نفط ودماء وقمر..

نفط ودماء وقمر..
تشتعل على أرض سوريا، واحدة من أبشع الحروب التي شهدتها البشرية.. منذ الحرب العالمية الثانية، ولربما منحت هذه الحرب الطاحنة التي خرجت من رحم الثورة ، منحت الفرصة للشعب السوري ومحيطه العربي الفرصة الكبرى لينسجوا تفاسيراً و تحليلات مدهشة عن مؤامرات منها الصحيح و منها الخيالي تحاك وتنفذ لتدمير الشعب السوري ، مؤامرات من المواليين للنظام و مؤامرات من المعارضة ..وتحليلات ،حتى تكاد وانت تسمعها جميعها أن تتلفت خلفك من فرط الحس البوليسي و الاستخباراتي المفاجئ ...سيناريوهات لا تعتق احداً من مبدأ التخوين، فجميع الدول تود( تربية ) شعوبها بالشعب السوري حسب أحدهم  ..ومن أجل ذلك يمعنون في المقتلة السورية ..إلى اتفاقات ما تحت الطاولة بين إيران وإسرائيل و أميركا و السعودية وتركيا وطبعا جوكر طاولة المؤامرات الدائم ( قطر ) يصرخ آخر ، وصولاً إلى الأصول اليهودية للحكام العرب والأجانب يرد الرداد ، إلى مؤامرات إعلام النظام التافهة في الحديث عن مجسمات صنعت في دول عربية يصرخ كثيرون بتوتر ، وعن مخططات عسكرية يرسمها مدرب ريال مدريد و ينفذها ميسي  ..إلخ ..

ولكن هناك من يقبع في ظلام الفقر والقتل دون أن يتاح له التسلية في لعبة المؤامرات تلك ، أطفال لا يجدون ما يدفأ لياليهم الباردة في هذا الشتاء السوري الطويل، ومحافظون جدد يدخنون السيجار أمام مواقد الحرب العالمية الثالثة التي تخاض على ارض سوريا ، حرب نفطية تدار في أروقة الحكومات السرية، انخفض فيها سعر النفط إلى أدنى مستوى له في تاريخ هذه السلعة التي ارتقت بشعوب ودمرت شعوب أخرى ، هذا الذهب الأسود الذي يدفع الشعب السوري ثمناً لتسيده العالم ، والذي تكللت به جيود نساء الشهداء، أصبح أرخص من الخبز والماء، قوت شعبنا المحروم منه بسبب حصار الميلشيات لمدننا، النفط ذاك، ثاني أغزر منتج في بلادي العربية ، ذلك الذي تحارب به دول دولاً أخرى، وعليه تبنى مدن في الرمال وتنهار من أجله دول كبرى ومن أجله تخاض حروب وحروب ، جلّ ملاعبها  في بلدي سوريا، وبسببه يهرق أكبر منتج في البلاد العربية ... الدماء ، حتى لتحسب أن برك الدم  الأحمر فوق سطح الأرض العربية أصبحت أكبر وأضخم من برك النفط الأسود تحت ذات الأرض ..

وكل ذلك من أجل نهضة ورفعة شعوب أخرى تعيش في قارات أخرى بعيدة لا نعرف عنها شيء إلا في الصور ، نعبر من أجل الوصول إليها بحار ومحيطات ، موتى يغامرون بكل شيء من أجل ألا يقتلوا في بلادهم ، فيقتلون على طريق اللجوء لبلاد تساعد قاتلهم ، دماء ، دماء ودماء ، في عالم كان من الممكن أن يكون أجمل وأكثر ربيعاً لو أراد تجار النفط أن يكون ذلك .

منذ سبعين عاماً ونيف ، أصدر الشاعر السوري الكبير نزار قباني  قصيدته الشهيرة ( خبز وحشيش و قمر ) وقامت قيامة المحافظين حينها عليه ، في ذلك الوقت كانت البلاد مسترخية وكان يمكن للشعراء الحديث عن خبز في قصائدهم، وعن حشيش للسخرية من الهذيان القائم وعن المؤامرات أيضاً ودورها في سجن حريتنا ، أما في السنين التي نعيشها بلا سبب في هذه الأيام الطويلة  ، لم تبق الصواريخ و آلة الموت المتوحشة المسلطة على الشعب شيئاً للحديث عنه سوى بحيرات من النفط ، وأنهار من الدم ..

ولم يبقَ شيء مشترك بين سوريا تلك التي نقدها القباني في ذات نهار، وسوريا الحالية ..سوى قمر وحيد .. يتفرج على انهيارنا ، باعثاً علينا ضوئه لنمارس تحت أشعته حزننا بانتظار صباح اليوم التالي ، عسى أن يكون اقل حزناً، وأكثر خبزاً، وحشيشاً أخضر ينبت على أرضنا هذه .

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات