إبادة الأرمن.. سلاح متجدد ضدّ تركيا

إبادة الأرمن.. سلاح متجدد ضدّ تركيا
وافق البرلمان الألماني في 2 حزيران 2016 على مشروع قانون رمزي يعترف بما جرى للأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، ويصف فيه ممارسات العثمانيين ضدّ الأرمن " بالإبادة الجماعية".

القرار بلا شك أثار استياء تركيا والتي أبدت امتعاضها من قرار البرلمان الأوربي، وقامت باستدعاء سفيرها من برلين وفق ما صرح به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فيما اعتبر رئيس الوزاراء التركي القرار بأنه خطأ تاريخي.

قرار البرلمان الألماني يضاف إلى موقف مماثل اتخذته أكثر من عشرين دولة ومنظمة على رأسها فرنسا وروسيا تبنت من خلاله في فترات مختلفة الرواية الأرمنية التي تضغط باتجاه استصدار موقف دولي موحد حول اعتبار ما حدث قبل مئة عام مذبحة وإبادة قام بها الأتراك ضدّهم، وبذلك تركيا ملزمة بالاعتذار والتعويض عنها.

 وكل ذلك بلا شك يشكل ضغطاً على تركيا التي تتعرض لضغوط مختلفة على الصعيدين العسكري والسياسي، ولا شك بأن العلاقة مع أوربا وأمريكا يشوبها اليوم الكثير من الشك والفتور، فضلاً عن العلاقة السيئة مع روسيا بعد قيام تركيا بإسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر 2015م.

ولا ننسى أيضاً عن سوء العلاقة بين تركيا وبين حلفاء النظام السوري، الذين يتهمون تركيا بدعم معارضي الأسد، الأمر الذي دفع هؤلاء بدعم منظمة حزب العمال الكردستاني و تشجيع انتشارها وتسليحها وتدريبها في سورية واستخدامها بشكل مزدوج ( ضد معارضي الأسد في سورية وضد تركيا)، الأمر الذي يفسر أيضاً أنهيار الهدنة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني الذي بات يثير الفوضى في المدن التركية مما أشعل معارك عنيفة في العديد من المناطق التركية خلفت ضحايا وجرحى مدنيين.

"مذبحة الأرمن" وتضارب الروايات

لا شك بأن الأرمن تعرضوا لمذابح رهيبة في أعوام 1895، 1909، 1915، لكن تعبير مذبحة الأرمن اليوم يشير إلى أحداث وقعت في نيسان 1915، حيث يتخذ الأرمن من يوم 24 نيسان 1915م يوماً لأحياء هذه الذكرى، وقد قام النظام السوري بعد قيام الثورة الشعبية ضدّه عام 2011 بإحياء هذه المناسبة في إطار دعايته الإعلامية بوصفه حامياً للأقليات، وفي إطار ضغط إعلامي أيضاً يتم ممارسته ضدّ تركيا.

تتحدث الرواية الأرمنية عن مليون ونصف المليون أرمني ذهب ضحية مذبحة قام بها الأتراك، فيما تقول الرواية التركية بأن أعداد من قضى في الأرمن جراء المعارك بينهم وبين الأتراك أو جراء الجوع والعطش بعد قرار الأتراك نقلهم باتجاه الولايات العربي كان يقدر بنحو 200-300 ألف نسمة ومثل هذا العدد سقط من الأتراك ايضاً على يد الأرمن.

وإذا علمنا بأن مجموع الأرمن في جميع أنحاء الأمبراطورية العثمانية وقبل نشوء دولة أرمينية كان نحو مليون ونصف، فأن الرواية الأرمنية مبالغ فيها إلى حد كبير، وعلى أي حال من طبيعة البشر أن يحاول كل طرف أن يبالغ في معاناته وينسى معاناة الآخرين، وهكذا لا يمكن لنا أن نعرف على وجه الدقة الأرقام الحقيقة لمن راح ضحية تلك الأحداث الدموية، وبطبيعة الحال لا يمكن أن نستسيغ أي مبرر لقتل رجل واحد، فما بالنا ونحن نتحدث عن آلاف من الأطفال والنساء وربما مئات الآلاف!

مذابح بين فريقين وأزدواجية المعايير!

لكي ننظر إلى الأمور برؤية شاملة و تجنب الخطأ الذي يمكن أن يحدث إذا نظرنا إلى الصورة بشكل (مجتزأ)، فأننا يجب أن نوضح بأن طبيعة المعارك والفتن التي كانت تحدث في تلك الحقب كانت تتخذ طابعاً " دينياً" أو مذهبياً، وهذا كان ديدن البشر آنذاك في جميع بقاع العالم، ولا تزال آثاره باقية إلى هذا اليوم في كثير من بقاع العام (أفريقيا الوسطى، بورما، بعض الدول العربية التي باتت ساحة للمرتزقة الوافدين ومعظمهم يعملون لصالح النظام السوري).

الأرمن ونتيجة للحنق الذي كان يشعرون به اتجاه جيرانهم المسلمين في مناطق تواجدهم في الدولة العثمانية ( الأتراك ، الأكراد) وبشكل اساسي بعد أحداث 1895م، 1909م، فأن هواهم اتجه نحو الروس الذين كانوا يستدرون عواطفهم الدينية طيلة 7 عقود، فعندما اندلعت الحرب بين الروس والاتراك عام 1914 وجد الروس دعماً منقطع النظير من الأرمن ، واستطاعات تشكيلات من المتطوعين الأرمن التغلغل في الأناضول، وأخذوا يخربون القرى ويقتلون سكانها وينسفون الجسور وسكك الحديد وخطوط التلغراف.

في 20 نسيان 1915 ( قبل تاريخ المذبحة بأربعة أيام) سيطر نحو 2500 مقاتل أرمني على بلدة ( وان) وأسسوا فيها حكومة أرمنية مؤقتة، وفي ذات الوقت أخذ الجنود الأرمن الفارين من الخدمة في الجيش العثماني تأليف عصابات مسلحة وعاثوا فساداً على حد تعبير (علي الوردي) في نواحي ديار بكر وسيواس ومرعش وقره حصار،ويصف المؤرخ محمد أمين بأن الجيوش التركية اصبحت بين نارين، نيران الجيوش الروسية من الأمام، ونار العصابات الأرمنية التي أخذت تهاجمهم من الخلف.

 كما نقل مؤرخين آخرين وضباط عثمانيين في مذكراتهم عن فظائع تقشعر لها الأبدان تم ارتكابها بحق الاتراك والاكراد في ولايات طرابزون وارضرووم و وان وبتليس بإيدي الأرمن عندما زحف الجيش الروسي على تلك الولايات.

كان هذا النشاط الأرمني الذي اعتبره الأتراك معادياً سبباً في أن يأخذ رجال الدولة التركية وعلى رأسهم طلعت باشا ( وزير الداخلية) قراراً بالتخلص من الأرمن ، فنوقشت في 11 حزيران 1915 مسألة ابعاد الأرمن وتقرر سوقهم إلى كل من ولايات الموصل وسورية وإلى لواء دير الزور، وقد أشار فائز غصين الذي نشر كتابه سنة 1917 عن مذابح الأرمن إلى هذا القرار ونقله كاملاً، وكان القرار يتضمن تعهد الدولة بتوفير كل أسباب الراحة والأمان في نقل هؤلاء إلى مناطق أبعادهم الجديدة إلى أن تضع الحرب أوزارها.

إلى أن الواقع بأن تنفيذ القرار عملياً حمل مآسي كبيرة للأرمن، حيث كان معظم من تم سوقهم من النساء والأطفال ممن لقي الكثير منهم حتفهم في تلك الرحلة، ولم يسلموا من الاعتداءات وقطاع الطرق، وبالمقابل كانت هناك آلاف الأيادي التي امتدت إليهم لمساعدتهم في البادية وفي طريق مسيرتهم ، والاكثر من ذلك أن كثير من الولاة والموظفين والولاة والسكان أيضاً بذلوا جهوداً لتخفيف وطأة الكارثة عن الأرمن وحمايتهم، وكثير منهم أستقال من منصبه احتجاجاً سوقهم ومآسيهم، ومنهم ثابت بك السويدي فائمقام البشيري التابع لولاية ديار بكر وهو بغدادي الاصل.

إذن بالعودة إلى الأحداث التي حدثت آنذاك، فأننا سنجد أنفسنا أمام فظائع أرتكبت من فريقين، يلقي كل منهما اللوم على الآخر، وأنا لا أشك بأن ما تعرض له الأرمن فظيعاً، وبالمقابل فأن ما قام به الأرمن أيضاً كان فظيعاً آنذاك. فالمذابح كانت متبادلة، ومن هنا يجب أن تكون إدانتها ايضاً والتنديد بها على قدم المساواة من الرفض والتشنيع، وربما غير خافٍ على أحد بأن الحرب التي قامت بين دول الحلفاء ( الاوربيين) وبين الاتراك كان لها الدور الأكبر في إبراز مأساة وقعت على فريق وتناست أو أغفلت أو صمتت عن المآسي التي تعرض لها الفريق الآخر. وهكذا كان استغلال المآسي البشرية في السياسة التي تستخدم هذه المآسي لأغراض سياسية كيفما شاءت.

يذكرني هذا كله على سبيل المثال بالمآسي التي تعرض لها اليزيديون أثر هجوم داعش على مناطقهم، ومارافقه من تهويل إعلامي حول الموضوع وأقيمت لذلك ندوات واثير الرأي العام العالمي، واستأسد الخطاب الغربي في محاولة تصوير الموضوع على أنه اضطهاد للأقلية على يد "الأكثرية المسلمة" ، ويتناسى كل هؤلاء بأن داعش هي "الأقلية" التي تم استخدامها تحت شعارات دينينة وقتلت من الأكثرية في سورية والعراق مئات أضعاف ما سقط على يديها من الأقليات الدينية الأخرى.

 وكذلك فعل نظام الأسد في قتله ابناء الشعب السوري حتى باتت أعداد الضحايا على يديه تقترب اليوم من نصف مليون إنسان دون وازع من ضمير يندد بهذه المجازر التي تحدث ولا تزال مستمرة اليوم بحق أبناء الشعب السوري والعراقي أمام جميع برلمانات الدول العالمية " الديمقراطية".

التعليقات (9)

    free lebanese

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    تركيا قتلت ما يقدر ب ٨٠٠ الف الى ١،٥ مليون ارمني و غيرهم من المسيحيين و العرب و ذلك حسب تقارير موثوقة من قادة عسكريين و دبلوماسيين المان الى حكومة المانية القيصرية حليفة تركيا. هذه التقارير يمكن قرآتها في ال شتاتس ببليوتاك في برلين. لكن السؤال الكبير ليس عن، هل ارتكبت تركيا مذبحة جماعية بحق الارمن؟ نعم حقيقة لا احد يستطيع ان ينكرها او ان يبررها. و لكن لماذا يُطرح هذا السؤال الان و في ظل هذه الظروف السائدة في المنطقة؟

    سعد

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    يجب على السوريين أن ينتظروا أيضاً مئة سنة حتى يُعترفَ بإبادتهم، والله المستعان

    واحد منصف

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    مقال منحاز ومجحف يساوي بين الضحية والجلاد. يا كاتب المقال، هل الدول التي اعترفت بإبادة الأرمن على يد الأتراك كلها تكذب وتركيا فقط هي التي تقول الصدق؟ بعدين من أين أتيت بالمعلومات المغلوطة في مقالك، أليست كلها من مصادر تركية؟ لماذا لم تأخذ وجهة نظر الضحية، أي الأرمن، بعين الاعتبار؟ بالأمس أباد الأتراك العثمانيون الأرمن ووقف العالم مكتوف الأيدي متفرجا على الإبادة واليوم بشار الأسد يبيد الشعب السوري والعالم يقف متفرجا أيضا... فلو نال المجرم جزاءه في الماضي لما تجرأ مجرم اليوم على ارتكاب جريمته.

    الى مهند الكاطع

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    احتمال انو هاي اول مرة يكون كلامك 70 بالمية مظبوط و انو الارمن كمان كانوا ارتكبوا جرائم بحق الاخرين و لا استبعد هذه الافعال الشنيعة اثناء الحروب. بس وين كانوا الارمن قبل ما يدخل الروس الى ارارات؟

    محمد علي الحلبي

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    ع الأقل خلو اشوية مصداقية في مقالاتكن. انتو عمتحكو متل إردوغان كأنكن ممثله الشخصي وهاد بيضر بسمعتكن ومصداقيتكن كجهاز إعلامي.

    الهرمزان الصفوي

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    الاكثر غرابة ان يتنطح الالمان لادانة ما حدث وهم حلفاء العثمانيين في تلك الحرب والانكى ان الالمان و بعد ثلاثين سنة ارتكبوا مجازر و افتعلوا حربا هي الاكثر كلفة بشرية و ذات الدافع الاكثر خساسة و هي تفوق العرق الاري و التي كلفت باقل التقديرات اربعين مليون انسان وي يشجبون و يطلببون بالعدالة

    محمد علي الحلبي

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    لا حياة لمن تنادي انتو صم بكم عمي فهم لا يفقهووووووووووووووووووون

    ابو محمد

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    مقال لا يحمل اي انصاف ومقيت جدا لدرجة ان تساوي بين الجلاد الي هم الاتراك وبين الصحية .كان تساوي بين الشعب السوري والمجرم بشار . كل هذا الدفاع نابع من حقد الكاتب ع الكورد .طبعا لا يستطيع الكاتب التخلص من الكراهية والحقد ع ال ب ي د الجناح الكردستاني الموجود في سوريا .بس بدي ذكر كاتبنا العظيم بمجار الاتراك بحق شعوب المنطقة كاملة وليس الارمن .ربما حن كاتبنا الىالخازوق العثماني .

    يوسف

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    عدد سكان الأرمن في الدولة العثمانية قبل الحرب العالمية تقارب 3 مليون نسمة.
9

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات