فالج لا تُعالج

فالج  لا تُعالج

أوشكت الثورة السورية على إنهاء خمسة أعوام، خلّف خلالها الحل العسكري والحربي الذي اتّبعه النظام مآسي وكوارث لا حصر لها، حيث قُتل فيها حوالي أكثر من 300 ألف سوري من الأطراف كلها، إضافة إلى مليون معاق، وهاجر ونزح نحو نصف السكان إلا قليلاً، وصار فيها آلافاً مؤلّفة من اليتامى والأرامل، ودُمِّرت البنى التحتية، وانتشرت الفوضى وتسللت التنظيمات الإرهابية، وهيمن الروس بما يشبه الاحتلال على القرار العسكري والسياسي السوري، وانتشرت الميليشيات الإيرانية وشبه الإيرانية كالسرطان، وعبثت فيها تنظيمات أحزاب الله وأبو الفضل وأبو غير الفضل، وعاثت فصائل إرهابية وماست فساداً وإجراماً، ووصل الوضع الاقتصادي للحضيض، وانهار جزء معتبر من المنظومات التعليمية والصحية، وانقسم السوريون إلى طوائف وعشائر وجماعات، ودُمّرت الروابط الاجتماعية بين الجميع.

مرّت خمس سنوات ومازال النظام السوري مستمر في حربه لا يهدأ، يُلقي براميل الموت هنا وهناك دون رحمة، ويحاصر المدنيين ويجوّعهم بعيداً عن أي عُرف إنساني، ويبيع حاضر ومستقبل سورية لأي جهة تحميه وتبقيه سيداً حتى لو على بلد مُدمّر، ويُفرغ مخزونه من الأسلحة والذخائر دون استسلام، ويقضى على آلته الحربية المخصصة أساساً لحماية الوطن، ويجنّد طائفته من أجل بقائه دون أن يكترث بموت الآلاف من شبابها، ويحدث كل ذلك دون أن يتغير النظام قيد أنملة.

عطّل النظام كل المبادرات والاقتراحات المحلية والعربية والإقليمية والدولية، فاحتال وخاتل وابتدع حججاً وانفصل عن الواقع وزوّره، ومارس احتيالاً سياسياً للتهرب من أي استحقاق، وفتح صندوق (باندورا) ليُخرج منه كل الموبقات التي يمكن أن تضر العباد والبلاد وما وراء هذه البلاد.

خمس سنوات من الحرب الطاحنة لم تنجح بتغيير أسلوب النظام ولم تزحزح قناعاته، ولم تدفعه لإعادة حساباته والتفكير بالأسباب والجدوى والنتائج، ولم تُفلح في إقناعه بضرورة تُرجيح المنطق والعقل على جنون ووهم القوة، ولم يتوفر لديه يقين أن إرادة الشعب أقوى منه ومن حلفائه ومؤيديه، ولم يُدرك أنه انتهى وأن ما يقوم وسيقوم به لم ولن يفيد.

النظام السوري اليوم هو نفسه النظام السوري في الثامن عشر من آذار 2011، لم يتغير ولم يتبدّل فيه شيئاً، كان ومازال نظاماً ديكتاتورياً شمولياً أمنياً قمعياً لا يرحم، تعامل مع سورية كمزرعة له ولأزلامه ومازال، لم يعرف أهمية الحرية والكرامة، ولا معاني التشاركية والتعددية والديمقراطية، وهو مازال لا يعرفها حتى الآن.

مازال النظام السوري مقتنعاً حتى اللحظة بأن الحل العسكري والحربي سيُجدي وسيعيد له السيطرة على سورية، ويتفاخر بأن أقصى ما يمكن أن يمنحه للمعارضة هو بضع حقائب وزارية في (حكومته العتيدة)، ويؤكد على أن أي حل يجب أن يكون تحت سقف الأسد الذي هو (الوطن) برأيه، ويُشدد على أن كل من يُعارضه هو إرهابي يجب أن يُعاقب، ويُصر على أنه المُتحكّم بثروة سورية وحاضرها ومستقبلها، ويُروّج بأن السوريين جميعهم يريد الرئيس (للأبد)، وأن الشعب كله يحبّه ويفديه بـ (الروح والدم)، وأن نجاحه بأي انتخابات رئاسية أمر مفروغ منه، لكنّه يشترط أن تكون بإشرافه ورعايته، ويرفض أي رقابة أو إشراف عليها من أي نوع، لأنه الأصدق والأنقى والأطهر والوحيد الشفاف القادر على مراقبتها.

خمس سنوات لم يقم خلالها النظام السوري بإجراء أي تغيير على سياسته الداخلية ولا نهجه واستراتيجياته، ولم يُفكّر أن يُحقق للسوريين ولو جزءاً من مطالبهم، ورفض أي إصلاح من أي نوع، ولم يًصلح دستوراً أو يُغيّر قانوناً، ولم يخفف من وطأة وإجرام الأجهزة الأمنية، ولم يوقف النهب المُنظّم للدولة وثرواتها، ولم يضع إنساناً واحداً في مكانه المناسب، وكل ما قام به هو تغيير الحكومة عدة مرات مضيفاً لها في كل مرة الأسوأ والأكثر فساداً وانتهازية وحقداً ممن فاته أن يُشركهم في التغييرات السابقة.

خمس سنوات من المآسي ومشاهد الموت والدمار لم تستطع أن تًصلح الإعوجاج الذي فيه، وربما لن تستطيع إصلاحه أربعون سنة أخرى، فمن شب على شيء شاب عليه، ومن اعتاد الجريمة لا يصلح معه الرجاء، ومن أدمن القتل لا تفيده النصائح، ومن عصا لا تصلح معه إلا العصا، وواهم من يُراهن على إمكانية قبول النظام إجراء أي إصلاحات، أو موافقته على حل سياسي ليس على مقاسه، ومن يعتقد أن الأمل موجود عليه تذكّر المثل القائل "فالج لا تُعالج".

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات