التجربة الإسلامية في الغوطة الشرقية .. "الجولاني"و "عصا" زهران علوش

التجربة الإسلامية في الغوطة الشرقية .. "الجولاني"و "عصا" زهران علوش
نشر معهد "كارنيغي" الأمريكي للأبحاث تقريراً اعتبر من خلاله الغوطة الشرقية بريف دمشق، أهم وأبرز المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار في سوريا، مشيراً إلى أن هذا "الجيب المحاصر" الذي يعتبر أهم معاقل الثوار في ريف العاصمة؛ الذين سيكونون أول من يخترق الدفاعات العسكرية في دمشق في حال انهار نظام الأسد.

يشير التقرير إلى أن الغوطة تأثرت بسبب النمو السكاني الهائل الذي طال دمشق في العقود الأخيرة، حيث بدء الزحف العمراني يشمل بلدات حول العاصمة، ورغم ذلك حافظت مدن وبلدان الغوطة على طابعها مميز، فمدينة دوما، على سبيل المثال، ظلت مركزاً إقليمياً للتعليم الديني، وقد عرفت ببيئتها المحافظة دينياً.

وغدت مدينة دوما العاصمة الثورية في شرق الغوطة، كونها موطن للآلاف من المقاتلين الثوار، حيث اضطر نظام الأسد إلى تكريس موارد عسكرية هائلة بهدف اقتحام المنطقة، وقد كلف القتال خسائر فادحة للطرفين، فيما عانت من عملية التدمير بسبب تعرضها للقصف المدفعي والجوي والصاروخي، فضلاً عن سلسلة من الهجمات بغاز الأعصاب عام 2013.

ورغم ذلك، فقد تمكن ثوار الغوطة الشرقية من درء هجمات قوات النظام منذ أكثر من أربع سنوات، وهذا لا يشهد فقط لقوة المشاعر المحلية المناهضة للأسد، ولكن أيضاً لنظام فريد من التنسيق والحكم الذي أنشئ في هذه المنطقة تحت رعاية إحدى أقوى فصائل الثوار في سوريا.

 دور جيش الإسلام

صنف معهد "كارنيغي" الأمريكي "جيش الإسلام" بأنه أكثر الجماعات الثورية أهمية في الغوطة الشرقية، والذي تشكل من خلال تحالفات واقعية قوية، و"قمع لا يرحم منافسيه"، إلى جانب مجموعة من التكتيكات الذكية، التي منحته منذ عام 2013 أهم أبرز المدافعين الغوطة الشرقية.

ووصف التقرير مؤسس "جيش الإسلام" الراحل "زهران علوش" بأنه "سلفي ناشط"، أطلق سراحه من السجن خلال مرسوم العفو في حزيران من عام 2011، وكان علوش سياسياً ذكياً، وخطيباً كاريزمياً، محبوباً من قبل رجاله، النظام بدوره ينظر إليه على أنه "إرهابي"، وشخصية مثيرة للجدل من قبل أنصار المعارضة الأخرى، كان يراه الكثير من العلمانيين والديمقراطيين داخل المعارضة على أنه "أصولي وديكتاتوري" في مرحلة التكوين؛ في حين رآه بعض "الإسلاميين المتشددين" إما انتهازياً متعطشاً للسلطة أو أداة للنظام الملكي السعودي، حتى أن أقرب حلفائه في بعض الأحيان كان يبدو منفعلاً حول شهيته للسلطة.

ويضيف التقرير أن جيش الإسلام نشأ بسرعة ليصبح قوة فاعلة، مقارنة مع فصائل منظمة بشكل أكثر عشوائياً في شمال وجنوب البلاد، معتبراً أن علوش كان "بشكل أو بآخر" واحداً من أندر بناة الدولة، وكانت من أعظم صفاته هو تحقيقه للاستقرار النسبي الذي استطاع أن يجلبه الى الغوطة الشرقية، وحتى عندما كان متورطاً في القتال على جميع الجبهات في وقت واحد.

السلطة القضائية الموحدة

في 24 حزيران من عام 2014، أعلنت فصائل الثوار الرئيسية في الغوطة الشرقية دعمها لهيئة "حكم مدني مشترك" يعرف باسم "مجلس القضاء الموحد"، وأعقب هذا بسرعة إنشاء نظيره العسكري، والمعروف باسم "القيادة العسكرية الموحدة"، والتي كان يقودها "علوش".

يعتبر "مجلس القضاء الموحد" حالة استثنائية في سوريا، نظراً للظروف القاسية والصعبة على نحو غير عادي في الغوطة الشرقية، ربما ينبغي أن تعد بمثابة واحدة من نجاحات الثوار النادرة، والتي كانت إلى حد كبير من عمل "جيش الإسلام".

لم تسيطر الفصائل المسلحة على مجلس القضاء الموحد، على الرغم من أنها تمارس تأثيراً عليه، لكن بدلاً من ذلك، قررت الفصائل مجتمعة التخلي عن السيطرة على الشؤون القانونية إلى لجنة مكونة من علماء معتبرين في الشريعة الإسلامية، ترأس هذه الهيئة عدة محاكم في مناطق متميزة جغرافياً: واحدة في مدينة دوما، في الشمال الشرقي للغوطة، وآخر في منطقة المرج في الجنوب، وغيرها، وهذا النظام القضائي بدوره يتفرع إلى مكاتب تتعامل مع القانون الجنائي، والمسائل المدنية، وقضايا الأحوال الشخصية، مما يجعله جهازاً إدارياً واسعاً نوعاً ما.

كان أول رئيس للمجلس القضائي الشيخ "أبا شجاع الأزهري"، واسمه الحقيقي "أحمد عبد العزيز عيون"، الذي استقال بعد وقت قصير من إنشاء المجلس في صيف عام 2014، مستاء، على ما يبدو، من التعديات على سلطته، وقد اغتيل من قبل مجهولين في وقت لاحق من نفس العام. أما خليفته فقد كان الشيخ "خالد طفور"، والذي أدار السلطة القضائية الموحدة خلال ما قد يعتبر أيام مجدها في عامي 2014 و2015، وكان الشيخ "طفور" مثل "زهران علوش" من دوما. وفي الحقيقة كان الشيخ خالد مرتبطاً بفصيل منافس لجيش الإسلام، وهو "الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام"، وفي آب/أغسطس من عام 2015، وبعد خلافات متكررة مع الجيش الإسلام، قرر طفور أيضاً الاستقالة من مركزه، على الرغم من أنه كان لا يزال جزءاً من مجلس الحكم. تم استبدال "طفور" بنائبه السابق الشيخ "أبو عبد الرحمن زين العابدين"، في حين أن "أبا راتب أبو دقة"، زميل آخر، عين لاحقاً نائباً لرئيس المجلس.

وبالإضافة إلى هؤلاء الثلاثة، فإن القيادة العليا للمجلس فيها أربعة أعضاء آخرين، وهم: "علي دنبل، الذي يرأس محكمة المرج؛ وأبو ياسر، من بسينة، غرب المرج؛ وأبو عدنان، الذي يدير محكمة في حي عربين بدمشق، وأبو محمد، الذي يدير محكمة في حمورية، جنوب شرقي مدينة عربين".

القضاء الموحد يحظى بقبول واسع رغم أحكامه القاسية

عندما تم إنشاء مجلس القضاء الموحد في شكله الحالي في صيف عام 2014، تمتع بدعم من سبعة عشر فصيل مختلف، واعتبر جيش الإسلام الأول بين متساويين، حيث شملت القائمة كل الفصائل الرئيسية في الغوطة الشرقية، مثل الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، وفيلق الرحمن، وأحرار الشام، وجبهة النصرة المنحازة لتنظيم القاعدة، بالإضافة إلى مجموعات أصغر.

وقد اختفت بعض هذه الفصائل منذ ذلك الحين، أو انقسمت، أو تم دمجها مع بعضها البعض، والجدير بالذكر أن الاتحاد الإسلام لأجناد الشام أصبح جزءاً من فيلق الرحمن في شهر شباط/فبراير الماضي. 

تذبذبت مواقف كل من الاتحاد والفيلق تجاه شرعية المحكمة مع مرور الوقت، مع نزاعات تؤدي أحيانا إلى اضرابات مؤقتة أو انشقاقات دائمة. وعلى نحو متزايد، ومع ذلك، يبدو أن المحكمة قد وقعت تحت سيطرة جيش الإسلام.

جبهة النصرة و "عصا" زهران علوش

كانت لـ"جبهة النصرة" بزعامة "أبا محمد الجولاني" علاقة معقدة بشكل خاص مع مجلس القضاء الموحد، فقد علقت مشاركتها في المجلس على الفور تقريباً بعد إنشائه، حيث أدى تكرار رفض " النصرة" الإذعان للمجلس من شأنه أن يؤدي في بعض الأحيان إلى إصدار جيش الإسلام تهديدات صريحة، وقد قال "زهران علوش" في نيسان/أبريل 2015: "لن نسمح لجبهة النصرة ولا لأي جماعة أخرى لتشغيل محاكم خارج القضاء الموحد". ومع ذلك، في النهاية، يبدو أن "جبهة النصرة" قد سمح لها أن تهتم بأعمالها الخاصة طالما أنها لا تتعارض مع مجلس القضاء الموحد أو هياكل أخرى مشتركة.

علوش كان مصمماً من أن يتبعه الجميع 

يرى المعهد الأمريكي أن "جيش الإسلام" لا يسيطر على مجلس القضاء الموحد، وأحياناً يعاني هزائم في المحاكم، ولكن كان له تأثير كبير على هيكله السياسي العسكري الشامل، ومع مرور الوقت، فإن نفوذه يبدو قد زاد، وبالإضافة إلى ذلك، فقد ساعدت هذه المؤسسات ضمان الاستقرار النسبي في الغوطة الشرقية، وسهلت العمل المشترك ضد الأسد، وهو مسألة حياة أو موت بالنسبة لجميع الفئات في المنطقة، وعلى الرغم من أن الجيش الإسلام نفسه قد يتجاهل أحياناً أوامر المحكمة، مع الشعور المحبط للفصائل الأخرى، فإن علوش كان مصمماً من أن يتبعه الجميع.

إقصاء جيش الأمة 

عندما كانت هناك تحديات خطيرة للنظام أو لتفوقه الشخصي، فإن علوش ما كان ليظهر أية رحمة، إن أبرز المحاولات للتحرر من "جيش الإسلام" كانت عندما قام عدد من الفصائل الصغيرة المتناحرة بتشكيل تحالف يسمى "جيش الأمة" في خريف عام 2014، في ما قد يكون أو لا يكون حرب حول طرق التهريب المربحة، لكن علوش كان واضحاً في عدم رضاه بقوله: "لا يمكن أن يكون هناك رأسان لنفس الجسد"، بعد التفاف الفصائل الأخرى حوله، أطلق "علوش" حملة على نطاق القطاع في أوائل 2015 والتي أدت إلى وفاة العشرات من مقاتلي "جيش الأمة" واعتقال أكثر من 1300 من أعضائها، حسب إحصائية جيش الإسلام نفسه.

سجوناً خاصة تتبع للقادة في الغوطة

كان تمرد "جيش الأمة" ورفض "جبهة النصرة" مشكلتان من بين مشاكل عدة، من الناحية العملية، كان مجلس القضاء الموحد دائماً ضعيفاً بنيوياً. وهو يواجه صعوبات كبيرة مع جماعات إجرامية مسلحة، وعمليات الحراسة، والتنافس على الدخل من عمليات التهريب. 

وقد احتفظت كل الجماعات العاملة في النظام على السيطرة على أجنحتها المسلحة الخاصة بها، وكانت تحرص كل الحرص على استقلاليتها في المسائل المالية والعسكرية، والعديد من القادة أيضاً يديرون سجوناً خاصة، على الرغم من أنهم جميعاً متفقون على عدم قانونيتها.

 وجيش الإسلام هو الفصيل المتهم في معظم الأحيان بارتكاب هذه الانتهاكات، وقد ادعى العديد من الشهود أن مجموعة تحتجز المعتقلين السياسيين، بما في ذلك العديد من الذين يشتبه بتعاطفهم مع تنظيم الدولة الإسلامية وذلك في مواقع مظلمة سرية في الغوطة الشرقية، دون إعلام أو تدخل مجلس القضاء الموحد. لكن جيش الإسلام ينفي هذا.

القوة المركزية 

وعلى الرغم من هذه المشاكل، مع أنها تعد كبيرة، كان مجلس القضاء الموحد أحد مشاريع الحكم الأكثر نجاحاً في كل الأراضي التي يسيطر عليها الثوار، لقد حافظ المجلس ولمدة سنتين على درجة عالية نسبياً من التنسيق بين الجماعات المسلحة والدينية والسياسية المختلفة، وتوفير الشيء اليسير من القانون والنظام، بل في بعض الأحيان، يسمح للمواطنين العاديين والمنظمات المدنية لرفع قضايا قانونية ضد القادة العسكريين.

 وبالمقارنة مع مناطق صراع أخرى مثل إدلب وحلب، فإن الغوطة الشرقية تبدو إلى حد ما أكثر استقراراً، وهي منظمة تنظيماً جيداً في دفاعاتها العسكرية ولعلها الأكثر تماسكاً في كل سورية، ولولا هذا، فإنه ليس في الإمكان أن تكون هناك أية وسيلة لإبقاء النظام خارج المنطقة، مع الأخذ في عين الاعتبار الأعداد الساحقة من القوات الموالية للنظام في دمشق وما حولها.

طبعاً، كان هذا، ولحد كبير، نتيجة لهيمنة جيش الإسلام، إن معاملة علوش القاسية لجيش الأمة في عام 2015 يجب أن يكون مثالاً بناء لمنتقديه، ولكن حتى أبعد من ذلك، فقد كان قادة الثوار الآخرين يدركون جيداً مخاطر الانقسام الداخلي، حتى إنهم جميعاً تذمروا لتطلعات زهران علوش للهيمنة، ويبدو أنهم على استعداد لقبول الوضع الراهن، لأن علوش أعطى الغوطة الشرقية شيئاً تفتقر إليه كل أراضي الثوار الأخرى تقريباً: "قوة مركزية بلا منازع تنتظم حولها، والتي قللت من خطر الاقتتال الداخلي، وسمحت لمجموعات متفرقة أن تتخذ إجراءات مشتركة في حربهم ضد الأسد".

ما بعد زهران علوش 

في 25 كانون الأول/ديسمبر 2015، قتل زهران علوش في غارة جوية، ونسي الثوار على الفور في مختلف أنحاء سوريا انتقاداتهم السابقة له، وانضموا في جوقة الثناء على الزعيم الشهيد لجيش الإسلام. ولكن هذا السيل الهائل من الحزن والغضب أيضاً بدا مشوباً بالقلق: كيف ستصبح الغوطة الشرقية؟

كان خطر حدوث فراغ في السلطة أمر بديهي، بما أن علوش قد لعب دوراً أساسياً فيما يتعلق بتنظيم جيش الإسلام وهويته من أي وقت مضى منذ إنشائه. ولو انقسمت جماعة جيش الإسلام أو ضعف نفوذها بشكل سريع جداً لتزعزع بسهولة استقرار النظام أحادي القطب في الغوطة الشرقية. ولو أصبحت الفصائل متساوية ومتطابقة، كما هو الأمر في إدلب أو حلب، لأصبحت بكل تأكيد أكثر تنافساً، ولزحف عدم الاستقرار والعنف إلى النظام، والوقت ليس وقت الاقتتال الداخلي، والأسد على الأبواب، وقد انضمت لجانبه روسيا.

أعلن جيش الإسلام بسرعة أن عصام بويضاني سيخلف علوش كقائد عام له، ويبدو أن هذا قد تم التخطيط له مسبقاً، وحدث دون أي سقطات أو انقسامات تنظيمية ملحوظة. في الأشهر القليلة الأولى له كزعيم، كان بويضاني أقل بروزاً بكثير من علوش، ولكن جيش الإسلام تحرك بجرأة إلى الواجهة السياسة الإسلامية السورية، بتأييده ومشاركته في مفاوضات جنيف الثالثة مع نظام الأسد، وقد أدى ذلك إلى خلافات مريرة مع الإسلاميين مثل "جبهة النصرة" وبدأت الجماعات المتنافسة بنشاط ببناء تحالفات بديلة، حتى مع بقاء مجلس القضاء الموحد في مكانه.

لقد خدم الهيكل الحالي الفصائل المتمردة في الغوطة الشرقية بشكل جيد، مع الأخذ بعين الاعتبار وضعهم، ولكن سنرى إذا كان الأمر سيستمر على ما هو عليه، هناك الآن اضطرابات متزايدة في الغوطة الشرقية، بعد سلسلة من الاغتيالات غير المفسرة، فإن بعض أقوى فصائل الغوطة الشرقية يتهم بعضها البعض علناً بالفساد ومؤامرات القتل، لا أحد يبدو حريصاً على أن يقفز في المجهول، ولكن السؤال هو هل يمكن للنظام الذي أسسه زهران علوش أن يستمر دون إصلاحات أو عمليات تنظيف كبيرة؟

التعليقات (2)

    حسين ضرير

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    والله إن النصرة على حق

    ؤلات

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    دكتاوري لم يسثفد
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات