تجربة المسرح الطلابي مع فؤاد من التجارب التي لا يمكن أن أنساها في حياتي، تعارفنا وتدربنا معا وتشاركنا نقاشات طويلة، عدا السياسية فهذه الأخيرة كان فيها إعدام في زمن المقبور وولده! كان فؤاد شغوفا، وجادا، ربما منذ ذلك الوقت كان فؤاد يظن نفسه المخرج الإيطالي فليني! بالفعل إلى الآن أسأل ما الذي بين فؤاد والمخرج المصري حلمي رفلة، الذي مات قبل ولادة فؤاد، بينما ذكر المخرج رفلة لم يغب عن لسان فؤاد واسكتشاته! فؤاد حقا كان جادا في حين كنا نحن غير جادين ونرى الحكاية مجرد متعة وترفيه وقضاء وقت، دفع فؤاد ثمنا باهظا لأجل هذا في تدريبنا، فقد كان أحيانا يخرج من جلده غضبا وخيبة!
بعد هذا اللقاء الغريب بمفرداته، إذ كما كانت فيه روح الصداقة والزمالة ومشاركة صندويشة مقصف الطلبة، تبع 2.5 ل.س، بنفس الوقت كان يسود علاقتي معه ريبة الخوف من أي علوي خشية أن يكون مخبرا يدهورن عيشتنا…
إذا كما جمعتنا أيام فرقتنا أخرى واتخذ كل منا مسارا لم يكن يخطر على باله بعدما انتهت مرحلة الطلبة!
اليوم فؤاد يشكل حزبا وطنيا للعلويين ؟؟؟ العبارة غريبة جدا فكيف يكون التيار علويا إذا كان وطنيا والعكس صحيح بكل الأحوال نحن في أيام يبدو فيه الاستغراب بحد ذاته مستغربا! أما أنا فاليوم رجل أعمال وسياسي أو العكس، وفوق ذلك اعتبر البعض كتاباتي معادية للطوائف، لأنني صرخت بما لم يجرؤ الآخرون على الهمس به الحقيقة المسكوت عنها التي عشنا تحت وطأتها كوابيس لنحو50 عاما! لكن للأمانة تواصلنا معا مع الأسابيع الأولى للثورة، وهذه المرة دون أي ريبة أو خوف وانما بأمل مشترك بسورية حرّة يجمعنا ولا يفرقنا!
اليوم بالنسبة لي الصديق حميرة هو أحد الناجين القلائل من حلف الطوائف، الذي كنت أول من نبهت إليه قبل ما يزيد على ثلاث سنوات، واليوم بات حتى السياسيون الأجانب يتكلمون عن حلف أقليات ضد السنة بعدما أصبح مستحيلا تغطيته وتغطية جرائمه وأهدافه، وبعدما دفعت ثمنا غاليا من الاتهامات بالتعصب والطائفية من أفراد من الأقليات وحتى من بعض الحالمين من السُنة، وكذلك ممن استغلها من الحاقدين أيضا.
هذه الفئة الناجية من حلف الطوائف لسوء الحظ قليلة جدا، فهي تضم إلى جانب فؤاد المرحوم هاني فحص المفكر الشيعي والدكتور سمير جعجع الماروني المقاتل السابق في القوات اللبنانية وفيصل القاسم إعلامي الجزيرة وقلة آخرين من بعض الأعلام ولا يلغي هذا أن بعضا من البسطاء من الأقليات أيضا بفطرة إنسانية حقيقية رفضوا هذا الحلف.
فؤاد والآخرون المحترمون صادقون في مشاعرهم وفعلا، ولو كنت معتادا على لبس قبعة لرفعتها لهم احتراما، لسبب بسيط، لأنه من أصعب الأمور ان تتحدى أفكار بيئتك الخاصة وأفكار اهلك وعصبيتك المحلية، وهؤلاء خاضوا أصعب معركة لا يتمناها انسان حتى لو أوتي إرادة الأنبياء!
هؤلاء تحدوا وبصدق كل ذلك وأكثر، ودفعوا ثمنا جد غاليا لمواقفهم، من تجاهل الأهل ولومهم وحقد الجيران وتهديداتهم، وفوق ذلك ريبة السُنة بهم وأطراف أخرى، ولم يبدلوا تبديلا!
ولكن بحسبة بسيطة وبعيدا عن الرومانسية الوطنية دعوني أسأل ماذا قدموا للفكر التحرري في المنطقة بمواقفهم الشخصية من الصراع؟! بحزن، أقول: ليس الكثير رغم مواقفهم الشجاعة وتضحياتهم لأجلها!؟
لماذا ليس الكثير؟ لأنهم بمواقفهم لم يمنعوا تحول الصراع من سياسي إلى طائفي صريح، فحجم القوة المناوئة كان أكبر من طاقتهم وطاقة المنطقة على التحمل.
وهل أبقوا الفكرة الوطنية على الأقل حية بما أن المعارضة أصبحت تضم علويين محترمين عند السُنة كـ عارف دليلة وفؤاد حميرة ومنذر ماخوس؟ لا أظن ذلك. فالفكرة الوطنية ماتت وشبعت موتا لسنوات طويلة قادمة، ولن يحييها صراخ بضعة أشخاص مهما كانت مواقفهم بطولية.
هل وجودهم أصلا سيبقي الفكرة الوطنية حية؟ أم هم آخر أمل لإبقاء الموزاييك الذي طالما تغنى به المطربون السياسيون السوريون حيا؟ أسئلة أجوبتها واضحة في حجم القتل على الأرض والسماء السورية! هل كان من الأفضل أن لا يكونوا معنا حتى لا يشوشوا المشهد كما حدث فعلا، ونتحول للصراع الصافي الصريح المريح للأعصاب ومنذ البداية؟!
إذا إلى أين وصل هؤلاء السادة برفضهم لحلف الطوائف؟
فؤاد تخبط كثيرا قبل أن يصل إلى الحقيقة المرة، إذ قال مرة بتمني: “النظام لايمثل العلويين و إن ثمانين بالمئة من العلويين ضد النظام”! ثم تراجع قليلا عن موقفه هذا وخفض النسبة إكراما للنقاد الذين قدروا النسبة الحقيقية من الأحداث على كامل الجغرافيا السورية!؟
أما جعجع فمكتف بشتم النظام ورفض حلف الطوائف لكنه لم يصل إلى مرحلة المطالبة بمكاشفة حقيقية توصلنا إلى حقيقة، من أين أتى موقف المسيحيين الذي نراه بكل أسى يوميا؟!
فيصل القاسم أيضا يشتم الجميع ويدعو الجميع إلى حفلة أسبوعية لشتم الجميع وتعرية الجميع، عدا الحاضنة الشعبية الدرزية للنظام والتي أنتجت ما نتابعه يوميا، على كل صديقنا فيصل يحاول منع القدر المحتوم، وفعلا منعه طيلة نحو خمس سنوات تقريبا، والذي بدورنا نتمنى أن لا يقع، لا بل ويحدث عكسه ويكون دروز سوريا جزءا حقيقيا من سوريا حـرّة.
إذا… المواقف بقيت في إطار النوايا الحسنة والأحلام الرومانسية، أما المطالبة بالعدالة فلا تزال خارج النقاش الحقيقي وليس الانفعالي.
هنيئا للعلويين إن قبلوا بفؤاد وحزبه ممثلا لهم، وتحية لجميع هؤلاء الممثلين الشرعيين للحلم…!
التعليقات (3)