ومن ثمّ تأتي التبريكات سريعاً"العاصمة دمشق "عبر خط ساخن بأشد عبارات لمواصلة العمل على قدمٍ وساق تحسباُ لأي طارئ قد يخلخل الإتصال مع المركز . وتبدأ جلسات الولاء والوقوف دقيقة صمت ، على روح قائد الدولة والمجتمع، وفق نظريتهم المزعومة التي تمت الموافقة عليها بإجماعٍ ومن خلال الغرف المظلمة . ويتكرر السيناريو ذاته في كنيسة "مريم العذراء " في حي الوسطى بالقامشلي وفي عشية الاحتفالات بالأعياد رأسِ السنة والميلاد ، بسلسلة من الإنفجارات ، التي هزت مدينة الحب" قامشلي" وفي حي الوسطى وسياحي ذات الأغلبية من المكون المسيحي .استهدفت مطعمي كربائيل في شارع السياحي، و ميامي في حي الوسطى بفارق دقائق ، وفقد عشراتُ الأبرياءِ حياتهم في تلك التفجيرات، وتبدأ المفارقاتُ تظهر من جديد ، وتطلّ برأسها مرةً أخرى، وفي مراسم وطقوس الدفن، يتلو الكاهن صلواته ويشيد بمناقب" الشهداء " وعظمتهم ، وفي الختام ، يعلن الكاهن ، بأن السيدة العذراء سوف تتغلّب على الإرهاب ، ويعود علم النظام السوري للظهور من جديد ، وهو يلتفُ حول نعوش الضحايا ، ليواكبهم إلى مثواهم الأخير، وتم لف نعش شهيد إلى مثواه الأخير، في مقبرة " الكلدان " بالمدنية وسط سخطٍ وشجبٍ وإستنكار ، وامتعاض من المعارضيين ضمن المكون مسيحي ذاته .
ومن ضمن قائمة الشهداء ذاك الشاب الكردي أراس وهو وحيد لأبويه حديثُ عهدٍ بالحياة ، والذي لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره ، والذي كان يعمل في مطعم ميامي لتأمين لقمة العيش لعائلته ، وسط هذه الظروف القاسية وهو ينتظر لم الشمل من والده في الذي لجأ إلى ألمانيا الاتحادية ، كان اراس محباً للحرية ، أنخرط في الحراك الشبابي منذ اللحظة الأولى من انطلاق ثورة الحرية والكرامة ، ويخرج باكراً في كل صباح من اليوم الجمعة للمشاركة في التظاهرات المناوئة للأسد فيحمل في جعبته علمان ، واحد كردي بألوانه الزاهية ، المطرزِ بثلاثة مستقيمات ، الأحمر والأخضر والأبيض والشمس وشمسُ الكرد تتوسطُ المستطيل الأبيض وعلم آخر ، بثلاثة مستقيمات أفقية متوازية ملونة من الأعلى حتى الأسفل بالأخضر والأبيض والأسود، و ثلاث نجوم خماسية حمراء اللون في الوسط ضمن المستطيل الأبيض إنه قدر السوريين في مدينة الحب والجمال ، قامشلي ، والتي وصلتها صرخات الدرعاويين منذ الأيام الأولى للثورة ، فلبّ أحرار قامشلي التواقين للحرية نداء أخوانهم في الجنوب الغربي من سوريا ، فرسموا خطّاً جميلاً وطويلاً يمتدُ من شمال شرق سورية ، إلى جنوب غرب سورية ، وتجاوز العرب و الكرد تلك الألغام التي زرعها النظام السوري مابين أكبر مكونين في سورية ، آلا وهما العرب والكرد ، ووضعوا خلافاتهم جانباً ، وصاحوا بأعلى أصواتهم ، واحد واحد واحد ، الشعب السوري واحد ، فاستشعر طغاة الشام الخوف ، وبدأت فرائصهم ترتعد ، فأوعزوا إلى أدواتهم من الكرد ، وسلّحوهم وسلّطوهم على الكرد ، وخطفوا ثورتهم بقوة السلاح ، وسجنوا إرادتهم ، وأبعدوهم عن ثورة السوريين وعاد الكرد إلى حظيرة النظام ، فريقٌ منهم خدعوهم ، بحجة الدفاع عن الأرض والعرض ، وفريقٌ آخر من الكرد ، مازال يقاوم ويرفض الإنصياع والخضوع للذلّ والعبودية والهوان ، ومازال يتوق إلى الحرية ونيل الكرامة ، وهم الأكثرية من الكرد ، بخلاف ما تحاول الأجهزة الإعلامية الكردية التابعة لطاغية الشام ترويجه ، والأكثرية هي المعيارُ والمقياس والأقلية المارقة هي الشواذ ، ولازلنا ننتظر أن يترجّل الفارس عن حصانه ، وأن تتحطم تماثيل هبل ، واللات والعزّة ، وأن تتحرر البلاد من الطغاة وأعوانهم ، ويُسدل الستار على الفصل الأخير ، من مسرحية السوريين الدامية ، لكي يضمدوا جراحاتهم وينعموا بربيعٍ هادئ وجميل .
التعليقات (2)