لماذا يصمت الجميع على تقسيم سوريا؟!

لماذا يصمت الجميع على تقسيم سوريا؟!
ثمة إيجابية يتيمة، في موضوع "فدرلة" سوريا، الذي طفا على واجهة الأحداث. تتمثل بإزالة الغموض، عن حقيقة المواقف الروسية – الأمريكية، بشأن "المسألة السورية. إذ ثمة ما يوحي بأن تفاهمات "تحت الطاولة" بين الطرفين، بلغت مستويات خطيرة. وأن الاحتمال وارد بأن يكون قرار "الفدرلة" متخذ منذ فترة. وحان الوقت لفرضه على الجميع. بل إن السيناريوهات المُقترحة للتنفيذ مجهزة للطرح، على طاولة التفاوض. لكن أحلاها مر، بالنسبة لمستقبل سورية. ولا يُفضي سوى إلى تقسيمها نهائياً، على الأغلب.

المثير، أن الطرح الفيدرالي. يبدو وكأنه أُسقط "بالمظلة"،  وسط ما تم  تداوله. سواء في صيغة  جنيف1،  أو مخرجات فيينا. ولعل المُثير أكثر. أنه يُشعل فتيل انفجار الجغرافيا السياسية لعموم المنطقة، على المدى المتوسط، إن لم يكن الأقل. وأن أول  المُستهدفين، هي تركيا. التي ابتلعت فجأة جميع خطوطها الحمراء. ثم إيران، وهذه بدأت تلطم "رضائي وقبله ولايتي"، على تقسيم سورية، تحسباً لسيناريو لا يُناسب بارتداداته أمنها القومي. كما أنها تُريد أن تطمئن على مدى نفوذها في "سوريا المفيدة". يليها أووربا، وفجيعتها بالخذلان الأمريكي. أكبر من مرارة حليفها التركي، في  حلف شمال الأطلسي. غير أنها تُكابر في الاعتراف بالخديعة.

لا شك، أن الدول الأوربية، كانت آخر من يعلم. وربما سمع قادتها من الإعلام، بتصريحات وزير الخارجية الأمريكي، أمام أعضاء في الكونغرس، عن "صعوبة الإبقاء على سورية موحدة، في حال تأخر الحل أكثر".  وهو ما فُسر حينها، على أنه نوع من الضغط، على جميع الأطراف. خاصة المعارضة السورية، للجلوس على طاولة التفاوض. فيما يُمكن اعتبار تصريح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، بمثابة الإعلان "التمهيدي" الرسمي، عن قرار روسي أمريكي "لفدرلة سورية". قبل طرحه على طاولة التفاوض، للمفاضلة بين نماذج جاهزة على الأرجح. حتى دون هوامش تُذكر لمراجعة ومناقشة، من جميع الأطراف.

هؤلاء الأوربيون وجدوا أنفسهم، ليسوا خارج اعتبارات موسكو وواشنطن فقط. إنما هُمشوا نهائياً، عن مناقشة تحديات تمس أمنهم القومي مباشرة، في مواجهة "الغزو العربي"، على حد تعبير بابا الفاتيكان. ومخاطر الإرهاب العابر للحدود مع سورية والعراق. عدا عن مصالحهم الاقتصادية، ونفوذهم السياسي في المنطقة.

ولعل اللافت، أن  تعتمد واشنطن الدبلوماسية الوقحة، في تجاهل دعوة الرئيس الفرنسي هولاند "أصدقاء سوريا"، لعقد اجتماع يُناقش خروقات الهدنة. في  حين اكتفى جون كيري، بالإشارة إلى اهتمام واشنطن بموضوع الهجرة. في رسالة غير مباشرة إلى فرنسا، ومن خلفها أوروبا، لعدم التدخل بالشأن السوري. بينما الأسوأ أن يجد زعماء فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، أنفسهم وجهاً  لوجه، عراة من الغطاء الأمريكي، أمام الرئيس الروسي. في مؤتمر هاتفي، يلتمسون خلاله، مجرد الحفاظ على تماسك الهدنة. لكن الرجل لم يبدو مُتحمساً، لحديث مع الأوربيين، لا يتطرق إلى أوكرانيا. فيما الواضح أن كل حققه الضغط الأوروبي، على موسكو و واشنطن. لا يتعدى تحجيم الضغط العسكري على حلب، أو تأجيل إسقاطها عسكرياً. في محاولة لشد عضد تركيا، ما أمُكن. حفاظاً على التنسيق معها في ملف الهجرة.

بدورها، بدت تركيا، في وضعية تراجع مذهلة، أمام ضغوط روسيا السياسية، وغدر الولايات المتحدة بأمنها القومي، وتصعيد "العمال" للعمليات الإرهابية داخل أراضيها. حيث ذهبت أبعد من الالتزام بالهدنة، ووقفها قصف ميلشيا صالح مسلم الإرهابية الاستيطانية. وصولاً إلى إعلان تخليها عن خيار المنطقة العازلة، الذي بات "غير ممكن". بحسب تصريحات نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قرطلموش لقناة العربية. وكأنها تتجاوز القبول بالمعادلة الميدانية القائمة حالياً. إلى المطالبة بتثبتها. فيما تظهر السعودية أكثر مقاومة للضغوط. لكنها تجد نفسها مقيدة، أو محاصرة بالتردد التركي، والتخاذل المصري، والحياد الأردني، وشبه الغياب القطري. وفوقها الانحياز الأمريكي لطهران، في الصراع المحتدم، مع الأخيرة، في المنطقة. إضافة إلى ضغوط الملف اليمني المُلتهب.

لا تزال واشنطن، ترفع الفيتو ضد تسليح المعارضة السورية. كما تمنع فتح البوابة الأردنية تسليحاً وتدخلاً. ولم يعد خافياً أنها ميعت العرض السعودي، بالتدخل البري ضد داعش. عندما حرفته من الحدود الشمالية مع تركيا. باتجاه الرقة شرقاً للمشاركة باستعادة "وشيكة" للمدينة.

من جهتها، تحاول الرياض التعويض عن محدودية خياراتها العسكرية، بالهجوم السياسي، مثل الاستمرار بوضع الأسد تحت الضغط، عبر مواصلة التصريحات، بوجوب رحيله سريعاً. أو مثلما فعلت، بإعلان الحرب على حزب الله، كأهم أداة إيرانية في المنطقة. الأمر الذي ردت عليه الخارجية الإيرانية، بقبول التحدي ملوحة بهشاشة، السلم الأهلي في لبنان. لكن هذه الرياض ذاتها، رغم عدم ارتياحها لنوايا الهدنة. تجاهلت الرد رسمياً، أو الخوض إعلامياً في التصريحات الداعية، إلى حل فيدرالي في سوريا. باستثناء بعض مقالات "الرأي".

المفارقة، أن إيران تتلاقى مع السعودية بعدم الارتياح، لما يجري. ولا تمنح روسيا الثقة المطلقة. خصوصاً أنها لا تتطابق معها، في تصور "سوريا المفيدة". والتي لا يعني طهران منها، سوى خط دمشق – القلمون –الساحل. لضمان عدم محاصرة حزب الله، ذراعها الأشد في المنطقة، وتجنب الضغط عليه، داخل وخارج لبنان. في حين أن مصالح روسيا، تتركز في الساحل "قواعد عسكرية، ومخفر حراسة دائم" على مشاريع نقل الطاقة. بما يضمن استمرار حصتها في السوق الأوربية للغاز والنفط، لسنوات طويلة قادمة. إضافة إلى تخوف إيران الاستراتيجي، من تداعيات تسهيل إقامة كانتون كردي في سوريا، على مستقبل وحدتها مستقبلاً. وهذا الخطر هو البند الأول، على جدول مباحثات رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، في زيارته المُفاجئة لإيران، وما ُسرب صحفياً، عن محاولة تقريب وجهات النظر بين طهران والرياض. ثم إن فكرة الفيدرالية، لا يمكن هضمها، أو تسويقها. ما لم يخرج الأسد من واجهتها. إلا إذا كان المخطط، هو إعلان أجزاء في سوريا كمملكة وراثية، و تنصيبه ملكاً عليها. 

لا جدال بأن جميع اللاعبين، يتعرضون للضغوط من موسكو وواشنطن، وبتبادل واضح للأدوار بينهما. ومن دلائله ،الهجوم غير المسبوق لكيري، على شخص بشار الأسد. وتوبيخه بأقسى مما فعله الروس.

هذا هو المشهد بتنافره، وتعقيداته، وارتباكه. لذا، ليس مُستغرباً، أن يُمرر "مشروع الفيدرالية"، في حال لم يواجه برفض إقليمي حاسم. قبل انعقاد جولة مفاوضات 10 آذار. لاسيما وأن المبعوث الدولي ديمستورا. ألمح، في تصريحه قبل الأخير "أمس"، إلى أن بعض الأطراف، ستلتحق بطاولة المفاوضات، بعد أيام من انطلاقها. في إشارة واضحة إلى "مسلم – مناع" عرابي الصفقة. ويُسجل للثاني، أنه أول من أعلن تأييده "لفدرلة سوريا"، أثناء زيارته الاستعراضية، لمستوطنة "روج آفا". في حين تطرق الحاخام مسلم، في حديث لصحيفة الحياة منتصف العام الماضي، إلى ذات الفكرة. دون الكشف عن شكلها وفحواها. 

لم يعد خافياً، أن جماعة الحاخام مسلم، و"إسرائيل". هما الوحيدتان الضالعتان، بتفاصيل مؤامرة تفتيت سورية. بينما انهمكت ميليشيا مسلم وتوابعها "قوات سوريا الديمقراطية"، بالتهيئة الميدانية العسكرية لإعلان الكانتون "الفيدرالي – الانفصالي"، بغطاء جوي وسياسي أمريكي – روسي. وبعمليات تطهير عرقي، وبالسطو على ما تحتويه المنطقة من ثروات، خلف أقنعة محلية. من نمرة دهام الجربا، وهيثم مناع.

يسعى الإرهابي مسلم، إلى فيدرالية على شاكلة العراق. ومن المُستبعد أن يكون المطروح أفضل بكل الأحوال. أو ربما يتم فرض محاصصة على طريقة لبنان . أو ابتكار خلطة بين هذه، وتلك. تراعي مطامع "الاتحاد الديمقراطي" الكردي. وتُسهل إعلان "كيان علوي" مماثل على امتداد، ما يُمكن تأمينه من "سوريا المفيدة". ويتبعه كيانات، يصعب التكهن بهويتها، ومُستقبلها.

بالمقابل. أول ما يحتاجه نجاح الفيدرالية، هو قبول مختلف المكونات الداخلية لها، عن قناعة. وكذلك تقبل المحيط الإقليمي  للحالة الفيدرالية. وشكلها. وأطرافها. وسلوكها الداخلي. وسياستها الخارجية. وفي هذه الخانة، ستولد الفيدرالية العتيدة، في محيط معادي. بل إن المتصارعين، على الساحة السورية. سيتوحدون في معاداتها "تركيا – إيران – السعودية – وحتى العراق، وبعض الأطراف الكردية. التي لا تتفق مع سياسة صالح مسلم، ومنها من يناصبه العداء". ما يعني أن هؤلاء جميعاً، الذين أرغموا، على تجرع كأس الفيدرالية. لن يوفروا جهداً للانقلاب عليها، وخنقها. 

هذا العداء، ينسحب على الداخل السوري. إنما بشكل أعنف. ذلك أن رواية المظلومية الكردية. لا أساس لها جغرافياً وتاريخياً في سورية. وهذا ما اعترف فيه عبد الله أوجلان. كما يعرفه غالبية الأكراد. بيد أن ما حدث من وقائع تغيير ديموغرافي. واستيلاء ميليشيا مسلم، والقوات الموالية لها، بالسلاح على الأراضي والبلدات والثروات الوطنية السورية. لا يختلف عما ارتكبه الصهاينة بالفلسطينيين، عند إقامتهم "إسرائيل" بغطاء دولي. كما يُذكر سلوك وحدات حماية الشعب "الكردي". بما ارتكبته عصابات "الهاجاناه" الصهيونية. لذا لن تكون النظرة إلى كانتون كردي، بأفضل من النظرة إلى "إسرائيل"، والتعامل معها. وهو ما ينطبق على النظرة والتعامل مع كيان "علوي" محتمل، تحت أي مسمى.

ثم هناك قضايا، لا تقل خطورة. وتتعلق بعودة المُهجرين مذهبياً، إلى قراهم وبلداتهم وأحيائهم. وكذلك بأوضاع ملايين اللاجئين في دول الجوار، ومهاجر العالم. عدا تحديد وتوزيع مسؤوليات "إعادة الاعمار". وغيرها العشرات من القضايا، والتفاصيل القاتلة.

لكن الأهم، أن السوريين. لم يُستفتوا في مصيرهم. رغم ادعاء جميع الأطراف، بأنهم أصحاب القرار فيه. ولا أعتقد أن "الأسد" أو معارضيه، مخولون من الشعب ، بالتفاوض على وحدة سورية أرضاً وشعباً. ولعل الأفضل أن لا يتورط أحد في الدخول بمناقشة أي صيغة، تمنح مشروعية ما، لمشاريع تفتيت سوريا. وهي قضية وطنية، فوق الجميع "معارضة و موالاة".

الفيدرالية، لا تحل "المسألة". بقدر ما تنقلها، إلى مرحلة متقدمة من الحرب. يتم خلالها تبادل المواقع والبنادق، بين الأطراف المتصارعة. كما تُهدد بتمدد الوحل السوري، إلى كل دول المنطقة. 

الجميع غارق الآن، من عرب وعجم وأكراد وأوربيين وروس. باستثناء "إسرائيل" التي تلقت  "تفتيت سوريا"، كهدية أمريكية غير مسمومة، قبل الانسحاب النهائي، لمواجهة الصين. وما تقتضيه من تحالفات جديدة.  

التعليقات (3)

    سوري

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    لماذا يصمت الجميع على تقسيم سوريا؟! لأن التقسيم هو العودة الى الاصل، وسورية لم تنشأ كدولة حرة بموافقة كل الشعوب السورية وانما فرضت فرضا بحكم الواقع الاستعماري آنذاك. وهي تفتقر الى الانسجام الاثني والديني والمذهبي واي خلط عشوائي بين هذه المكونات وفرضه كواقع سيؤدي دائما الى وضع عدم الاستقرار.

    أبو القاسم مصياف

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    التقسيم موضوع قديم .. لكن تعقيدات الديموغرافية السورية تجعل تحقيقه على أرض الواقع شبه مستحيل حتى لو حضرت الرغبة لدى بعض السوريين بهذا ... واسرائيل يهمها قيام دويلات دينية حولها كي تدعم قيام دولة يهودية على أرض فلسطين السؤال: أين هي المعارضة الوطنية الرسمية مما يجري؟!

    صقر العرب

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    اتفاقية سيفر وخرائطها ان وطنك ايها الكرجي= الجورجي يا ابناء الميديين, الذين انحدروا مع اخوانهم الفرس المجوس الانجاس الحاقدين من نهر الفولغا وطنك يقع شمال ايران جنوب روسيا وعلى حدود جورجيا وارمينيا كما تظهر اول اتفاقية تشير لشيئ اسمه كرج, وهي اتفاقية سيفر والتي ايضا الغتها الدول الصليبية المحتلة باتفاقية اخرى مع اتاتورك وباعتكم بأبخس الاثمان وهو مصيركم لاحقا مهما تحصنتم وهو ات لامحالة وانتم له منتظرون بإذن الله المنتقم الجبار... ان للعرب اراض محتلة تقع شمال سوريا مساحتها اكثر من 200,00
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات