تركيا في مفترق تاريخي

تركيا في مفترق تاريخي
لم تكن سوريا فقط هي الهدف فقط، حسب أصحاب نظرية المؤامرة، من الذين يروجون لفكرة الخطة المسبقة  من قبل المحافظين الجدد في إعادة رسم و بناء الشرق الأوسط الجديد، فإن كانت المسألة السورية قد قسمت العالم إلى قسمين الظالم والشرق والغرب، والمجددين و الراغبين بالإبقاء على القديم ، فإن تركيا كانت وما تزال منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى هي محط أنظار مخططي الغرف السوداء، ممن يعدون الخطط والدراسات طويلة الأمد لتحديد مصائر دول العالم، ولكن هل تركيا بقوتها الحالية لاتزال من ضمن الدول التي من الممكن لباقي دول العالم اللعب والعبث بمصيرها ؟.

أعتقد أن الجواب البديهي هو لا .. وذلك بشكل أساسي يعود إلى  الديمقراطية الفريدة الحقيقية التي تحققت وطبقت في ذلك البلد الأسيواوروبي ..من جهة ومن جهة أخرى بسبب التنمية الاقتصادية المهمة التي تحققت في العقدين الاخيرين في تركيا التي انتقلت من تصنيف بلدان العالم الثاني، قفزاً ووصولاً الى بلدان العالم الاول.. مغلقة ملف الديون الخارجية للبنك الدولي لدرجة وصلت معه تركيا إلى كونها أحد البلدان التي أصبحت تقرض البنك الدولي وليس العكس حيث أصبحت في المرتبة ال17 اقتصادياً في العالم .. تركيا اليوم هي حتماً ليست تركيا الخارجة من رحم الدولة العثمانية، وهي حتماً ليست تركيا الحكم العسكري.. هي دولة تستعيد ببطء الثقل الجيوسياسي  لمنطقة الاناضول وأسيا الوسطى، قدم في الشرق الثري العتيق وقدم في الغرب الحديث المتطور جداً، ويمكنها لعب دور هام جداً في تحجيم أو تأجيج الصراع الشرقي الغرب، ذلك الصراع الازلي الذي لم ولن ينتهي أبداً.

ولكن كل هذا يمكنه أن يصبح ركام كلام ، ان تركت القيادة التركية موضوع الطوائف والاثنيات مفتوحاً كجرح كبير أمام العبث الدولي، فالملف الكردي كان ولايزال من أهم القنابل التي من الممكن لها أن تهدد سلم ووحدة الاراضي التركية، فالخطوات التي اتخذتها ادارة أردوغان لاستيعاب القومية الكردية ضمن الفعل السياسي وعدم تركها ضمن الفعل المعطل كما اعتادت الحكومات التركية السابقة فعله ،قد تكون غير كافية مطلقاً لدرء الخطر وسحب الذرائع أمام من يريد العبث بالملف الكردي التركي ،كما فعل الروس مؤخراً حينما افتتحوا ممثلية خاصة لحزب الشعوب الكردي في موسكو ، يضاف الى ذلك تحصين البيت الداخلي من العبث الإيراني الطائفي الذي حصل  في غير ذات ملف من اليمني الى العراقي  الى الخليجي ، وصولاً الى الملف السوري الذي أصبح معه التدخل الايراني لاعباً خطيراً ممتداً الى  الداخل التركي عبر التأثير على الورقة الطائفية.

إن المقتل التركي يكمن في دفعها المتواصل الى الخوض في المستنقع السوري السياسي الذي أغرق وسيغرق جميع من يخوض به، ذلك التدخل المفتوح سيكون حتماً من البوابة الكردية التي وضعت تركيا خطوطاً حمراء في تفاصيله السورية، وما تلكم التفجيرات المتتالية المستفزة من قبل حزب البي كي كي ، المعترف بها من قبل الاخير ، الا استفزاز مباشر ودعوة صريحة لاردوغان لكي يقوم بتدخل عسكري ما في شمال سوريا او في مناق الوجود المكون الكردي التركي في الداخل التركي .

إن تركيا  تاريخياً  كدولة تحتوي على مكون أساسي كردي في المجتمع التركي ، وتحتفظ لنفسها بعلاقات متميزة مع حزب البارزاني و سياساته المنفتحة والشفافة في المنطقة وتحكيمه العقل قبل الاحلام التي من الممكن لها ان تحبط استقلال احادي لاقليم كردي  عراقي فاعل ومتفاعل مع المنطقة ولا يخضع لعزلة من الدول المحيطة ..وتحتفظ كذلك بعلاقات جيدة مع أكراد سوريا، ما خلا جماعة حزب البي كي كي ..والبي واي دي ، اللذان صنفتاهما كمنظمتين ارهابيتين ..بسبب دعمهما للنظام السوري ولعبث حزب اوجلان  بالعمق التركي منذ عقود ..ان الوئام الداخلي في تركيا هي المهمة الاساسية للقيادة التركية للإبقاء على الرافعة الاقتصادية والاجتماعية محصنة من الهزات المحيطة اقليمياً ودولياً ، وان كان الشعب السوري يعقد أمالاً كبيرة على المواقف التركية ، فعليه أن يتفهم أن قوة الشعب السوري تكمن في قوة تركيا وتماسكها ،وما الاتفاقية  التركية الاوروبية حالياً الا ورقة يلعبها الاتراك بذكاء مع اوروبا و المجتمع الدولي لنقل تركيا من الحضن الاسيوي الى قلب العالم الحديث.

إن جميع محاولات الاحزاب العلمانية التركية  للدخول الى الاتحاد الاوروبي حيث يرغب منظروا  تلك الاحزاب بصبغ  المجتمع التركي تماماً بالعادات و اسلوب الحياة الاوروبي ..ولكنهم وعبر خمسين عاماً من التفاوض مع الغرب ،لم يستطيعوا خرق جدار الرفض المتمثل في فرنسا والمانيا لقبول أوروبا لتركيا كدولة حديثة متساوية مع كل الدول الاوروبية ، ولكن أردوغان الاسلامي المعتدل استطاع ان يفعل ما لم تقدر على فعله جميع الاحزاب العلمانية و الجمهورية و الأتاتوركية مجتمعة ..فهو سيقدم للمواطنين الاتراك حرية تنقل كاملة وعلى الهوية من  تركيا وصولاً الى السويد وبريطانيا عبوراً بكل اوروبا ،في مقابل وقف تدفق اللاجئين من الدول التي لا تقيم للإنسان وزناً  في الشرق من سوريا والعراق وافغانستان و الصومال و اريتريا و اليمن وليبيا و حتى العمق الافريقي .اضافة الى حصوله على عدة مليارات لدعم تأمين اللاجئين الاهم بالنسبة لتركيا وهم من السوريين طبعاً ، فلا يحزنن اولئك السوريون ممن يرغبون في الوصول الى اوروبا بحثاً عن حياة أفضل لهم ولأطفالهم  ،فأردوغان لم يتاجر بمصائرهم كما يروج صيادو الاخطاء ، ولكنه وبصفته رأس الدولة في تركيا ، يقوم بخدمة شعبه كأولوية لوجوده في السلطة وهو أمر يحترم عليه ، ولو قام كل رئيس بخدمة شعبه ومصالح شعبه كما يفعل أردوغان لما وصلت ملايين اللاجئين الى تركيا طلباً للدخول الى اوروبا حيث احلام الاستقرار و الأمان.

ولكن منع اللاجئين من دخول اوروبا لا يعني رمي الزاحفين الى الحياة في المخيمات ، بل السعي الحثيث لإقامة مناطق آمنة لهم داخل بلدهم ليعيشوا دون منة أو مكرمة ،مع ضمان تأمين لجوء كل فرد من المسجلين في مفوضية اللاجئين ممن لم يعبروا البحر ، ضمان لجوءه الى اوروبا بطرق آمنة ،حسب مبدأ واحد مقابل واحد ،أي ان كل لاجئ يتم اعادته الى تركيا ممن عبروا البحر سيقوم الاتحاد الاوروبي بتأمين لاجئ في مقابله في أحد دول اوروبا ، ثم ان دول الاتحاد الاوروبي وتركيا هي دول تؤمن بالقانون الدولي ولا تتجاوزه تحت اي ظرف ، وما اعادة اللاجئين من العابرين للبحر الى اوروبا الا تطبيقاً لمبدأ ( دولة ثالثة آمنة ) تستطيع تقديم حياة كريمة ل اللاجئين ،وهي في هذه الحالة تركيا .ان استقرار مليوني سوري في تركيا مرتبط بشكل كبير باستقرار الوضع الداخلي التركي وهناك ترابط لا فكاك منه في هذه الثنائية .

التعليقات (1)

    لاجىء سوري

    ·منذ 8 سنوات شهر
    اذا كان رائيك بان اردوغان لايساوم بلاجئين ويخدم شعبه مثله مثل رروسيا والايرانيين الفرق بينم هو الاسلوب فقط لاغير
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات