الذاكرة الكوردية بين الحزبية والقومية

الذاكرة الكوردية بين الحزبية والقومية
لكل أمة مميزاتها التي تشترك مع غيرها من الأمم, إلا أن ما يميز قوة أمة عن غيرها هي ذاكرتها القومية؛ لأنها توضح المواقف والتوجهات والسياسيات السليمة.

إن أية أمة لا تعود إلى المراحل التاريخية الكبرى التي أرهقتها أو أسستها, ستكون أمة متخلفة, فهي تبقى بعيدة عن تجاربها الماضية ولا تعّي أهمية التعاطي الواعي مع المراحل التي أجهضت نتاجاتها وقوامِها،  فالتاريخ مُجلد واحد يسلّم فيه كل فصل إلى الفصل الذي يليه بما يحمل من العمل العام ومخزون حضاري وانتكاسات وانتصارات على حدً سواء.

يدرك المتابع للحالة الكوردية أن هناك شبه انفصال بين المراحل التي مرت بها الحركة السياسية الكوردية على اختلاف لحظاتها وظروفها فيما يخص الذاكرة الكوردية. لذلك يكرر الكورد أخطائهم وأحيانا بالطريقة ذاتها, وكأن الاستفادة من التجارب معدومة, ثم يندب حظه على الفرص التي أضاعها.

لكن إحدى المشكلات الجوهرية تكمن في تهميش أو عدم الاكتراث بالفكر والثقافة والتجارب الكوردية, والتوجه نحو نبش المحطات الحزبية الماضية, خاصة من جهة الصراعات والانتكاسات والتكتلات والانشقاقات، دون الالتفات إلى تراكم الخبرة والاهتمام بنداء العقل. فالحزبي المُؤدلج يمكن أن يقوم بحملة شعواء ضد أحد القيادات الكوردية لمصلحة شخصية حزبية قيادية أو غير قيادية، في الوقت الذي يفترض بنا جميعاً البحث في ذاكرة الأمة الكوردية، لا التجارب الحزبية السقيمة، فالقيادات يأتون ويرحلون ويبقى الشعب ويبقى الحزب ويبقى قبلهم كلهم الحق والقومية الكوردية، من لم يتعلم من ماضيه لن يعيش حاضره ولن يستعد لمستقبله، لذا يجد الكوردي نفسه دوماً تحت تأثير المؤثرات الخارجية، فتصبح عامل ضغط علينا لا عامل استفادة لتثبيت الهوية الكوردية.

إن المصالحة الكاملة مع الماضي تُبعدنا عن اضطراب الذاكرة الكوردية، وترفع من شأن القوة الكوردية, سياسية, اقتصادية،ثقافية، اجتماعية، إلى الأعلى بدلاً من التخطيط لتشويه الرموز والمحطات المفصلية في التاريخ الكوردي، إن الوقوف على الذاكرة الكورية القومية ليس مجرد تنظير خطابي, بل هو من صميم العمل القومي الكوردي، فمن استطاع استقراء الماضي الكوردي كمن حمل مفتاح المدخل الطبيعي للمستقبل القريب.

المؤمن لا يلدغ من جحره مرتين, مثال حيّ وحيوي لا يشمل الكوردي، فكم من المرات كان اللدغ داخلي، وكم من المرات وصلت بعض الأحزاب الكوردية الكبيرة إلى حافة الهاوية لأسباب تُعاد صياغتها بصور جميلة, وللأسف بدلاً أن يسعى الكورد إلى ملوك الطوائف في الأندلس, تجرعنا مرارة صراعات الحكام  ضد شعوبها في العالم العربي.

الأمة الكوردية مثلها كمثل كلّ الأمم, تعدُّ ذاكرتها عُصارة تجاربها وخبرتها, فإما أن ننطلق منها للاستفادة من دروس الماضي, أو السير يتامى في دورِ الأخريين, فإن كانت الأطراف الكوردية تحمل طموح لأمة كوردية عظيمة, عليها أن تملك ذاكرة الفيل, بعكس الأمة البسيطة التي تمتلك ذاكرة السمكة.

القيمة القومية لأي شعب تتجاوز الحديث عن الأشعار الماضية, والأهازيج البسيطة, بل أن القيمة القومية لأي شعب هو تراث إنساني محضّ يرتكز اليوم على المد الشعبي والثقافي وحملة الفكر النيّر ورسوخ الفرد في منطقته منذ مئات السنين, الفكر القومي اليوم هو نتيجة تجارب من كان يمتلك زمام المبادرة بالأمس, ومن كان أمتلك الأرض بعد نزوحه من شطر أخر.

عن أية أمة عصرية سيتحدث الكورد ما لم يُدرك سياسييها حجم ماضي أمتهم. أشد ما أرهق وأثقل كاهل الكوردي هو الكوردي نفسه, فالنكبات والكوارث والانكسارات تعاد هي نفسها, حتى أصبحنا نلوك الماضي, إذ لا يمكن أن نظل نحن الشباب حقل تجارب دائماً بل أن نبقى دائماً كــ( الأيتام على مائدة اللئام) نتحسر على مواقف وأحقاد أطراف سياسية تجاه أخرى. إن كانت هذه هي مقدماتنا, فعن أي نتائج نبحث أو نتوقع، إذا كان العقل الكوردي يفتقد للارتباط الشرطي بين المقدمات والنتائج, لكنه يكتفي بردود الأفعال ويبقى يتحسس آثارها مطولاً, فيغيب التوقع السليم في الأذهان، وهو نتيجة طبيعية لغياب التخطيط الاستراتيجي، وأصحاب الرؤى وذوي الخبرات. لذا لا بد من تقوية كل حزب كوردي من الداخل والاتجاه إلى التنسيق السياسي والعسكري، بحيث تحقق الأمة الكوردية درجة عالية من التشبع بروح العصر وإلا صحونا على ما أمسينا عليه، دون أن نعي التجربة ولا البحث في الذاكرة.

من بين ابرز مشاكل العقل والفكر والبنية الكوردية هي إننا أسرى الماضي بالمعنى السلبي وليس الايجابي, فإن حصل واعتمدنا على الذاكرة اليومية فإنها تكون من اجل التبرير والتغطية على خيبات ونكبات, وليس من أجل الإصلاح, كيف لا ونحن لا نتعلم من ماضينا ولا نتجنب أخطاءنا السابقة بل إننا لا ندرس بتروي ما يدور حولنا.

التعليقات (6)

    مستقل

    ·منذ 8 سنوات 3 أسابيع
    القضية الكوردية قضية قومية وحقوقية وتاريخية وثقافية تحتاج للإعتراف الدستوري والحضاري والوجداني من الأنظمة التي تسيطر على كوردستان والتي تتنكر لوجود الكورد وحقوقهم، إن أدلجة القضية الكوردية والأحزاب الكوردية هي إحدى المصاعب التي تعترض طريق حلها وتشكل سدود بين أبنائها، فالقضية تحتاج للوحدة والقوة وتثقيف أبنائها بأهميتها وعدالتها والتأثير على أعدائها أو خصومها كقضية قومية وحقوقية وحضارية، فطالما إستمر الإنقسام الفكري والمزاودة بالإخلاص بين أبنائها ونكرانها من قبل الأنظمة المسيطرة سيطول حلها سلميا.

    العراك

    ·منذ 8 سنوات 3 أسابيع
    الحل للقضية الكردية هو انحلال الأكراد في المجتمعات ااتي يعيشون بها ويكون وﻻءهم لله ثم للوطن الذي هم فيه فهذه أ وربا أول شرط لهم للاجئين هو الإندماج هذه البلطجية وقتل للأخر بحجج واهية وهذا الإجرام سيعود على الأكراد وبالا وموتا مزيدا من التشرد والتشرذم

    ينال

    ·منذ 8 سنوات 3 أسابيع
    لاحل لقضيتكم في منطقتنا,مثلكم مثل باقي المكونات و لا نرى ان على رؤوسكم ريشة لكي نمنحكم وطنا" نقتطعه من ارضنا, ان اردتم العيش معنا فأهلا وسهلا لكم كافة حقوقكم القومية كجزء من الشعب السوري, اما أن تتلاعبوا بديمغرافية مناطقنا و تستعلوا سطح المنزل الذي آواكم و استضافكم لتسرقوه في غفلة عن أهله فلن يكون بيننا و بينكم الا ما صنع الحداد.

    مستقل

    ·منذ 8 سنوات 3 أسابيع
    ليت المعلقين الشتامين ممن يدعون العروبة والذين يرسلون برسائل عنصرية وتنشرها أورينت دوما يتقنون لغة قومهم وقواعدها أي اللغة العربية، وليتهم يقرأون التاريخ جيدا ويفهمون ما تعني الديموغرافيا وأصول الشعوب قبل أن يهددوا ويتوعدوا الكورد بالإنحلال أو الإبادة، من يدعون العروبة من المستعربين والمعربين (أي الأعراب) بما فيهم البعث لا علاقة لهم بالعروبة الحقيقية التي نبتت ونمت في قفار اليمن وصحاري نجد والحجاز، فليس كل من يتكلم العربية لضرورات عقائدية أصبح عربيا مع كل الإحترام للأمة العربية الأصيلة!

    متسائل

    ·منذ 8 سنوات 3 أسابيع
    هل يقبل الفلسطينيون الإنحلال في المجتمعات العربية واليهودية وكلهم ساميون كما تطلبون من الكورد القوقازيون والآريون؟

    احمد العربي

    ·منذ 8 سنوات 3 أسابيع
    لماذا الكردية تماما مثل الفارسية هل سالت نفسك يوما لماذا تقول ايها الكردي. يك. ددو. سسي. خورشيد. افين. جيهان. وهي نفسها اللغة الفارسية. هل سالت نفسك لماذا تحتفل بعيد نيروز الفارسي. انكم قبائل فارسية بل بدو الفرس وكلمة كردن بالفارسي تعني طبقة العبيد. وانتم اعراب الفرس يعني بدو الفرس جئتم للمنطقة من جبال زاغروس
6

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات