في دير الزور .. مهن اندثرت وأخرى جديدة فرضتها الحرب

في دير الزور .. مهن اندثرت وأخرى جديدة فرضتها الحرب
لم يدرك "نورس" ابن مدينة دير الزور شرقي سوريا الذي عمل منذ صغره في إصلاح أجهزة التكييف، أنه سيضطر يوماً ما إلى البحث عن مهنة أخرى، لأن مهنته الأصلية التي تعلمها من والده، كانت تعد من المهن المربحة جداً، في مدينة لا يمكن لسكانها الاستغناء عن أجهزة التكييف طوال أشهر الصيف بسبب درجات الحرارة المرتفعة جداً، واعتماد الكثير من المحال والشركات عليها شتاء أيضاً.

يقول نورس لـ"أورينت نت"، إن غياب الكهرباء عن دير الزور منذ أكثر من عام أدى إلى استحالة تشغيل أجهزة التكييف، لأنها تحتاج إلى طاقة كهربائية نظامية، ولا يمكن الاستعاضة عنها بـ"الأمبيرات"، التي أوصلها تنظيم الدولة إلى أغلب الأحياء مقابل مبلغ مادي مرتفع جداً، يصل إلى ألف ليرة للأمبير الواحد.

مهن اندثرت وأخرى ولدت

"المهن المنقرضة" في دير الزور كثيرة، ومن بينها المقاهي التي ارتبط اسم دير الزور بها، ليطلق عليها سابقاً لقب "مدينة المقاهي" نظراً لكثرة مقاهيها، ووصف حالها العديد من روادها فيما مضى، بأنه "في دير الزور بين كل مقهى ومقهى، يوجد مقهى"، لكن مع سيطرة تنظيم الدولة على أغلب أرجاء المحافظة، واعتبارها من "المحرمات"، إضافة إلى الوضع الأمني غير المستقر وتعرض المدينة للقصف المستمر، غابت المقاهي بشكل كامل عن دير الزور، وهذا الحال ينطبق على مدن وبلدات الريف التي شدد التنظيم فيها على حرمتها.

المئات من العاملين في هذه المهنة أضطر إلى العمل في مهن أخرى، ومنهم من استحدث مهنة لم تكن موجودة سابقاً في دير الزور، مثل مهنة "النقل النهري عبر القوارب"، وهي استجدت جراء استهداف العديد من الجسور في المحافظة، كما حصل في جسر السياسية في مدينة دير الزور وجسر الباغوز في ريف البوكمال، إضافة إلى الحصار البري الذي تعرضت له العديد من المناطق في فترات عدة على مدار السنوات الماضية، كما حصل مع حيي الجورة والقصور والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام، ما اضطر سكانها إلى الاعتماد على النقل النهري.

النقل النهري التجاري

ساهر الحمود الذي عمل في هذه المهنة، أكد أنه رغم خطورتها مع إمكانية تعرضها للغارات والقصف، إلا أنه رأى في مهنته الجديدة "مصدراً مهماً للرزق"، مشيراً في حديث مع "أورينت نت" إلى أنه يعتمد على "النقل النهري التجاري" أكثر من اعتماده على نقل المدنيين، لأنه نقل بضائع أحد التجار، قد تغنيه عن عمل أسبوع كامل في نقل المدنيين.

لكن "الحمود" مع ذلك، يبين أن مهنته القديمة "عامل في أحد المقاه"، سيجد الوقت المناسب للعودة إليها عندما تسمح الظروف بذلك، مشيراً إلى أنه سيعود إليها كصاحب كمقهى، وليس عاملاً فيها، وهو يقوم حالياً بجمع رأس المال لمشروعه المستقبلي.

 المعابر النهرية التي لجأ إليها السكان في دير الزور

غياب عيادات الأطباء ومحال الصوتيات والمكاتب السياحية 

من بين "المهن والأعمال المنقرضة" في دير الزور، عيادات الأطباء التي اختفت تماماً في المدينة، محال الصوتيات، المكاتب السياحية، الكوافيرات النسائية، النقل الداخلي، موظفو الدوائر الحكومية، الخراطة، الحدادة.

لكن بالمقابل استجدت العديد من المهن، فإضافة إلى  "النقل النهري"، هناك ورشات نقل الأثاث غير الموجودة سابقاً، وذلك جراء كثرة النازحين خارج حدود المحافظة، أو داخلها، وعددهم يقدر بمئات الآلاف، ما أسفر عن تواجد ورشات كاملة، مهمتها نقل أثاث المنازل بهدف بيعها، أو إرسالها إلى أماكن السكن الجديدة لأصحابها، ودور هذه الورشات لا يقتصر على النقل فقط، بل تسهيل حصول صاحب المنزل على ورقة السماح بنقل أثاث المنزل من قبل المكتب المسؤول عن ذلك لدى تنظيم الدولة، والتي يصعب الحصول عليها عادة.

حلول بديلة 

غياب ورشات الحدادة التي كان لدير الزور سوقاً خاصة بها وسط المدينة، دفع الحداد والميكانيكي "أبو محمد" إلى افتتاح محل قرب منزله في حي العمال، ومهمته تحويل أجهزة إطفاء الحرائق اليدوية، إلى ما يطلق عليه محلياً اسم "بوتكاز"، وهو أحد أدوات الطهي المستخدمة سابقاً، وانقرضت منذ سنوات طويلة.

وبحسب ما أفاد به أحمد أبو ابراهيم من حي الحميدية، فإن أجهزة الإطفاء الصغيرة المتواجدة بكثرة في المؤسسات الحكومية التي تعرض أغلبها للقصف والتدمير، عمد العديد من الأهالي إلى الاستفادة منها  وتحويلها إلى "بوتكاز" حيث يقوم الحداد "أبو محمد" بوضع رأس "طباخ" بالمخرج الرئيسي لها، إضافة إلى إيجاد فتحة أخرى إضافية لتعبئة مادة "الكاز".

جرة الغاز ونتيجة لعدم توافر المادة الأساسية له، عمد بعض أصحاب المطاعم إلى إحضارها إلى "أبو محمد" لفعل ذات الأمر الذي يفعله مع جهاز "إطفاء الحربق"، لكن الفرق هنا هو وضع أنبوب طوله لا يقل عن مترين، يصل بين رأس الجرة والقاعدة التي يتم من خلال إشعال النار، ووضع أواني الطبخ أو القلي عليها.

أبو إبراهيم، أكد بأن العديد من الحوادث التي "لم تسفر عن إصابات"، حصلت في بعض المطاعم المنتشرة في شارع التكايا وسط المدينة جراء هذا العمل، وفي بعض المنازل، لكن الأهالي يضطرون إلى تعبأتها في كل مرة لدى "أبو محمد"، لعدم توافر مادة الغاز في المدينة.

     شارع التكايا أهم الشوارع التجارية في دير الزور والخاضع منذ نحو عامين لسيطرة تنظيم الدولة

ورشات إصلاح السلاح

الشاب نورس الذي ترك مهنة إصلاح المكيفات مجبراً، تنقل بين العديد المهن لينتقل أخيراً إلى إحدى المهن المستجدة في المدينة، ألا وهي "إصلاح السلاح الفردي"،  التي "تلقى رواجاً وأرباحاً جيدة"، على حد وصفه.

ويقول نورس، إنه عمل بعض الوقت لدى أحد الأشخاص الذي أتقن هذه المهنة، ويتوافد الكثير من مقاتلي التنظيم إليه في مقره في شارع التكايا، لإصلاح أسلحتهم الفردية من مسدسات أو بنادق أو غيرها، وذلك قبل أن يستقل بعمله منذ أشهر عدة، وبدأ "الزبائن" يأتون إلى منزله الذي اتخذ مقراً مؤقتاً له، منوها إلى أن أجور الإصلاح ينالها من زبائنه بالدولار، ما در عليه الكثير من المال، وبأضعاف من كان يتقاضاه في مهنته السابقة (عامل مقهى)، التي يؤكد أنه وأن تركها مجبراً، لكنه سيعود إليه يوماً ما.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات