إسرائيل وسورية "الصغيرة"!؟

إسرائيل وسورية "الصغيرة"!؟
على الرغم من محاولة "إسرائيل" ادعاء الوقوف على الحياد فيما يتعلق بالشأن السوري وفيما يتعلق بثورة شعبها، إلا أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المتضاربة أحياناً عن قصد، تحاول النأي بنفسها عما يجري حتى لا يستغل أي طرف (بحسب زعمهما) موقفها في سياق الصراع الدائر في سورية، رغم كونها تنسق عسكرياً وعلى مستوى الطيران مع الطيران الروسي الذي لم يتوقف عن شن غاراته على المدنيين في سورية.

بوادر تحوّل جوهري في الموقف الإسرائيلي "المعلن" تجاه الثورة السورية. تكشفت في الآونة الأخيرة، تعكس انتقالاً من التشدق بموقف المتفرج والحياد الذي لا يتدخل بالشأن السوري، لصالح موقف أكثر فاعلية. يتغذّى على ما يبدو من التفاهمات الإسرائيلية - الروسية من جهة، وانسحاب الولايات المتحدة من الملف السوري، من جهة ثانية، ويتعدّاه إلى موقف يطرح أفكاراً وتصورات، ترجح انسداد الأفق في الصراع السوري. بالتالي فإن البحث بدأ عن حلول أخرى، تصب في خانة التقسيم وإقامة "سورية المفيدة"، كمرحلة متأخرة يسبقها تأمين مناطق "هادئة" لفترات محدودة، لا تصل ألسنة لهبها إلى الحدود الإسرائيلية السورية عند الجولان المحتل، وتحييد الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية كلياً، ولو مرحلياً. 

المدير العام لوزارة الاستخبارات الإسرائيلية، رام بن براك، استبق خطاب وزير الأمن الإسرائيلي موشيه يعالون أمام مؤتمر ميونيخ للأمن، ليعلن خلال مشاركته في المؤتمر أيضاً، أن "تقسيم سورية هو الحلّ الوحيد الممكن، وأنه يجب أن تتحوّل سورية في نهاية المطاف إلى أقاليمٍ، تخضع لسيطرة الطوائف التي تسكن كل منطقة جغرافية فيها".

وتكمن أهمية أقوال "بن براك"، الذي كان مرشحاً لرئاسة "الموساد"، في كونها تصدر عن موظف رسمي رفيع المستوى، وليس عن رجل سياسة إسرائيلي. تعكس أقواله مواقف وتقديرات إسرائيلية، تُبنى عادة على رصد للمصالح الإسرائيلية، وسبل خدمة هذه المصالح وفق السيناريوهات المختلفة المقترحة. تصريحات بن براك تبعتها تصريحات يعالون، التي أبدى فيها، بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، عن تشاؤمه من احتمالات وفرص نجاح اتفاق وقف إطلاق النار. ويعكس توصيف يعالون للوضع السوري، هو الآخر تحوّلاً في الموقف الإسرائيلي المعلن، من عدم التدخل في سورية، باستثناء منع وصول أسلحة ووسائل قتالية متطورة لحزب الله عبر سورية من إيران أو من روسيا.

يعالون أعلن صراحة أن "الوضع في سورية شائك ومركّب للغاية، ومن الصعب أن نرى كيف يمكن للحرب هناك والقتل الجماعي أن يتوقف. سورية التي نعرفها لن تتّحد مجدداً في المستقبل المنظور، وأفترض أننا سنرى في مرحلة ما ظهور جيوب، سواء كانت منظمة (أي متفق عليها) أو تلقائية للتيارات المختلفة التي تعيش فيها وتقاتل بعضها البعض".

وسعى "يعالون" لتكريس الموقف الإسرائيلي الرسمي، القائل إنه "طالما بقيت إيران في سورية، فإنها لن تعود إلى ما كانت عليه، وستواجه حتى في صورتها كجيوب منفصلة، صعوبة في تثبيت استقرار معين، لأن القوى السنية المحلية لن تتمكّن من فعل ذلك".

رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، الجنرال هرتسل هليفي، اعتبر في كلمة له أمام رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية أن "الحلّ الأمثل لإسرائيل هو وجود مناطق محددة هادئة لفترات محدودة من الوقت وليس اتفاق سلام شامل".

تمثل هذه التصريحات وصدورها من الجهات الأمنية والاستخباراتية والسياسية تحوّلاً نوعياً في الموقف الإسرائيلي الرسمي، وإهمال لازمة "عدم التدخل في سورية" لصالح "السعي لتأمين مصالح إسرائيلية في ترتيبات محتملة في سورية".

يأتي هذا التحول في ظل استمرار سياسة التطهير التي يتبعها نظام الأسد في سورية، في مناطق "سورية المفيدة"، و"سورية الصغيرة" وفقاً للتعبير الإسرائيلي والدولة العلوية، بحسب كلام وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند أخيراً. وتمتد هذه الـ"سورية" غرباً من الساحل السوري على طوله، ليصل إلى حدود لبنان مع جنوب سورية، وتشمل القصير والزبداني، مروراً بدمشق وحمص المدينة وحماة المدينة (من دون الريف).

مراكز الأبحاث الإسرائيلية وخبراء الأمن القومي، وقادة الجيش اعتبروا في تصريحات مختلفة، أن بقاء النظام السوري الحالي، في ظل البدائل المختلفة، أفضل لإسرائيل، حتى وإن كان اعتبار إطالة أمد الحرب في سورية والقتال الداخلي فيها، أكثر ما يخدم إسرائيل لأنه يضعف سورية كدولة ويكرس تفتتها وفقدانها لمناعتها، لتتحول لدولة فاشلة.

يلتقي التنظير والترويج لتقسيم سورية، سواء عبر الدعوة لذلك صراحة، أو كما فعل يعالون عبر القول بوجود هذا التقسيم (غير الرسمي) على أرض الواقع، عملياً مع طروحات أساسية في الفكر والاستراتيجية الإسرائيلية، وسياسات إسرائيل الخارجية لحكوماتها المختلفة، بتقديس "حلف الأقليات"، وتفتيت الرابط القومي العربي إلى طوائف دينية أو أقليات قومية.

ويلمح التحوّل الذي تعكسه هذه التصريحات إلى وجود رهان إسرائيلي على تأييد روسيا للقبول بدولة "سورية المفيدة" التي ستكون في حال قيامها، نموذجاً كباقي "المناطق السورية"، ضعيفة وغير مستقرة، وتعتمد كل منها على وصاية دولة خارجية.

مثل هذه الدولة، تحقيق أكيد لمصالح روسيا الاستراتيجية بالحفاظ على موطئ قدم وقاعدة لها في حوض المتوسط. وفي ذات الوقت ينذر بقرب اكتمال المشروع الذي يخطط له الأسد وحلفاؤه في سورية، وهي تفتيت سورية والاعتماد على مدن محددة ريثما يتم تحسن الأحوال العسكرية واستكمال السيطرة على بقية المناطق، فنظام الأسد يدرك عملياً أن الشعب السوري لن يرضخ له ولنظامه، وأن عملية استعادة الهيبة التي فقدها والشرعية الدولية التي انتزعت منه ومن نظامه، سوف تستغرق وقتاً، لا سيما في ظل الاستقطاب الإقليمي والدولي الحاصل، وعليه فإن سورية المفيدة أو "الصغيرة" سوف تؤمن مصالحه ومصالح حلفاءه في الوقت الراهنن وسوف تكون دويلة مرضياً عنها إسرائيلياً.

التعليقات (3)

    Adel

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    عندما اعلن البابا عراب الفاتيكان,ان تسليح الشعب السوري هو خطيئة لاتغتفر,ودخول حزب الشيطان وكل الشياطين الى سوريا وصمت امريكا وأخيرا تحرك روسيا ,حربهم حرب عقيدة صهيوصليبية مشتركة للجم اي حركة تحرر اسلامية وتمهيدا لبناء اسرائيل العظمى,ويؤمن بها رعاع الصليبيون قبل اليهود!

    عامر

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    من أول يوم في الثورة واليهود الصهاينة لهم يد في الموضوع بإطالة عمر النظام

    عبد الله

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    نعم هي بنظر القائل قطعا خطيئة لا تغتفر، وما هو وجه العجب؟! العيب ليس في هذا او امثاله، فهؤلاء لهم أهداف واضحة بغض النظر عن وضاعتها ودناءتها، يسعون لتحقيقها ولو بلط العرب وكل العالم البحر. العيب كل العيب هو في من ينتظر من اعدائه وجلاديه النصرة بسلاح او مجرد موقف، فيخادع بذلك الأمة وفي النهاية وبعد وقوع الفاس في الرأس يكون قد خدع نفسه ليكتشف انه احمق حمقا مركبا، او انه بيدق لا يختلف عن بقية بيادق العرب في شئ. صدق بيت الشاعر: لكل داء دواء ستطب به.. الا...
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات