الحكومة السورية المؤقتة في الميزان

الحكومة السورية المؤقتة في الميزان
حلم وجود حكومة تمثل الثورة السورية له معنى كبير في نفوس السوريين، وإن كانت خطوات بروز هذا الحلم إلى الوجود مرتبكة وغير ثابتة، فلا بديل عن تضافر الجهود لإيقاف هذه الحكومة على قدميها كونها حلم السوريين الأحرار وهي حكومة ثورتهم التي قدموا فيها أعظم التضحيات التي عرفها تاريخ البشر وليس من المعقول ألا يستطيع شعب بكل هذه القدرة الأسطورية على الصمود أن ينتج حكومة تمثله وتعبر عن إرادته.

وإن كنا قد ضيعنا فرصة بناء حكومات كفاءات وتكنوقراط من صف الثورة يمكنها قيادة دفة الجسم الإداري للدولة السورية وتحل على رأس هرم هذه المؤسسات بل وأدخلنا هذه التجربة في متاهة الحسابات والتدخلات الحزبية الضيقة والافتراضية، فأنه علينا الوقوف على هذه التجربة بالنقد والتقييم علنا ننقذ ما يمكن إنقاذه وبعد مرور بما يزيد على عامين لابد من إعادة تقييم هذه التجربة وتسليط الضوء على نقاط الخلل واقتراح الحلول.

أهم نقاط الخلل الحكومي:

1- لم تبدأ الحكومة بتحديد المرجعية القانونية والتنظيمية لعملها ومن ذلك تبني مرجعية قوانين الدولة السورية حتى تنتزع اعتبارها استمرار لها بل طال الجدل والتخبط في مجال اعتبار القوانين الإدارية السورية سارية المفعول.

2- لم تبدأ الحكومة السورية المؤقتة عملها بتحديد نموذج دور الدولة الذي ستتبناه وترسم سياساتها بعد اعتماده، فخطت خطوات في سياسة دور الدولة التشغيلي فمولت مشاريع ودعمت مالياً في قطاعات لم يكن من الممكن الاستمرار فيها وحاولت المساهمة دون رؤية وتقديرات علمية في مجالات الإغاثي والمالي مما رتب أعباء كبيرة على الميزانية التشغيلية، في الوقت الذي توجد فيه على الساحة منظمات كبرى تقوم بهذه الأدوار كان يمكن أن نكون شركائها كجهة  سيادية متجاهلة أو غير مدركة أن دور الدولة التنظيمي هو فقط الممكن والمجدي والذي يمكن الحكومة المؤقتة من توجيه الموارد باتجاه بناء الأثر السيادي والشراكة مع المجتمع الدولي والمانحين فتكون الراعية والمنظمة خاصة في ظل غياب الموارد (الإيرادات) الذاتية، فلم يكن ثمة وجاهة لإعادة اختراع الدولاب وتجربة هذا النمط خاصة وأن بديهيات الاقتصاد الكلي بعد كل التجارب العالمية تثبت أن التشغيل الكامل للموارد القادر عليه فقط هو القطاع الخاص وهو في حالتنا المنظمات والفاعليات الاقتصادية والأهلية الأخرى بينما الذي يحقق التوزيع والتنظيم الأمثل للموارد هو ميدان دور الدول بل أحد مهامها الأساسية.

3- لم تدرك الحكومة أهمية الموارد الذاتية ولم تفعل قطاع الاقتصاد، ولم يكن لديها رؤية لاقتصاد الثورة، فلم تقم بأية خطوات استثمارية تؤمن حد أدنى من الإيرادات للخزينة العامة.  

4- التأخير في استكمال البنية القانونية والتنظيمية. 

5- غابت الخطة الاستراتيجية عن عمل الحكومة وبقي مكتب التخطيط الاستراتيجي بدون فاعلية وبالتالي كانت النتائج تشوهات في كل القطاعات لعدم وجود خطة جامعة مقسمة إلى خطط تفصيلية تحدد الأدوار وآليات التنفيذ، فلم يكن ثمة ما يحدد أن على جهة ما أن تقوم بدور محدد في الخطة أولا تقوم فظهرت الاجتهادات في مشاريع تستهدف استهلاك موازنات الوزارات والهيئات دون رؤية وتكامل ووضوح.

6- بطء عمل مؤسسة مجلس الوزراء وغياب آلية العمل الواضحة والإنتاجية فيه.

7- عدم تحييد الحكومة عن التجاذبات والتوازنات السياسية أثر سلبا على آلية التعيينات والترشيحات وخاصة في المفاصل الحكومية الأكثر أهمية.

8- اعتماد التعيينات من قبل الوزراء مباشرة أدى إلى تشوهات بنوية ذات طابع حزبي ومناطقي وقومي، ويرسخ حالة من الاستئثار بقطاعات معينة، تهدد مبادئ عمل الدولة وسير المرافق العامة خاصة مبدأ العدالة والمساواة أمام المرفق العام، إن وجود هذه الحالة في بداية عمل الحكومة قد يجد من يبرره لكن استمرارها كان له الأثر بالغ السوء على عمل الحكومة. 

9- تأخر إصدار الأنظمة، أدى فيما أدى إلى عدم وجود هياكل إدارية ثابتة وملاكات عددية مدروسة، فازداد عدد موظفي الحكومة في الخارج حتى بلغ ال 500 موظف بتفاوت كبير بين وزارة تجاوزت ال 50 موظف وأخرى لم تتجاوز ال 15 موظف، دون مبررات واضحة، علماً أن كلفة الموظف الواحد في الخارج تشكل كتلة مالية فاعلة في الداخل السوري لو أحسن استخدامها. 

10- غياب ما سبق بداية ، أدى إلى تخبط واضح خاصة في ملف الموازنة التشغيلية وهو واضح للعيان في مسائل مقرات الحكومة ورواتب الموظفين ووسائل النقل والبنية التحتية عموماً ، نجم عن ذلك كله تحول العناوين السابقة إلى ملفات تثار حولها التساؤلات وفي ظل غياب الضوابط لا يمكن أن نتوصل إلى نتائج دقيقة في عدد منها لكن النتيجة الأوضح هي إدارة هذه الملفات بشكل بالغ السوء، أدى ذلك إلى ابتعاد حكومة الثورة شكلاً  وأحياناً مضموناً عن واقع شعبها الذي يعيش في الملاجئ والمخيمات وتحت القصف وفي ظل هذه الكارثة الإنسانية غير المسبوقة، فمظاهر الرفاهية في السيارات الفارهة ذات الأجور العالية والمقرات الباهظة التكاليف والرواتب غير المدروسة ،لعب ذلك كله في اتساع الفجوة بين الحكومة وشعبها . 

11- السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، قاعدة بناء الدول الحديثة ومنطلق مبدأ فصل السلطات، لم يتم إلى الالتفات الى أهميتها بداية من قبل الائتلاف الوطني الذي أنشأ الحكومة فلم يمارس دور السلطة التشريعية ولم توضع آلية للمحاسبة والرقابة والقضاء فبقيت مؤسسة مجلس الوزراء تمارس السلطات التنفيذية وتقر أنظمتها بنفسها ثم أن هيئة الرقابة مرتبطة بها ولا وجود لسلطة قضائية فاكتملت حلقات السطلة المطلقة والنتيجة هي هذه الماثلة بين أيدينا اليوم، ويوم أراد الائتلاف محاسبة الحكومة أقالها في تصويت ذا طابع سياسي واضح.      

الحلول المقترحة

1- التوصية باعتماد المرجعية القانونية للقوانين الإدارية السورية بشكل واضح في كل ما لم يصدر فيه نظام مؤقت من الحكومة السورية المؤقتة.

2- اعتماد نموذج دور الدولة التنظيمي والعمل على بناء الأثر السيادي مما يتيح التدخل في القطاعات المختلفة وفقاً لدور سيادي تنظيمي للأسباب التي تم إيرادها أعلاه، وتخصيص الموارد للنفقات التشغيلية بعد ضبطها ثم أن يكون تمويل المشاريع التي تقدمها الحكومة ضمن رؤية واضحة وخطط متكاملة عن طريق الشركاء ومن ذلك صندوق الائتمان وسواه من الممولين والمانحين.

3- العمل على تأمين موارد ذاتية تمكن الحكومة من تغطية نفقاتها التشغيلية بداية ومن ذلك مشاريع استثمارية والعمل على استلام إدارة المعابر الحدودية ...إلخ. 

4- استكمال البنية القانونية والتنظيمية وتحديد موعد نهائي لإصدار كافة الأنظمة الملحة لعمل الحكومة المؤقتة  وتطبيق الصادر  منها خاصة التي تم الانتهاء من إعدادها بالتعاون بين الحكومة وسكرتاريا مجموعة أصدقاء الشعب السوري اقتراح أن يمنح رئيس الحكومة صلاحيات إصدارها مؤقتاً لأن آلية عمل مجلس الوزراء بطيئة للغاية ريثما يصدرها المجلس بشكلها النهائي، لأن صدورها ناقصة أفضل بكثير من الاستمرار بلا أية أنظمة. 

5- تبني إجراءات توظيف تضمن النزاهة والشفافية والمساواة، ومن ذلك إشراف لجنة مشتركة ثلاثية من الرئاسة والوزارة المعنية والموارد البشرية المركزية على كافة مراحل عملية التوظيف من الإعلان مرورا بقراءة السير الذاتية إلى الاختبارات والمقابلات وحتى إعلان النتائج.  

6- التوصية بضرورة التغيير الوزاري عند تشكيل الحكومة وليس المقصود الأسماء إنما سيطرة الكتل حتى لا تترسخ أية حالة حزبية أو مناطقية .... إلخ. 

7- اعتماد مبدأ الإفصاح والشفافية في كل ما يتعلق بأوضاع الحكومة أمام جمهور السوريين أفرادا وجماعات ومنظمات.

8- على الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أن يباشر في وضع آليات الرقابة السابقة واللاحقة وآليات المحاسبة ومن ذلك اللجان المتخصصة وإنشاء مرجعية تقاضي مناسبة، على ألا يكون ذلك باب لنفقات إضافية غير ضرورية في الانتقال بين مقر الائتلاف ومقر الحكومة والإقامة وسواها.   

مقترحات إعادة الهيكلة في الحكومة السورية المؤقتة

أن أية توجه يمكن تبنيه لمعالجة وضع الحكومة يجب أن ينطلق من الدور المراد لها والرؤية المتصورة لها وضمن المعطيات الحالية يجب أن تستند إعادة الهيكلة إلى ثلاث حقائق لابد من الانطلاق منها في إعادة هيكلة الحكومة المؤقتة شكلا ومضموناً:

1- الحكومة السورية المؤقتة حكومة ثورة تمثل شعباً منكوباً يعيش ربما أكبر كارثة إنسانية عرفها التاريخ.

2- الحكومة السورية المؤقتة بمعايير علم الإدارة مؤسسة من الحجم الصغير والمقصود هنا هو الجزء من الحكومة الموجود في البلد المضيف وعليها أن تعمل وفقاً لهذه الحقيقة.

3- الحكومة السورية المؤقتة موجودة حالياً في بلد مضيف يرتب ذلك آثار سياسية وأمنية كبيرة عليه يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.

 ويرتب على هذه الحقائق في طريقة إدارة الحكومة لنفسها:

1- وجود مركزية في الخدمات الإدارية (الموارد البشرية، الشؤون القانونية الأمن، التقانة، النظافة، .... الخ) وتتفرغ للوزارات لاختصاصاتها الفنية، وهي خلاصة ما بني عليه النظام الداخلي المشترك  الذي تمت صياغته مع الخبراء في مجموعة عمل أصدقاء سورية رغم محاولات حثيثة من قبل أطراف داخل الحكومة بالتأثير على هذه الآلية لأسباب مصلحية فئوية وبذل الجهد في افراغ التوجه من مضمونه.

2- إن العمل وفقاً لهذا الاعتبار يحتم على الحكومة وجودها في مكان واحد ويساهم في حل مشكلة النفقات التشغيلية والبعد الأمني، والمقترح هنا أن تنتقل الحكومة إلى مقر واحد يتكون من بناء رئيس تحيط به كرفانات مؤقتة للوزارات يكون في مكان مناسب يتم اختياره ويمكن أن تقام بجواره أماكن لإقامة عائلات الموظفين.

3- في هذه العملية رسالة سياسية للشعب السوري والعالم بحرص الحكومة على العيش والعمل في ظروف مشابهة لظروف الشعب السوري، يضاف إلى ذلك الابتعاد عن مظاهر الرفاهية من سيارات فارهة واثاث مبالغ فيه وضوابط أخرى للنفقات تتم بناء على تحليل القوائم المالية لأبواب النفقات التشغيلية وتخصيص أماكن لإقامة الموظفين القادمين في مهمات عمل  أو تدريبات وكذلك لأعضاء وموظفي الائتلاف الزائرين، عوضاً عن الفنادق والتكاليف الإضافية وإن كان الوضع الأمثل هو وجود الائتلاف والحكومة في مكان واحد أو بالقرب من بعضهما.

إضافة إلى ماسبق وبرغم كل تقصير الحكومة وضعفها وجفاف مواردها يبقى لها دور حيوي وأن نهايتها مكسب للنظام وضياع لملفات تهم السوريين وأن ضعفها أدى لذهاب ملفات سيادية ذات أهمية وخطورة كبرى لرعاية منظمات أجنبية ومن ذلك ملف الشرطة الحرة والدفاع المدني وسواه وهو وضع خطير سيجر مشاكل مستقبلية كبيرة.

فلابد من استمرار بعض مهام الحكومة مهما كان الثمن والظروف كالتربية والإدارة المحلية والحبوب والصحة وإن كان الأمل هو بقاء الحكومة كاملة بل وتوسعها لتكون حكومة فعلية تتعامل مع كافة الخدمات وتستعيد الملفات السيادية كافة.

وإن لم يكن ذلك ممكناً في ضوء الإمكانيات فلابد من أن يعمل الائتلاف على بقاء واستمرار هذه الخدمات من خلال حكومة مصغرة قرب الشريط الحدودي تزود بمهام واقعية واضحة في ضوء الموارد والأولويات والاستحقاقات وأخطر هذه الاستحقاقات وهو ما لا يحتمل  التأخير بسبب وجود استحقاق المفاوضات وما يجري الحديث عنه من حل سياسي ، ورغم أن حلمنا أن تكون الحكومة السورية المؤقتة بمثابة الرأس الذي يركب على جسم الدولة السورية ، فإن لم يكن ذلك ممكناً على الأقل الاستعداد للمشاركة في إدارة مؤسسات الدولة من خلال هيئة الحكم الانتقالي  وهو استحقاق يحتاج جهد واستعداد كبير للأسف لم يعطه أحد أذنا ولا اهتمام. 

وتبقى مسؤولية البحث عن موارد لحكومة الثورة هو دأب جميع الأطراف لأنها مشروع الجميع وتصب في مصلحة الجميع كما يفترض وبالمقابل تطبق هذه الحكومة مبدأ الشفافية والرقابة والمسائلة لتبنى جسور الثقة وهذا أيضاً مسؤولية الائتلاف الراعي للحكومة.

*سمير عليوي

أمين المعهد الوطني للإدارة العامة ina سابقاً

التعليقات (1)

    حسين العبدالله

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    اخي العزيز هل سيتم محاسبة من كان سببا في فشل الحكومة ومن مارس الفاسد والإفساد في حكومة الثورة. ام ان الموضوع انتهى والى اللقاءفي الحلقة الاولى من الجزء الثاني
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات