أورينت نت تكشف عن حوار لم يُنشر مع نبيل المالح

أورينت نت تكشف عن حوار لم يُنشر مع نبيل المالح
بعد الإعلان عن وفاة المخرج السوري "نبيل المالح"، صباح الأربعاء، تنشرُ أورينت نت حواراً أجرته معه الصحفية "رؤى ريشة" خلال العام الماضي. 

وجاء في الحوار الذي حمل عنوان (نبيل المالح: "الثمن الهائل الذي دفعه الشعب السوري لا يمكن أن يذهب هباءً") مايلي:

بحث يوماً عن شيخ الشباب فوجده في فخري البارودي، وخلده في فيلم سينمائي٫ لم يبرز يوماً الأبطال الكبار، بل اختار جميع أبطال أفلامه الفهد  بقايا صور  الكومبارس...  من الناس البسطاء المكسورين، وربما المهزومين لكنهم يملكون الشجاعة وشرف المحاول.

في آذار ٢٠١٥ كانت المرة الآخيرة التي التقي فيها المالح، تحديدا في دبي كنا متجهين إلى "الديرة" لحضورعرض خاص لفيلمه (مخرج يبحث عن شيخ الشباب). يقود نبيل المالح سيارته ببط متبعاً تعليمات الجي بي اس الصوتية٫ يضل الطريق مرارا وتكراراً٫ يراقب الشوارع والجسور الضخمة مبدياً إعجابه بالمدينة التي تنظر دائماً إلى المستقبل على حد تعبيره٫ إلا آنه لم يعتدها أو يألفها فيقول: "لقد مرت أربع سنوات حتى الآن ولا يمكن لأي مكان أن يعوضني عن دمشق".

يبدو أنه كان  لقائي الأخير مع المالح فقد فارق الحياة بعيدا عن دمشق التي لو بحثت  يوما عن شيخ شبابها لوجدته في نبيل المالح الإنسان والفنان الذي لم يأخذ من الوطن سوى شرف الإنتماء إليه.

فنانون ومخرجون ومثقفون وبعض الأصدقاء كانوا على موعد مع فيلم المالح (مخرج يبحث عن شيخ الشباب) والذي يتناول سيرة حياة فخري وعلى هامش عرض الفيلم، حظيت بجلسة مع المخرج نبيل المالح تحدثنا فيها عن الفن والسياسة والثورة والمآلات التي وصل إليها المشهد السوري، ودور المثقف والفنان فيما يجري حاليا.

عن المشهد السوري اليوم يقول المالح:: "عملياً لا يزال المجرم الأول في كل ما حصل هو النظام، لأن كل ما جرى هو رد فعل على نظام ديكتاتوري عمره 40 عاما، هذا النظام خلق الأرضية لعملية الرفض الكاملة التي تمثلت في الثورة، فكلمة "لا" كلمة أساسية لا يمكن تجاهلها، لكن ما حدث خلال السنوات الأخيرة أن الكثير من الأيادي تدخلت بل تلاعبت في الثورة، ففقدت الثورة هدفها الأساسي المتمثل بإسقاط النظام، بالأصح دخل تحت شعارات الثورة جهات مرتهنة للخارج افقدتها جوهرها، كل ثورة بحاجة إلى قيادة كاريزمية واضحة المعالم، يؤمن بها الشعب إيماناً مطلقاً، النقطة الثانية المهمة أيضاً هي وضوح الأهداف والرؤية أي أن نعرف تماماً إلى أين نحن سائرون، وما الذي نوده فعلاً  لسوريا الجديدة، النقطة الثالثة والتي كان يجب الانتباه إليها منذ البداية هي خلق قواعد أخلاقية تلتزم بها الثورة، لكي لا نسمع عن أحداث تشبه ما كان يقوم به النظام، يقوم بها أطراف محسوبون بشكل أو بآخر على الثورة، ولكي لا تقع الثورة في فخ فقدان مشروعيتها الإنسانية، يتابع المالح: "كان يجب الحذر والوقوف بموضع مسؤولية تجاه موضوع التمويل وأجنداته، الذي أخذ الثورة إلى في مسارات حزينة، لكن يبقى الثمن الكبير الذي دفعه الشعب السوري من شهداء ومصابين ومقعدين ومشردين ولاجئين ونازحين ومعتقلين.. هذا الثمن الهائل لا يمكن أن يذهب هباء وبدون مقابل".

كيف وما هي الوسائل والأدوات التي يمكن أن تساعد السوريين لكي يعودوا ويستلموا زمام المبادرة في قضيتهم؟

وعن هذا السؤال أجابني المخرج نبيل المالح: "لا شك أن تغيراً كبيراً طرأ في المشهد السوري الذي أصبح أكثر عدوانية، وأقل رؤية للمستقبل، أنا لا يمكن أن أنظر إلى أي شيء إلا بمفهوم المستقبل، كما أني أكره التفكير الذي يستمد من الماضي، لذا يجب أن تعود أولاً قرارات الأمور وحركتها إلى أيدي السوريين فقط، نحن يجب أن لا ننسى أنه برغم الأخطاء والارتباكات هنالك شيء جوهري يتعلق بالشعب السوري نفسه، هو العلاقة الحميمة التي تربط بين أبنائه، يجب أن نبدأ الآن برتق هذه الشقوق الكبيرة، التي حصلت بين أبناء الشعب السوري، وأن نعود إلى القرار السوري المحض، وإلا سيكون الأوان قد فات"

ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الفنان والمثقف ليكون فاعلاً ضمن المشهد السوري؟

المشكلة الكبرى أن المعارضة التي اعتبرت نفسها ممثلأً للشعب السوري والثورة السورية، لم تكن تحمل أي مشروع ثقافي وليست هناك ثورة دون بُعد ثقافي، وإلا ستصبح ثورةً عجفاء صماء خرساء، من وجهة نظري الثورة في سورية لم تجد صوتها، والمحاولات الصغيرة التي حاول القيام بها البعض، هي صغيرة جداً على ثورة بهذا الحجم، كادت تقلب تاريخ منطقة الشرق الأوسط كله، لكنها لم تجد من يعبر عنها.

ما هو الدور المأمول من المثقفين القيام به؟

 من الصعب جداً إناطة دور للمبدع سواء أكان مخرج أم كاتب في الفترة الحالية،  تاريخياً معروف أنه من الصعب جداً إنجاز عمل إبداعي أثناء الحدث، بل هناك مسافة زمنية لا بد أن تمر حتى يرى المبدع من خلالها، وأكبر مثال على ذلك (كل شيء هادئ في الجبهة الغربية) إريش ماريا رمارك، الذي كان من أهم الأدبيات التي ظهرت في الثلاثينيات عن الحرب العالمية الأولى ومثلها الكثير الكثير، لكن الأهم من ذلك أن تكون روح الثورة لها قيمة ثقافية، للأسف الكثير من الأموال تصرف على السلاح والمؤتمرات وعلى أحاديث وثرثرات، لكن يبدو أنه لا يوجد أموال لدعم حراك ثقافي معين، الفنانون والكتاب مشردون بين ألمانيا وفرنسا وتركيا ... ومختلف دول العالم، منهم من  فقد حتى لقمة العيش وهذا شيء مهين بحق أي إنسان.

نبيل المالح "ما يجري الآن في سوريا هو حالة سيريالية ونحن معلقون في الهواء"

نبيل المالح لم يعتد التوقف عن الفعل الإبداعي أيا كانت الظروف فقد أنجز حتى الآن سيناريو لعملين حول ما جرى وما يجري الآن، لكنه يقول بمطلق الشفافية والصراحة: "أعتقد أن ما أفعله أصغير بكثير من هول ما يجري، لنكون أكثر واقعية ونقول أن ما يجري الآن هو حالة سريالية لم تكن أبداً متصورة، وليس لها قانون أو منطق أو ضمير، بالتالي نحن معلقون في الهواء، في حالة ضياع حقيقي، ولا يبقى لدينا سوى الطموح أن نتابع العمل بكرامة وإن لم نستطع الإحاطة بكل ما يجري فلنقل ما بإمكاننا الإحاطة به".

"دمشق ليست مجرد مدينة، دمشق حالة لا يمكن تكرارها"

مع المالح لا بد أن تذكر دمشق، وللحديث عن تلك المدينة القريبة البعيدة شجون، يختلف إيقاع نبيل المالح كلياً ما إن تلفظ كلمة دمشق، حدثنا نبيل المالح عن مفهومه للحنين قائلاً: "في كل ما نقوم به في حياتنا سواء أكان حباً أو مغامرة أو شغف بأمر ما أو حنين، لا بد أن نربطه بمكان وزمان، الحنين حالة وليست حكاية، الحنين لدمشق ليس ما يقال عن شجرة الياسمين ودرجات بيتنا والبحرة، بل هو حالة وجدانية، إنه ليس حدثاً، إنه جملة من الأشياء والتفاصيل تتراصف مع بعضها لتكون صورة المشتهى، الذي فقدناه والمشتهى الذي نرنو إليه".

يتابع المالح: "دمشق هي بشكل ما رمز وحالة ومفردات، دمشق هي جمال دمشق، إنها صخب عذب له موسيقى ولحن وكلمة مجردة، لا أستطيع أن أختصر سوريا في دمشق، ولكن دمشق تختصر سوريا، عندما أتذكر الكثير من التفاصيل الفيزيائية او الجغرافية التي تحمل الكثير من العبق، حارات دمشق.. بشر دمشق..ابتسامة دمشق.. كلمة (أهلا وسهلا) تلك الكلمة البسيطة التي تحمل في طياتها معان جميلة، (ضاحكاً) ومضرّة لأنها تكوّن نوع من الحالة التي من الصعب تكرارهأ، نعم دمشق ليست مجرد مدينة، دمشق حالة لا يمكن تكرارها.

اقرأ أيضاً

رحيل "نبيل المالح" .. ماذا قالوا عنه؟

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات