القفل والمفتاح

القفل والمفتاح
لم تكن تصريحات وزير خارجية السعودية لإحدى الأقنية التلفزيونية في مصر ، غداة زيارة ملك العربية السعودية إلى مصر، إلا رأس جبل الجليد الذي اراد منظروا و مستشاروا  ومخططوا المرحلة الجديدة لاستراتيجيا السعودية بالنسبة للعقود القادمة أن يظهر  ...فبعد شرحه الوافي ، و التفصيلي لأهداف و استراتيجيات اعلان الشراكة الاستراتيجية بين مصر والسعودية الذي تم هذا الاسبوع ، قدم الجبير ولأول مرة تصريحات جريئة و نقدية وتفصيلية لأسئلة كان الشارع العربي والاسلامي على الدوام يتداولها ، وبغض النظر عن تلك التصريحات فان مجرد مناقشة غير رسمية  للمذهب الوهابي في المملكة العربية السعودية ، على الفضائيات يعد نقلة نوعية حقيقية في أليات مواجهة الاشكاليات و بداية عظيمة لإيجاد معادلات عصرية لحلها .

فالمذهب الوهابي الذي طالما شن أعداء السعودية هجومهم عليه بناء على أنه مذهب متشدد و منغلق ، وضعته اليوم إدارة الملك سلمان على الطاولة وتحت الأضواء دون أي خجل أو تبرؤ أو مواربة ، معلناً ودائماً الكلام للسيد الجبير أن ((الوهابية ليست مسؤولة عن التطرف والإرهاب وانما الإرهاب هو نتيجة عكسية ومباشرة للثورة الايرانية ))  ،وأردف قائلاً 

((لماذا لم يظهر التطرف إلا بعد 200 سنة، بعد محمد عبد الوهاب، معتبراً أن : التطرّف بدأ يجتاح السعودية في عام 1979 تزامناً مع الثورة الإيرانية)).

وبغض النظر عن مجادلات هذا التصريح و دقته التاريخية ،فإن عادل الجبير الوزير التاريخي للخارجية السعودية، يوجه ومن خلال كلماته سلسلة انتقادات كبيرة لإيران ودورها التخريبي في المنطقة و استفزازها لجميع مكوناته عبر اللعب على الوتر الطائفي واستنفار العصبيات ، وهو في الوقت ذاته يوجه انتقاداً ضمنياً وعلى حسب قوله لتزايد التعصب الطائفي داخل المملكة الذي أتى كرد فعل منطقي حسب قوله  على الاستفزاز والشحن الطائفي الآتي من الضفة الأخرى من الخليج العربي ..ومضمون كلامه يشرح ان الوهابية تمتد لمئتي عام و لكن الارهاب نشأ عام 1979 مع بداية الثورة الايرانية التي ألغت باقي مكونات المجتمع الايراني الطائفية و اعلنت وفي دستورها أن مذهب الجمهورية الاسلامية الايرانية هو المذهب الاثني عشري الشيعي .وهي صيغة طائفية سنها فقهاء ثورة إيران .

ولم تكن تصريحات الجبير ذاتها خارج سياق زيارة الملك سلمان للقاهرة ، فإلى جانب الاتفاقيات الاقتصادية و الثقافية و العلمية و القانونية التي تمت ، مرت زيارة الملك سلمان إلى الجامع الأزهر مرور الكرام إعلامياً ، ولكنها فعلياً قد تكون هي الجزء الأهم في زيارة الدولة التي قام بها سلمان إلى القاهرة ، ان الأزهر وما يمثله تاريخياً من ثقل في المشهد الإسلامي عموماً و العربي خصوصاً يكاد يوازي ما يمثله الفاتيكان لدى الغرب ،فالشرعية المسبغة تاريخياً و فقهياً على الفتاوى والتشريعات التي تصدر من الازهر ، لا يوازيها مرجع اسلامي مطلقاً في عموم العالم الاسلامي المترامي الأطراف ، ولطالما دأبت جهات و مرجعيات على كسر هذه المرجعية و انشاء منابر أخرى توازي الأزهر في محاولة لتسخير القرار الديني في الشأن السياسي ، وهذا ما فعلته أيضاً ايران ،عبر تقوية المرجعيات الشيعية ومحاولة التمايز في الافتاء و التشريع عن الأزهر وبالتالي عن العرب و بالتالي عن الأغلبية من السنة ، ابتداء من شؤون الصيام و الأعياد و الزكاة وصولاً إلى التحرك العسكري والسياسات ،فخلال القرون الخمسة الأخيرة  كانت المرجعيات الدينية الاسلامية ممزقة بين اسطنبول مقر السلطان\\الخليفة ، وبين مكة والمدينة مهبط الوحي و الاسلام ، وبين القاهرة صاحبة القوة الكبرى في المنطقة العربية ومقر الأزهر أول جامعة تبشيرية علمية دينية في عموم العالم وبؤرة التنوير العربي ، وكان هذا التجاذب بين الدوائر الثلاث على الدوام سبباً في حدوث ثغرات استغلها كثيرون في التأثير في الشأن العربي و الإسلامي ، حتى وصل الأمر بأحد المؤرخين الغربيين إلى وصف الاسلام الحديث  بغير القادر على مواكبة العصر ومتغيراته بسبب عدم وجود مرجعية تفصل و توجه وتحدث و تصدر قرارات وتشريعات ملزمة وواجبة على جميع المسلمين ، الأمر الذي حدا بذاك المؤرخ إلى الحديث عن حاجة المسلمين الى فتح قفل التاريخ الذي يكبل الإسلام كتشريع وليس كعبادة ..فالهيراركية الإسلامية أو طبقة رجال الدين المسلمين لا تحتوي على رأس يشبه بابا الفاتيكان ، الذي يملك السلطة الزمنية والروحية معاً قبل أن تنزع الثورات المدنية في أوروبا عن البابا سلطته الزمنية مستبقية له السلطة الروحية فقط ..

في هذا السياق فإن زيارة ملك السعودية الى الجامع الأزهر بما تحتويه من رمزية تاريخية من حيث أنها أول زيارة لحاكم سعودي معاصر إلى الأزهر منذ مئتي عام ، وهي تعد إعترافاً كبيرً ومهيباً، تجلت رمزيته في اهداء العاهل السعودي كسوة الكعبة الشريفة الى شيخ الأزهر والتي تعتبر تشريفاً هاماً ، وهو بذلك يسبغ شرعية رمزية من قبل رمزية خادم الحرمين الشريفين نحو الأزهر كقيمة اسلامية معاصرة ومعتدلة ، تهدف الى دعم الاعتدال السني و تعزيز الاسلام المعاصر ومكافحة الحركات الاسلامية المتطرفة التي شوهت الاسلام منذ 1979 على حد قول الجبير ،و تتويج للأزهر كقوة مفتية ومشرعة قد تكون جامعة للأمة الاسلامية التي تتخبط في أسئلة الهوية والانتماء والتطور والحداثة ،و التي أكثر ما  تحتاج هذه الايام الى تجميع و منهجة رؤاها ، خصوصاً مع الأخذ بالاعتبار الحلف الاستراتيجي بين الرياض واسطنبول.. ومسعى الرياض لعقد مصالحة ضرورية بين اسطنبول والقاهرة ..عبر المفتاح السحري الذي يحمله سلمان الملك ، الذي يود من خلال سياساته فتح أقفال صدأت منذ عقود وقرون دون أن يجرؤ أحد قبله على الاقتراب منها .

التعليقات (1)

    احمد

    ·منذ 8 سنوات 3 أسابيع
    في البداية اود ان اوكد باني لست وهابيا بالمعنى الذي قدمه المقال واستطيع ان اجزم بانه لا يوجد مذهب وهابي على الاطلاق كما تم تسميته !!! كل مافي الامر ان الشيخ محمد بن عبد الوهاب ظهر في فترة كانت الجزيرة العربية تعج بالمغالطات الدينية وسيطرة التقاليد والاعراف والعادات على كل ماهو اصيل وشرعي مستمد من القرآن والسنة النبوية المطهرة والمحفوظة فدعا الشيخ الى ازالة هذا الركام عن الاصول والعودة الى الموروث الحقيقي بدلا مما كان سائدا وفيه الكثير من المخالفات الشرعية الواضحة التي لا اصل لها في ديننا الحنيف
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات