حلبة المصارعة السورية

حلبة المصارعة السورية
عمّمت الحرب الطاحنة التي يواصلها النظام الفوضى في سورية، وحوّلتِها إلى ساحة صراع لأشرار العالم، أرض قتال وقتل لكل القوى الإقليمية والدولية، ومعرضاً لبيع الأسلحة واختبار قوتها، ومغناطيساً لإرهابيي العالم ومنطلقاً لتصدير همجيتهم، ومستنقعاً يجذب طائفيي العالم لتصفية حسابات نتِنة عمرها آلاف السنين، وملعباً واسعاً لكل أجهزة الاستخبارات العالمية.

أشعل النظام بعنفه حروباً مدمّرة، حوّلت سورية لأرض محروقة بمبرّرات لا تُقنع عاقلاً، وتذرّع هو والدول الداعمة له بـ"مكافحة الإرهاب"، ولأن هذا السبب لا يُبرّر قتل الأطفال ابتدعوا حججاً أخرى بعضها أقرب للخيال، وراحوا يُقنعون مقاتليهم وشعوبهم بهذه الحجج ويُسوّقوها للعالم، ولم يعترفوا قط بأنهم حوّلوا سورية لـ(حلبة مصارعة) دولية لتصفية الحسابات.

حسن نصر الله، زعيم ميليشيات "حزب الله" اللبناني ذات الطابع الطائفي البحت، دعا كل من يريد أن يُقاتل أن يتوجّه إلى سورية، ولم يدعهم إلى لبنان، وكأن سورية أرضاً مشاعاً، وأتبع دعوته بمأثرته الهزلية التي قال فيها "نقاتل في سورية لأن طريق فلسطين يمرّ عبر القلمون والزبداني وحمص وحلب ودرعا"، ولم يخجل أن يقول إن ميليشياته تُقاتل "بفتوى كبار المراجع"، أما نائبه نعيم قاسم فقال "نقاتل في سورية دفاعاً عن مشروع المقاومة" مع أن العالم اكتشف زيف هذا المشروع، ونوّابه في البرلمان قالوا "ندافع عن أنفسنا ومشروعنا"، و"ندفع الخطر الاستراتيجي عن لبنان" ولم يُفسّر أحد كيف أن تدمير سورية سيحمي لبنان.

أما إيران، صاحبة المشروع القومي الطائفي، فقد قال قائد عسكرها في سورية قاسم سليماني إننا "نقاتل في سورية دفاعاً عن الأمن القومي"، ومنعاً لـ "اتساع نطاق انعدام الأمن إلى إيران"، ولم ينس هذا الطيب الرقيق أن يقول "نقاتل هناك أيضاً دفاعاً عن الإنسانية"، فيما كان ممثل المرشد الإيراني في سورية مجتبي حسيني أكثر صفاقة فقال "نقاتل للدفاع عن الشيعة وعن منجزات إيران في المنطقة"، بينما قال إعلامهم نُقاتل في سورية "حتى لا تباع النساء الإيرانيات في أسواق السعودية"، ودفاعاً عن مرقد السيدة زينب"، و"خوفاً من إبادة الشيعة" في تبريرات تفوح طائفية وجنوناً.

العراقيون من أتباع إيران أتوا لسورية "دفاعاً عن عائلة النبي" وفق قيادي في ميليشيات أبو الفضل العباس، وحتى "لا تصل داعش لبغداد" وفق جواد الطليباوي القيادي في مليشيات عصائب أهل الحق، فيما ربط عراقيون آخرون مجيئهم إلى سورية بـ"ظهور المهدي".

ميليشيات أفغانستان التي حملها الإيرانيون بجعبتهم وجدت مبرّرات للقتال في سورية، ووفق مقاتلين بميليشيات تابعة لفيلق "القدس" فإن الأفغان يُقاتلون في سورية "بدافع الحصول على المال" و"لكي لا يتم طردهم من إيران" وأيضاً لـ"أداء فريضة الجهاد"، فيما كانت مبرّرات الميليشيات الحوثية أكثر وقاحة فهي تُقاتل في سورية "للتدرّب على القتال" قبل العودة لليمن، ولتُثبت لإيران مدى طاعتها لها.

روسيا، التي لم تخرج من عباءة الحكم الشمولي منذ أيام ستالين، قال رئيس وزرائها ديميتري ميدفيديف "نقاتل في سورية من أجل مصالحنا القومية"، و"ندافع عن أنفسنا ضد تهديد قدوم المتطرّفين إلى أراضينا"، و"لنحمي الشعب الروسي"، فيما قال نائب وزير دفاعه أناتولي أنتونوف "نقاتل في سورية حتى لا يتوسّع تنظيم الدولة في أفغانستان ويصل لجمهوريات آسيا الوسطى والصين"، فيما قال بطريركهم كيريل "سورية حربنا المقدّسة"، ولا أحد يعرف مقدّسة لمن وضد من!

النظام السوري يُقاتل لأسباب يصعب حصرها، فلم تبق حجّة في القواميس إلا وأوردها، فالأسد قال في عشرات المقابلات والتصريحات إنه يُقاتل المؤامرة الكونية، والإخوان المسلمين واليساريين المتطرّفين والشعوبيين وكل من حمل سلاحاً حتى ليدافع عن أمّه، ويُقاتل الإمبريالية والصهيونية، والإرهابيين والتكفيريين "من مائة دولة"، و"البيئة الحاضنة" و"أدوات إسرائيل وأمريكا"، و"القاعدة" و"الدمى التي صنعها الغرب"، و"دول الخليج وأوروبا" التي محاها وزير خارجيته من الخارطة، وإسرائيل (التي تدعمه من وراء ستار)، والسعوديين والقطريين والأتراك، ويُقاتل العثمانيين والوهابيين، لكن أطرف ما قاله إنه يُقاتل "من سرق من المواطن خبزه وماءه ودفأه!" ومن "فسد وارتشى!"، ومن "استدعى الأجنبي لبلده!"، و"المهرّبين" و"الجواسيس!"، ولكن للأمانة لم يقل إنه يُقاتل الأوس والخزرج، أما وليد المعلم  (وجه سحارة) دبلوماسيي النظام فأعلنها منذ الأشهر الأولى للثورة بشكل صريح وواضح بأن النظام "يُقاتل الإرهابيين"، وأكّد كلامه بأن عرض صوراً من أحداث لبنان على أنها أحداث في سورية.

جعل النظام السوري الحرب مجموعة من الحروب، وإعصاراً عاتٍ من الفوضى، حرباً إيرانية لكسب دور إقليمي ضارب ولمحاربة السعودية وتركيا، وحرباً لرسم أهلة شيعية هنا وهناك، وحرباً روسية لـ (استعراض العضلات) وبحثاً عن دور ضائع، وحرباً لحماية الحدائق الخلفية لهذا وذاك، وحرباً أمريكية لـ (التسلية) بمراقبة الجميع يخسر، وحرباً لطوائف أتت لسورية لتفرّغ أحقادها، حرباً لا هوادة فيها ولا نهاية لها.

لم يعد مستبعداً بعد اليوم أن يأتي إلى سورية من هبّ ودبّ لتصفية حساباته، فهي بفضل نظام (الممانعة والتصدّي) باتت (حلبة مصارعة)، وليتوقع السوريون أن يأتي قريباً الماليون ليقاتلوا إلى جانب النظام لوقف الإرهاب في بلدهم، وأن يطلب التونسيون من المتشدّدين نقل المعركة والمبارزة إلى دير الزور، وأن تنقل الهند وباكستان مشاكلهما وصراعاتهما إلى درعا، وأن ينتقل التوتر الأوكراني الروسي إلى حلب، وأن يتجسّد الصراع بين الكوريتين في حمص.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات