كيف يسقط النظام أكثر مما سقط!

كيف يسقط النظام أكثر مما سقط!
في الحسابات الدولية والإقليمية الحالية، لا يمكن إسقاط نظام بشار أسد حتى ولو افترضنا أن القوى الدولية جادة بإسقاطه!

لأن أسد الأب، وبعده الولد، على مدى نحو نصف قرن قاما بإجراءات عدة لفك ارتباط سوريا بالتطور الحضاري العالمي، وتحويل سوريا الدولة، من دولة بدأت تأخذ شكلها حديثاً إلى دكان في حارة في قرية نائية.

فمع بداية حكم نظام أسد الأب تم تصفية سوريا من المبدعين في كل المجالات، إما بالطرد أو بالاعتقال أو التصفية الجسدية، وخصوصاً رجالات الدولة السياسيين ورجال المال، بحجج الإقطاع السياسي والبرجوازية وغيرها، وعلى أكتاف المطرودين تأسست دواوين حكم في دول ناشئة عربية عدة كدول الخليج، وهذ أدى  لحرمان الدولة من العقول المؤسسة والمطورة.

واستكمالاً لعزل سوريا الدولة حضارياً، ألغى حافظ أسد البنية الحضارية التي بدأت تتأسس حديثاً، كأنظمة السير الحديثة، الترام، والمكننة الزراعية الحديثة، وأوقف تطور نظم إدارة الدولة وعلاقتها مع المواطنين، وأعاد انتاج وسائل القروسطية في هذه التعاملات.

 لنشهد، مثلاً، في القرن الحادي والعشرين، بأم أعيننا الإبقاء على دفاتر السجلات قيد الاستخدام في دوائر الدولة وحتى في المصارف، وتأخير دخول تكنولوجيا التواصل الحديثة مع العالم إلى البلاد ما أمكن، وتأخير دخول الفاكس والإنترنت وتحويل امتلاكهما إلى تهمة لسنوات طويلة، قبل الإفراج عنهما بعدما كان العالم قد استبدلهما بتكنولوجيا جديدة أكثر تطورا.

لعل أخطر ما قام به نظام أسد الأب والولد هو تدريب الشعب السوري على الحرمان من المواد الضروية والأساسية في حياته لنحو 40 عاما. 

مثلاً، منذ نهاية التسعينيات، اعتاد المواطن السوري أن يبقى شهوراً دون مواد أساسية، كالمازوت والبنزين أو المحارم أو الفاكهة والخضار أو المعلبات الغذائية، وكذلك تحمل غياب الكهرباء لساعات طويلة في القرن الحادي والعشرين، بعد أكثر من مرور 115 عاما على وصول الكهرباء إلى دمشق، حوالي العام 1890، وإلى عدد من المدن السورية بداية القرن العشرين، وتحمل غياب الماء لأيام عديدة... إلخ

وكذلك تدريب المواطن السوري على تقبل القهر والذل والزج بالسجون بلا مبررات، وضربه وإهانته في الشوارع وفي أماكن عمله وأماكن تنقلاته وأثناء مراجعته لدوائر الدولة بدون ولأي سبب، إضافة إلى تدريبه على تقبل فقدان حقوقه، وجور المحاكم الفاسدة عليه، وكذلك استخدام اليد الطولى للدولة لأخذ حقوقه وممتلكاته لصالح الدولة حيناً، ولصالح متنفذ ما في كل الأحيان!

الأمر الأخير والأخطر، أيضاً، هو سعي أسد الأب والولد لتعليم المواطن كل حقوق الدولة عليه، وإغفال تعليمه حقوقه على الدولة، عكس كل مجتمعات الكوكب، والتي تعتبر الدولة والمجتمع هما الحامي للفرد وحقوقه لتحقيق رفاهيته وإسعاده! 

فعلى مدى نصف قرن، زرعا في ذهنية المواطن أنه هو المسؤول عن الدولة والمجتمع وقضاياهم الكبرى والصغرى، وتحميله المسؤولية كاملة بالتضحية بعيشته وهنائه وحتى حياته لصالح الدولة، التي بهذا الشكل تحولت كلها لتمثل رأس النظام الذي أصبح هو الدولة كلها، وبالتالي، أيضاً، تحولت تضحيات الفرد بحياته كلها لصالح بقاء الحاكم الفرد. 

لذلك يستغرب بعض السوريين، عندما يقول أحد ممن بات يطلق عليهم بـ "الرماديين"، بعد خمس سنوات من الدمار والقتل والحرمان منذ انطلاق الثورة: "لا يوجد شيء في البلد والوضع طبيعي وعادي"! فعلاً بالنسبة لكم من عموم الشعب السوري الوضع لم يتغير، فقط ازداد الضغط أكثر، فقد كان جائعاً وعرياناً ومقهوراً ومهاناً قبل الثورة، لذلك لم يتغير عليه شي فعلا بعد انطلاقها! 

نظام أسد الأب والولد ساقط منذ تأسيسه، لأنه بكل بساطة خارج التطور الحضاري والإنساني، هل يمكن إسقاطه أكثر من ذلك؟ هل يمكن إسقاط الساقط، إلا إذا كان بالإمكان قتل ميت! 

هذا ما يفسر كيف أن الثورة السورية، بكل عنفوانها وتطوراتها لم تتمكن من إسقاط أسد ونظامه حتى الآن، لأن أسد لايزال في قصره ولديه قليل من الجغرافيا، والنظام نفسه رغم فقدانه للسيطرة الكاملة على 75% من سوريا ورغم أن سيطرته شبه معدومة على النسبة الباقية، لكنه يعتبر نفسه دائماً منتصراً لأن حدود قصره بقيت له! وهذا ما حدث أيضاً في كل حروبه التي خاضها، فقد اعتبر النظام نفسه دائماً منتصراً، طالما بقي النظام قائماً ورأسه في قصره، فليس مهم لو ضاع جزء من الجغرافيا السورية أو ضاعت كلها حتى!

وهذا، أيضاً، يفسرعدم تأثير الثورة بفعالية على الليرة السورية. فعلى الرغم من خراب أكثر من 75% من الدولة بقي تأثير ذلك على سعر صرف الليرة كتأثير اصطدام قطار في اليابان على عملة اليابان، والسبب بكل بساطة لأن الدولة تدار اقتصادياً بنظام دكان في قرية، إذا توفرت بضائع في الدكان يبيع صاحبها، وإن فقدت بعض البضائع يبيع ما هو موجود، وإن لم تتوفر البضائع يأخذ صاحب الدكان كرسيه ويجلس أمامه! في حين مثلاً لو فقدت بضع سلع أساسية من متاجر "كارفور" لأفلست هذه الشركة العالمية في اليوم التالي، ببساطة لأن شركة كارفور ضمن النظام العالمي الحضاري المتطور.

لذلك كل ما يطرح من ضغوطات وعقوبات دولية وحلول سياسية لن تفيد شيئاً ولن تؤثر على هذا الدكان إلا كتأثير غياب سلعة ما من دكان  القرية، لأن القرويين تعلموا كيف يجدون البدائل لغياب هذه السلعة، وهنا يستغرب السوريون من المجتمع الدولي عندما يطالب بالحفاظ على مؤسسات الدولة، عن أي دولة يتحدثون وأي مؤسسات إذاً!؟

ليس هناك حل سياسي يمكن أن يسقط أسد ونظامه، لا يوجد إلا حل وحيد لإسقاطه، حل على طريقة القرون الوسطى وما قبلها، كتائب متحاربة تطاله وجيشه فتهزم الجيش وتأخذ قادته إلى منصة الإعدام، وتجتثه كما يجتث مبضع الجراح الورم الخبيث.

الحل العسكري هو الحل الوحيد الناجع والقادر على حل مأساة السورين ومأساة المنطقة برمتها، وإعادة بناء الدولة السورية بكل مؤسساتها بطريقة حضارية تنتمي إلى عالم البشرية اليوم، وبناء نظام أمن ذكي، لا يتدخل في حياة الناس الخاصة ولا يقمعهم بالعصا، ولا يشاركهم أموالهم ويقض عيشتهم ويختصر أعمارهم. 

هذان العاملان، فقط، قادران على جعل الدولة السورية، فيما بعد، دولة ديمقراطية، غير قادر، أي شخص أو حزب أو مجموعة بشرية، على الاستحواذ على الحكم وتحويل البلاد مرة أخرى إلى دكانٍ صاحبها شرير ما!

التعليقات (13)

    الدكتور عاصم العظم

    ·منذ 8 سنوات أسبوعين
    أصبت صديقي الدكتور غسان بتحليلك الموجز والجامع لتاريخ قذر في عهد من هم أقذر منه... كل الاحترام والى الامام

    محمد جمال

    ·منذ 8 سنوات أسبوعين
    مقاله تختصر كل الكتب وكل التحليلات عن هذا النظام القادم من أعماق المافيا ،ولكن لاتتوفر له بعض الشرف الموجود عند المافيا ،نظام يمكنك أن تسقط عليه كل مفردات البذاءه والوساخه الموجوده في قاموس العرب ،وتقول بعدها لم أوفي هذا النظام الوصف الذي يستحقه من الحقاره والسفاله والنجاسه ،نظام لوجمعت كل سفالات اﻷنظمه الديكتاتوريه ،لخرجت بنتيجه أنهم لايبلغوا كعب هذا النظام مما وصل إليه هذا النظام من إجرام ودمويه ،نظام فريد من نوعه ،محمي أكثر من الصهاينه ،نظام لايمكن أن تشرحه كما شرحه غسان عبود .

    ياسين طه

    ·منذ 8 سنوات أسبوعين
    لكن اسرائيل لن تسمح للشعب بتشكيل دوله ديموقراطيه

    الجراح

    ·منذ 8 سنوات أسبوعين
    لا يوجد إلا حل وحيد لإسقاطه، حل على طريقة القرون الوسطى وما قبلها، كتائب متحاربة تطاله وجيشه فتهزم الجيش وتأخذ قادته إلى منصة الإعدام، وتجتثه كما يجتث مبضع الجراح الورم الخبيث.

    سوري

    ·منذ 8 سنوات أسبوعين
    كلام صحيح والله ، انا شخصيا قلتها منذ بداية الثورة لا يمكن اسقاطه سلميا الا بالقوة او ان روسيا تمسكه ومن حولة من الشخصيات المتخلفة عقليا وحضاريا من آذانهم وتضعهم في حاوية قمامة وتصديرهم الى مزبلة من مزابل الديكتاتوريات الباقية في هذا العصر الحديث

    سياسة العبد و السيد

    ·منذ 8 سنوات أسبوعين
    الحكم في سوريا انتهج سياسة الذل ضد المواطنين و استقصاء نخبة المجتمع و اخر ضحاياهم المخرج مصطفى العقاد

    souri

    ·منذ 8 سنوات أسبوعين
    كلام من ذهب..!

    أحمد

    ·منذ 8 سنوات أسبوعين
    لافض فوك ...لا حل إلا بقطع رأس بشار .

    جورج حنارومانوسعساف وتيدورا

    ·منذ 8 سنوات أسبوعين
    يرجى ارسال باللغه الإنكليزيه والإسبانيه الى هذه العناوين [email protected] [email protected] [email protected] [email protected]ولكم الشكر

    العراك

    ·منذ 8 سنوات أسبوعين
    أصبت عين الحقيقة وكثر الله من أمثالك هذا النظام المتخلف الذين نزلوا من الجبال وحكموا هذا الشعب وما زادوه إﻻ بعدا عن كل قيم الحضارة رفعوا شعارات وهم أشد أعدائها قتلوا الإنسان وهو باني الحضارات

    عماد

    ·منذ 8 سنوات أسبوعين
    استاذ غسان شاهدتك على التلفاز اكثر من مرة لكني اكتشف فيك الان شيئا عظيما انت سوري اصيل تعرف التفاصيل وفيك احساس لطيف وعميق والاهم من كل ذلك عندي ان الثروة لم تجعلك تنسى الام البسطاء

    tedoura rouman,s د.تيدورا رومانوس

    ·منذ 8 سنوات أسبوعين
    كان رجل أشفق عليه .لماذا تريد ترشيح نفسك؟ وكنت اساعده بالحمله.وأضع صورته في عيادتي.وكل عام يفشل.وبعد مرور4دورات انتخابيه دون جدوى. قلت له اذهب وانظر كم صوت أجاك؟ذهب وقالوا لم ينتخبك أحد.قال لهم كثير من الناس انتخبوني.قالواله ضحكوا عليك.وقال لهم امامي انتخبوني وأولادي أيضا. وأخيراالى النهايه توفي الرجل عند محاولة ترشيحه للمره وماورائها اجبار الناس بالتصويت الخامسه.وادخال الرعب في صدورهم بواسطة عناصر الشبيحه وعرف منهم توفيق جريوا وغاندي ومحمد أسعدوغيره. ونجد الرئيس اول من يدلي بصوته فماذا بعد

    تيدورا رومانوس

    ·منذ 8 سنوات أسبوعين
    لم يبقى الا ثلاث نعال وفرس.وقلت السياسه الجذور الإجتماعيه التي زرعهها الأجداد تحت حكم القانون3.وضاع الوقت .وهانخن نبكي الآن كما يقال ذنب الكلب أعوج ولو وضعته بستين قالب.فمن لسوريا ومن للعراق ومن للبنان الآن؟لنقرا على ارواح الجميع ونحن أحياء من الكتاب المقدس .والقران الكريم أيضا.وماذا نقول لأبناء الطائفة العلويه الشريفه ان تقرأ؟جمع البشر بداخلها جيد وداخلها عاطل .وأولهم الرئيس الروسي فلاديمير الذي اسمه ليس عليه لأنه تربى في مواضع الغدر.وغدر شعب الروسي. وسيقرر الروس مصيره باذن الله
13

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات