يعتقد بعض المتفائلين أن يتدخل الجانب الروسي (وربما الإيراني) للضغط على أهل النظام السوري لقبول السير في هذه الطريق، وأن تتدخل الإدارة الأمريكية وحلفائها السعوديين وبعض قادة المنطقة للضغط على فصائل المعارضة، ويرون أن هذا التدخل سيجبر أهل النظام في النهاية على التخلي عن بعض مطالبهم وشروطهم وخاصة تغيير رأيهم الذي يشير إلى أن جميع فصائل المعارضة إرهابية، كما سيجبر المعارضة على التخلي عن بعض الشروط وتهدئة موقفها وتخفيض سقف مطالبها.
في هذه النقطة، لابد من الإشارة إلى أن تشكيل فصائل المعارضة السورية لهيئة عليا، وتكليفها تشكيل الوفد المفاوض، واعتمادها مرجعية له، تعني تخلي فصائل المعارضة هذه عن استقلاليتها بل وكيانها ووجودها الواقعي، وعن صلاحياتها في إبداء الرأي، ولن تجد هذه الفصائل بعد الآن من يستشيرها بأي أمر، مادامت الهيئة العليا هي صاحبة القرار وليست الفصائل، وفي الحقيقة فإن صلاحيات الهيئة العليا أضعفت هذه الكيانات بما يقترب من تلاشيها، ولم يعد لها أهمية تُذكر، ولعل الحاجة لهذه الكيانات تبقى قائمة على الأقل من حيث رقابتها على المفاوضات ولو بصورة غير مباشرة، مع الأخذ في الاعتبار أنها لا تستطيع تغيير الهيئة العليا أو التأثير عليها، وفي ضوء ذلك لم يخطئ من نعى فصائل المعارضة السورية القائمة الآن.
المشكلة الأصعب والأخطر هي أن تشتت المعارضات السورية طوال خمس سنوات وتنافسها ومناكفتها أضعفتها إلى حد بعيد، وهذه الخلافات التي وصلت إلى حد العداوة في الكثير من الأحيان أنهكت المعارضة وشوّهت صورتها دولياً وأفقدتها حاضنتها محلياً، وتعددت مرجيعاتها الإقليمية والدولية، ورهنتها لأوامر الدول الداعمة، وهو يُشبه بشكل أو بآخر رهن النظام لمصيره ومصير سورية بيد إيران وروسيا والقوى الإقليمية والدولية العديدة، والتي لا يتهم بعضها بالثورة إلا بقدر ما تحقق له من مصالح.
يبدو أننا في عصر لم يعد فيه لشعوب الدول الصغيرة أي دور جدّي في تقرير مصيرها وتنميتها، لأن الأمر بمجمله أصبح بيد التجمعات الإقليمية أو الدول الكبرى، سواء ما يتعلق منها بالاستقلال السياسي أم التنمية أم التطور، ولم تعد تنفع لا الحداثة ولا ما بعد الحداثة في رسم توجهات المستقبل، وصار دور دولة كبرى واحدة أقوى من الشرط الموضوعي للتطور الإنساني، وعليه فقد تغيّرت القيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومفاهيم السيادة وهيكلية الدول وصلاحيات سلطاتها وشعوبها ومؤسساتها الدستورية والمدنية، هذا إضافة إلى مقتضيات الحداثة وما بعدها، ويبدو أن على جميع التيارات السياسية والنظم السياسية في العالم كله أن تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار وأن تتيقن من استحالة استمرار القيم والمفاهيم السابقة، وأن تتأقلم مع مثيلتها الجديدة، فمعنى السيادة لم يعد كما كان، ومثله وظيفة الدولة والحكومة والسلطة بشكل عام، وقبل هذا وذاك دور المنظمات الإقليمية والدول الكبرى وتأثيرها في تطور الدول الصغرى، وإن كان يبدو أن الأمر ليس كذلك خاصة عندما نسمع أكاذيب وتصريحات الدول الكبرى التي تأخذ القيم العامة بعين الاعتبار في تصريحاتها لكنها تنفذ ما تريد.
التعليقات (1)