الأمر الذي يجعل هذا الشعب قاب قوسين او ادني من الضياع والاندثار من الكيان السوري أن لم يتم تدارك الأخطاء المزمنة في جسد النخبة الكردية السورية , -لا ريب الثورة السورية كانت الفرصة الذهبية لانتشال الشعب الكردي من براثن التهميش والاضطهاد والغبن المتعمد من قبل سلطات البعث الحاكمة للدولة السورية منذ قرابة أربع عقود بيد أن عجز القوى السياسية الكردية جعلت تلك الفرصة وبالا على الشعب الكردي ,وتكمن أسباب هذا العجز في العيوب القاتلة والمستوطنة طيلة خمسين عاما من النضال الحزبي والتنظيمي, ومن هذه العيوب انعدام استقلالية القرار السياسي حتى النظري منه فضلا عن الاتكالية الشديدة على الأطراف الإقليمية والتماهي مع قراراتها وتوجهاتها التي قد تتناقض مع مصالح الشعب بالمقاييس الوطنية , وافتقارها الى رؤية سياسية مطروحة للعلن بغية التعامل مع الوضع السوري ككل وفرض نفسها كجهة تمتلك مشروعا سياسيا , والجهل التام بانتقاء مفردات ذات دلالة سياسية ووطنية في خطاباتها وأدبياتها.
هذا و بالإضافة إلى المراهقة السياسية الشديدة للنخب السياسية والانتهازية المقيتة والمهرولة صوب المصالح الشخصية الضيقة , وبالتالي هذه الممارسات أجبرتهم تحت ضغوطات المطالبة الشعبية إلى انتهاج خطاب سياسي متذبذب سقيم المفردات تجافي تماما المقومات الأساسية للشعوب (الدين ,الوطن ,الأعراف ....) موجه للقاعدة الشعبية لا للمحيط الوطني أو الإقليمي ,وتبدو للمراقب كما لو أنها محاولة بائسة لإثبات أن الجهل موهبة بحد ذاتها ,وبالتالي كل هذه الأمور كافية لحشر الشعب في نفق مظلم لا بصيص نور في نهايته اذا ما استمر الحال على ما عليه اليوم , -وعلى النقيض تماما هنالك ثمة مشروع سياسي قائم وكأنه ينمو ويتطور على الأرض بالمعنى الظاهري للمفهوم التمترس السياسي , بلا شك ذات صفة كردية ظاهريا أيضا ,ويحتكره الحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي احتكارا منقطع النظير ,ولا نحتاج البتة إلى الكثير من الحصافة والتخمين للحكم على المشروع القائم حاليا بأنه مجازفة ومقامرة بأمتياز للحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي لا بل محاولة لتفريغ القضية الكردية من محتواها الأخلاقي والإنساني والسياسي مجتمعة ,كونها ميليشية ترتكب شتى الانتهاكات بحق الشعب السوري عامة والكردي خاصة تحت العباءة الكردية.
ولابد للشعب الكردي دفع الضريبة الباهظة لتلك التجاوزات ,وفي الواقع مليشية مسلحة تتسم بالطابع فوق القومي وتتخذ من التنظيرات الاعتباطية للفلسفة الثورية الماركسية نهجا لها وتكاد تكون محاولة بائسة و ساذجه للموائمة بين أكثر المفاهيم جدلا وتناقضا وتضاربا (الثورية ,الاشتراكية ,الانفتاح ,المذهبية ,التعددية ,الاشتراكية ,الديمقراطية ....الخ )وبالوقت ذاته تفتقر هذه المليشيا التي ترتكب شتى الانتهاكات بأسم الكردي إلى أي غطاء سياسي فاعل وقادر على التأثير في الرأي العام العالمي وتقديم الشعب الكردي بأنه ضحية لتضارب وتقاطع مصالح القوى العظمى التي تقايض هذه الحقوق تبعا لمصالحها وتتاجر بمعاناتهم لا بل هذه المليشية عاجزة حتى على التأثير بالمجتمع الكردي والمحافظة على الكيان النظري للشعب من حيث الخصوصية الثقافية والمرجعية الدينية التي تعتبر العماد الأساسي لمقومات الشعوب ويضاف إلى ذلك ممارساتها التي تتنافى مع الانتماء الوطني بصورة فجة ومتعمدة بغية إدانة الشعب الكردي برمته على الصعيد الوطني وكذلك تسعى بكل الوسائل للقضاء على الشعور القومي الكردي من خلال سياساتها الايدولوجيا التلقينية وممارساتها العملية على أرض الواقع ,وما يزيد الطين بلة هي أن القوى الكردية الأخرى التي لا تتفق مع الاتحاد الديمقراطي أيدولوجيا وفكريا تعاني من اختلال تنظيمي وتفتقر لأدوات و السبل الفعالة تعينها على التعامل مع هذه التجربة داخليا وخارجيا على حدا سواء .
فعلى الساحة الدولية بالرغم من امتلاكها الكثير من المأخذ الجادة و الأدلة الدامغة ضد الاتحاد الديمقراطي بيد أنها تنتهج الطعن والاتهام في أليات والأطر التسويقية لديها بما معناه تأخذ الاتهام ذريعة بدلا من اتخاذ الأدلة وسيلة ,وعلى الصعيد الداخلي مارست هذه القوى ضغوطات نفسية رهيبة للإجبار قاعدتها الشعبية على الهجرة حتى بات المجتمع الكردي قطعان من المسلحين وتراجعت مختلف مناحي الحياة (التعليم ,الصحة ,الزراعة ) أمام الموجة المجنونة لعسكرة المجتمع ,الأمر الذي يوضح للعالم شعبيا ورسميا انعدام ايدولوجية أخلاقية جامعة للشعب الكردي أنما لا تعدو أكتر من تكتلات عصاباتية تعتمد الايدولوجيا مسوغا لممارساتها الانتهازية ,مما يجعل الكرد حفنة من الشعوب المنقرضة المغرمة في الاندماج مع محيطها الاجتماعي الوطني ,بيد أن عتاولة العصابة المنظمة تبذل قصارة جهدها في استغلال سذاجة الرأي العام العالمي والحيلولة دون تماهي هذا الشعب المنقرض في محيطه الوطني حفاظا على مصالح النخبة الانتهازية ,وما للكردي المنقرض سوى مادة درامية تنهل منها جهابذة التلاعب بالمشاعر من اجل تحقيق مصالح أنية وذاتية محضة ,هكذا تقدم النخبة الكردية شعبه للعالم ,الظاهرة التي تؤكد لنا حتمية الفرضية الجدلية( أنقراض الكردي )من الكيان السوري على المدى المنظور!
التعليقات (5)