تدمر.. العائدة إلى التاريخ

تدمر.. العائدة إلى التاريخ
وهكذا عادت مدينة تدمر إلى حضن الوطن، عادت عروس البادية إلى أبنائها، عادت بعد أن دمر البرابرة أجزاءً كثيرة من آثارها، بالتفجير والقصف والطيران، عادت لتثبت أن الغزاة يمرون مرور الكرام و تبقى سوريا الأبية لكل أبناءها.

وها هي الحياة تعود إلى مرافق المدينة الأثرية، سنبني المعابد القديمة التي هدمتها داعش، وسنرمم حجارة الزمان العتيق ونرقع شوارع زنوبيا، فها هنا وقف زبداي، وهاههنا، خطب أذينة في شعبه العظيم ..وهاهنا رقص مالك وهنا بكى أشهب وهنا تزوج  قصير احتفالاً بانتصارات امبراطورية تدمر قبل آلاف السنين..سنعيد الآثار والمتاحف، وسنتيح لجميع سياح البسيطة، الفرصة من جديد ليلتقطوا لأنفسهم صوراً مع الأعمدة والشارع المستقيم  والمسرح الأثري، وربما ستزداد إثارة الصور حينما يروي السياح لأولادهم أن هذا المسرح شهد عدداً كبيرا من جرائم كارثة العصر داعش، تلك الجرائم التي لم تشهد لها البشرية مثيلاً ولا نظيراً ..سوف نحتفل مع اليونسكو وسنبكي معها أيضاً، وسنرثي العلامة خالد الأسعد بأجمل  القصائد في الصحف الرسمية وأفخمها ..وسنستورد فرقة البولشوي الروسية لتقدم باليه بحيرة البجع على ذلك المسرح الصامد ،وسترقص الراقصات بدل الجنود الملثمين ..وستعزف الاوركسترا بدل مصوري الموت ، وسنشعل الاضاءة الليزرية الحديثة بدل  مشاعل الجاهلية البشعة.

ولكن للأسف، ما من جمهور على المدرجات وما من تصفيق سيرتفع في سماء واحة زنوبيا فالبلدة التدمرية تهدمت ، والتدمريون الذين عايشوا الواحة منذ آلاف السنين هم على الحدود المقدونية الآن يتوسلون الذهاب الى ألمانيا ..لا يهم، طالما ان  تدمر عادت ويمكن للصحافة العالمية أن تحتفي بهذا الانتصار، ويمكن لهواة الآثار أن يبتهجوا بعودة التاريخ الى شيخوختهم .. ويمكن لعشاق التنقيب أن يحزموا حقائبهم مجدداً استعداداً لرحلات تنقيب جديدة في بلادنا ، لكن عليهم أن يحضروا زيوت حماية لجلودهم من شمس الصحراء القاسية  في رحلتهم القصيرة، وكبادرة حضارية نود اعلامكم أننا  سوف نقدم للسياح هدايا اضافية ، فنحن سوف نعيد بناء السجن كذلك، ذلك السجن العظيم، السجن الأسطوري ذائع الصيت الذي لم يسمع عنه السياح العجائز الأوروبيون والاسيويون، سنعيد بنيانه وإعماره حجراً حجر، سلكاً سلكاً ، وربما افضل مما كان، سنوسع المهاجع، ونضيق النوافذ، وسنشيد أسواره بحجارة تدمر الصخرية القاسية المباركة كي لا يتمكن أي إرهابي من دخوله أو الخروج منه مجدداً ،وريثما نعيد نزلاءه ممن اؤتمنا على حريتهم منه قبل سقوط تدمر بيد الظلاميين، سوف نسمح للوفود السياحية بإطلالة سريعة عليه يومياً، كي يشاهدوا ويتعلموا منا كيف نهتم بمعايير  (اصلاحية سجن تدمر)، وكيف نعيد تأهيل المذنبين فيه في برنامج تأهيلي إصلاحي يمتد أحياناً لخمس وعشرين عاماً من العمل الجاد والدؤوب على الأخ السجين، ولكننا بعد أن نعيد الأخوة السجناء، ساكنيه إليه ،  سنوقف الزيارات، فالنزلاء من أخوتنا السجناء يحبون هدوء الصحراء، وصفاء هوائها ، يعشقون عَد نجوم سماء تدمر من نوافذهم الضيقة ، دون ضجيج السياح وصخبهم ..فلكل بيت أهله، وللأخوة المواطنين المذنبين حق علينا في حمايتهم داخل سجنهم، وإليه سيعودون، معززين ومكرمين..يحلون أهلاً وينزلون سهلاً ..لن تزعجهم مجدداً تلك الاصوات النشاز التي كانت تأتي من تدمر البلدة ولن يشوش تأملهم الصحراوي، سماع موسيقى بعيدة  لعرس من أعراس أولادها. فهي أساساً مدينة اسمنتية، بنيت عشوائياً ،مكتظة بالسكان سابقاً، ولا تقارن بالمدينة الأثرية الرائعة .

قريباً سنعيد تنظيمها بأبراج  عبر عقود بناء عالمية سنعلن عنها لاحقاً ، ولن تأتيهم حشرات تلسع جلودهم البيضاء، فأرض الواحة المروية احترقت من الحرب ، سيكون لديهم الوقت الكافي لملء جدران السجن الجديد الفارغة بكتابة ذكرياتهم ..فجدران السجن القديم لم يعد فيها مساحة كافية تكفي لرسومهم وكتاباتهم ، سيكون كل شيء جديداً ، الآثار والشوارع و الأرصفة و المطار والسجن ..سنرحب بكم قريباً في تدمر التاريخ البعيد ، تدمر الماضي القريب ..المتجدد بنا، وربما سنفاجئكم بشعب تدمري جديد ،، شعب معقم غير إرهابي / من يدري ، إنها بلد العجائب ، انها تدمر سوريا الأبد.!!

التعليقات (2)

    أبن تدمر

    ·منذ 8 سنوات شهر
    نعم نعم سيبني الغرباء اثار تدمر نعم نعم سيمتص الغرباء رحيق غاز ونفط تدمر نعم نعم سيسير الغرباء في شوارع وازقة تدمر ، وسيسير اهل تدمر في ازقة وشوارع البلدان الغريبه وا اسفي وحزني على اهل تدمر

    سمية المبيض

    ·منذ 8 سنوات شهر
    أبكيتني استاذ فارس ...شكرا لكم جميعا
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات