في الطريق يُمرر بنظره على العديد من بيوت الأهل والرفاق الذين تركوا الحسكة ولجأوا إلى البلدان المجاورة أو إلى أوروبا ..... يتصلون به أحياناً لا أحد يُخبره بأنه مرتاح ....هو نفسه يحتاج لهذه الكلمات ...لأنه لايريد أي شيء يُشجعه في الخروج من المدينة ...... يصلُ إلى مكان العمل .........يلتقي بالعديد من أصحابه جميعهم مثله ينتظرون الرزق ......أحدهم يُهيأ الشاي تحت نارٍ هادئة من بعض الورق الجاف ...... بكل تأكيد سيشرب كأساً من تلك الشاي التي تتخمر بهدوء... سيشربها بمهل وهدوء .
يمضي النهار كله في انتظار أي شخص يأتي إليه يؤجره في أي عمل ...لكن لا أحد يأتي ...المدينة تبدو في الكثير من الأحيان خاوية لكنها لا زال يملك الأمل ....النهار يقترب من العصر يُقرر الذهاب إلى البيت ..... يمتطي دراجته الهوائية وبعد عدة خطوات يتوقف ...... كيف سيعود إلى المنزل وهو سيعود كما خرج منها لا طعام ولا أي شيء ......هذا الموقف ربما اقسى عليه من كثير من الأشياء في لحظة ذهول بسيطة ..... يبدأ بالتفكير عن حل ويبدأ مرة بقيادة دراجته بهدوء يمرر بنظره على أراضي الأرملة......مقفرةٌ عابسة تغيب عنها الروح .......يتسائل هل سيكون هذا مظهرها في الربيع أيضاً هل سيحمل لنا الربيع أياماً ادفئ من هذه الليالي الباردة والتي لا نملك فيها سوى الأغطية ......يتوقف قليلاً ينظر إلى دراجته .....وفي قرار سريع يقرر بيعها في تلك اللحظة ......يُقنع نفسه بأنه سيكون من الأفضل بيعها اليوم قبل الغد ربما ستُسد حاجته لعدة أيام ...... يجتاز جسر العزيزية وهو يقود دراجته .... يشعر بأنه سيودعها بعد قليل سوف يبيعها في احدى محال شوارع فلسطين هذا أفضل بكثير من أن يبيعها في الحي لن يراه أحد من الناس الاقرباء منه ....يصل للمحل .......يبيع دراجته في عُجالة لم يبدي كثيراً من المبازرة مع صاحب المحل يضع الأربع آلاف ليرة في جيبه.....يذهب للسوق ليبتاع بعض الأغراض والطعام ليعود إلى المنزل ...
يشعرُ ببعضٍ من السعادة وهو يحمل أكياس الطعام عندما يدخل باب البيت ....تسألهُ زوجتهُ عن الدراجة فيقول بأنهُ من الصباح الباكر عندما استيقظ من النوم لم يجدها في المنزل ... وخلال اليل سُمعت بعض الأصوات ... ربما أحدهم اتى وسرقها .. لكن الله عوضني عن ذلك ولقد جنيت اليوم رزقاً جميلاً والحمد لله.....
يُنهي كلامه بسرعة هارباً من نظرات زوجته يشعرُ بسعادة كبيرة وهو ينظرُ إلى طفليه الجميلين ..... بعد اشترى لهم بعض الحلوى ولعبتين جميلتين.
في المساء تأوي إليه زوجته وتقترب منه ......زوجي الحبيب ...أراك هذه الأيام تُظهرُ لنا الأبتسامة التي نحتاجها وتُشعرني بالأمان والاطمئنان لكنني أدري ما تُخفيه عني أيها الحبيب .....رأيتك اليوم وأنت تخرُج من البيت... تمتطي دراجتك ودعوت لك أن يرزقك الله ......كُنت أدري أنك اليوم ان لم تلقى أي عمل ستبيع دراجتك ....وتشتري به زاداً لنا.
زوجي الحبيب .......هذا خاتمي الذي كان رابطاً لزواجنا الجميل ......خذهُ مني وبعهُ من الغد أرجوك .....لم أعد بحاجة لأرتدائه فهو ليس الرابط بيننا ....الرابط بيننا بات يسكنُ في القلوب .. بعهُ أرجوك واشتري به عربةً لكي تبيع عليه الخضروات سأساعدك في إعداداها وترتيبها وتنظيفها بعد ان تجلبها كل يوم من سوق الهال حتى تبدو جميلة ويشتريها الناس....دعنا نجرب هذا العمل لعلهُ سيكون أفضل لنا ...كما أني أشفقُ عليك وأنت تعمل في حمل الأسمنت ومواد البناء ....قاسمتني أياماً جميلة دعني اقاسمك هذه الايام العصيبة .
يُقبل يد زوجته .....تتلئلئ الدموع في عينيه .....لا يخشى من سقوطها لأن الظلام دامس ....يضمُها إلى صدره ويقول ...الربيعُ قادم ستكون الأيام القادمةُ أكثر دفئاً ...تبكي زوجتهُ على صدره وتقول ....حتى وان لم يكُن دافئً يا زوجي يكفيني دفئُ قلبك علي وعلى ولدينا ... ينامان بهدوء لا يكترثان لأصوات قذائف المدفعية ...
تنهمر بعض قطرات المطر في الخارج...
غداً سيكونُ يوماً ماطراً.......
التعليقات (1)