطاق واسع أن موسكو وطهران ستلجآن إلى الرد على حادثة الطائرة عبر تحريك حزب العمال الكردستاني، وليس سراً أن الحزب ارتبط طوال تاريخه بعلاقات طيبة جداً مع نظام الأسد وطهران وموسكو، وإذا تجاوزنا أن الأخيرة كانت داعماً كبيراً لنظام صدام حسين الذي يكن له الأكراد عداء عميقاً فإن تبرير الحزب لتنسيقه التام مع نظام الأسد ونظام الملالي كان يأتي عبر المقولة التالية: حرب الأكراد الأم هي في كردستان تركيا، وينبغي أن يتوجه كل المجهود الكردي إلى الساحة التركية. طبعاً لا غرابة في أن يطرح حزب نشأ في تركيا، وتتركز هواجسه هناك، مثل هذا الطرح؛ الغرابة هي في أن ينجح في دفع آلاف الشابات والشبان الأكراد السوريين للتضحية بأرواحهم في جنوب شرق تركيا، وأن يدفع بهم الآن للقتال في سوريا خدمة للشد والجذب بينه وبين الحكومة التركية، والذي لا يُستبعد أن يؤدي في أي وقت إلى تسوية بعد أن يكون أكراد سوريا قد دفعوا ثمنها.

هناك الكثير من الأكراد الذين لا يوافقون حزب العمال على أطروحاته وعلى تحالفاته الدولية والإقليمية، ويعلنون حقيقة أن تلك التحالفات هي على حساب المصالح الكردية في سوريا، لكن مما يؤسف له أن هذه الأصوات لا تمتلك فعلية كبيرة بحكم سيطرة مسلحي الحزب على الأرض. وإذا استرجعنا تاريخ الحزب منذ تمدده في سوريا سنرى أنه ظل أميناً لاستخدام أسلوب الترهيب تجاه خصومه الأكراد قبل غيرهم، فبعد أن حقق الحزب حضوراً كبيراً لدى شريحة الشباب المتحمس في النصف الثاني من الثمانينات بدأ رحلة تمويله عبر فرض ما يُشبه الأتاوات، أهمها كان فرض تبرعات في موسم الزيتون في عفرين، ومنها فرض مبلغ محدد على معاصر الزيت في المنطقة.

لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، إذ سرعان ما بدأ الحزب استهداف كوادر الأحزاب الكردية الأخرى، تحت سمع وبصر مخابرات النظام، واضطر العديد من كوادر الأحزاب المستهدفة إلى التواري أو اقتناء أسلحة شخصية للدفاع عن النفس. موجة الاغتيالات توقفت حينها بعد اجتماع للأحزاب الكردية، قال فيه أحد كوادر حزب البارتي: إننا نرضخ للأمر الواقع، فكما لكل شعب مخابراته التي تقمعه لدينا نحن حزب الـPKK. نغمة الاغتيالات عادت إلى الظهور قبل حوالي 11 عاماً، ولم توفر حينها شخصيات انشقت عن الحزب. الجدير بالذكر أن واحداً من أول القرارات التي اتخذها الحزب "العلماني الماركسي" هو منع شرب الكحول في مناسبة الاحتفال بعيد النوروز، بذريعة منعه حتى تحرير كردستان، وحدث أن قامت مجموعات من الحزب بالاعتداء على أكراد لم يلتزموا بالقرار، وإذا كان الاحتفال بالنوروز يقام في تجمعات مناطقية عامة فإن دور الحزب كان في تقسيم الأكراد إلى قسمين، حيث يحتفل غير الأوجلانيين بمفردهم تجنباً للمشاكل والأذى.

أما دور الحزب منذ انطلاق الثورة السورية فلا لبس فيه، إذ عمد منذ البداية إلى كبح الشباب الكردي الذي كان متحمساً للثورة آنذاك. في حالات عديدة وموثقة، أطلقت قوات الحزب النار على المتظاهرين ضد النظام في القامشلي وعامودا وكوباني، وفي حالات عديدة أخرى، وموثقة أيضاً، قامت قوات الحزب بإغلاق مقرات الأحزاب الكردية الأخرى، وقامت باعتقال كوادر من تلك الأحزاب اعتقالاً تعسفياً، والبعض منهم لا يزال قيد الاعتقال على رغم تعهد الحزب بإطلاق سراحهم بوساطة من رئيس كردستان العراق. إنما، لكي نضع علاقة الحزب بقيادة كردستان العراق في إطارها الصحيح، لا بد من الإشارة إلى حزب العمال لا يكن أدنى تقدير لزعامة البارزاني، بخاصة لأنها زعامة لها إرث معنوي قديم وعميق لدى الأكراد، ولأن الحزب يريد استخدام أراضي كردستان العراق كما يشاء خدمة لحربه التركية، لذا ليست مستغربة أو بعيدة عن سلوكيات الحزب الأخبار الأخيرة عن تفاهم بينه وبين الحشد الشعبي للعراق موجه ضد حكومة كردستان العراق.

يمتعض موالو الحزب والمتعاطفين معه، إذ نصفه بالفاشية، غير أن هذا الوصف ينبع أولاً من تعامل الحزب مع ما يُفترض أنه شعبه، ومن عدم تقصيره في إرهاب الأكراد أولاً. القول بأنه رغم كل شيء يتمتع بشعبية كبيرة لا يدحض ما سبق، إذ كان البعث في سوريا والعراق يتمتع أيضاً بشعبية كافية لإيصاله إلى السلطة، هتلر نفسه أتى إلى السلطة بانتخابات ديمقراطية، لكن لا أحد يغامر بالقول إن البعث أو النازية أو الفاشية عملوا لمصالح شعوبهم. الأهم أن أي نقد يُوجّه لحزب العمال ينبغي أن يفرّق بينه وبين الأكراد عموماً، العداء للحزب ينبغي ألا يكون من موقع فاشي مقابل، بل على قاعدة الاعتراف بالحقوق الكردية؛ من نافل القول أن الفاشيات تتغذى من بعضها دائماً.     

التعليقات (7)

    عامر

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    يعطيك العافية

    كوردي سوري

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    لماذا لم تذكروا مجزرة قرية برج عبدالو التابعة لمنطقة عفرين ومجزرة قرية تل غزال التابعة لمنطقة كوباني ومجزرة عامودا ومجزرة آل الشيخ في مدينة عفرين فقط لأنهم مع الثورة السورية ولأنهم رفعوا علم الثورة

    دولة الأكراد

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    لن يكون للأكراد دولة بإذن الله ،لأن ما بني على باطل فهو باطل والعدل أساس الحكم ،ودولتهم على أساس عرقي ،ومنهم من يدعي الإسلام والمسلمون فيهم قلة ،وأغلبهم من الإيزيدية أصحاب الشيطان ،وهم يبغضون كل عربي مسلم ،مثلهم كمثل بني كسرى (الفرس)

    Xlulkê

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    لكل حزب له آثار أجابية و سلبية!! !!!!!!!! اذا دوما قد سلطوا بقعة الضوء على سوداوية الحزب ستظهرون لباقي المكونات على أنه مستبد.

    Dalil ORLEANS

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    اوستاز عمر مافي شي جديد هك قصص حفظنا منزء تاءسيس الحزب عم نسمع هي نغمي دخالك لما هربنا من نيظام بى تهمت انتماءنا لل حزب مو نفس قصق تحكو بس بلعكس علا فكر هد مو نقد. و انا ما كونت بعرف هل حقد بي قلبك يز انتا مزعوج من سخص و صار هل كراهي بي قلبك معنات نحنا شو بدنا نساوي و شكرن استاز عمر

    مهند الكاطع

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    مقال مهم جداً استاذ عمر قدور ، وجهد مشكور عليه ، وعرض موفق للواقع.

    صلاح الدين

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    فليتعظ كل ذي عقل بهذا المقال الواقعي
7

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات