ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان العالم بمجمله في مواجهة حركات ثورية تمتد من أميركا اللاتينية إلى أوروبا إلى الشرق الأوسط إلى آسيا والولايات المتحدة الأميركية، حركات ثورية كان اليسار والمفاهيم الاشتراكية والإنسانية والمساواة ورفض الهيمنة الاستعمارية هي ديدنها والحبل السري الذي ينظم حركتها، فمن حركة الفهود السود في الولايات المتحدة، إلى بادر ماينهوف في ألمانيا، إلى الألوية الحمراء في ايطاليا والجيش الاحمر الياباني ومنظمة التحرير الفلسطينية، إلى حركة التحرير في الكونغو وجنوب إفريقيا وجيش التحرير الإيرلندي. كل ذلك بالتعاون مع الثورات الحمراء في أميركا اللاتينية مع تشي جيفارا في الأرجنتين وتشيلي وكوبا وبوليفيا والأكوادور وكولومبيا.. الخ.. كانت هذه الحركات تستقطب الشباب الحالم، الرافض لكل هيمنة وظلم الطامح الى تحقيق عالم عادل خال من أي هيمنة وظلم واستعباد.. فكان هناك على سبيل المثال شباب يابانيون يأتون من اليابان ليقاتلوا مع منظمة التحرير الفلسطينية ضد الإحتلال الإسرائيلي لمدنهم مثل كوزو أوكوموتو علماً أن بلدهم لم يعاني من أية تداعيات للقضية الفلسطينية، ولكن إيمانهم بتحقيق العدالة الأممية هو همهم وشاغلهم.. وكذا الحال من بلدان كثيرة كانت تعيش بعيداً عن الصراعات الدولية، من أرمن وفنزوليين وأميركان وأفارقة..
وبطبيعة الحال كان النظام العالمي حينها يصنف كل تلك الحركات بالإرهابية وقامت الولايات المتحدة والغرب بملاحقة تلك الحركات كتنظيمات وحسابات بنكية وأفراد بشكل كبير أنهاها بشكل كامل مع بزوغ تسعينيات القرن الماضي، حيث كان العالم يتجهز لبدعة جديدة من الإرهاب لكنه هذه المرة تحت مسمى آخر هو (القاعدة).
في الستينيات بزغ نجم كاسيوس كلاي وهو أحد الأميركيين من أصل إفريقي ممن امتهنوا رياضة الملاكمة كأحد عمالقة الملاكمة في تاريخ لعبة الملاكمة العالمية، محققاً إنجازات كبيرة لافتاً أنظار الشباب في العالم... في ذلك الوقت الذي كان اليسار والفكر الإشتراكي يلهب عقول الشباب عبر المواجهات المفتوحة بين الحركات الثورية والغرب، قرر كاسيوس كلاي الذي كان قد أصبح أحد رموز الرفض والتمرد في العالم، اعتناق الاسلام عوضاً عن الانخراط في الحراك اليساري الذي كان في صعود صاروخي، ففي ذلك الوقت كانت صورة الإسلام في الغرب كما كان يجسدها العشرات من الفلاسفة والدعاة هي رسالة سلام وتقارب وحرية، فكان مالكولم إكس المعروف باسم مالك شباز في الولايات المتحدة، وكان روجيه جارودي في فرنسا، كان اعتناق الإسلام أحد وسائل الرفض للعالم الغربي وخصوصاً من أبناء الأقليات من الأميركيين من أصل إفريقي مثل أسطورة الجاز أحمد جمال وأسطورة كرة السلة كريم عبد الجبار وكثير غيرهم ممن قرروا إنكار فكرة الاستعمار والعبودية التي فرضها عليهم الغرب عبر استقدام الملايين من أفريقيا بالسفن للعمل في المملكة المتحدة وأميركا وأوروبا بشكل عام.
وعليه استبدل كاسيوس كلاي بطل الملاكمة العالمي اسمه الذي فرضه عليه تجار العبودية كما قال حينها، بالاسم الذي سيصبح أحد أشهر رموز الرياضة ومعاداة الكولونيالية في العالم (محمد علي كلاي)..واستقبلته جميع الأنظمة التي تسمي نفسها تقدمية بحفاوة كبيرة ، استقبله عبد الناصر و كاسترو والصين و ليبيا و جنوب افريقيا و السودان والكونغو وفييتنام و عموم أميركا اللاتينية التي رأت فيه صوتاً متمرداً صارخاً بوجه الامبريالية ،رافضاً للحروب العبثية التي تقودها الولايات المتحدة في العالم دونما سبب وعليه فهو رفض التجنيد الاجباري في فييتنام فاحدث ثورة في نفوس الشباب في العالم .
حينها لم تكن الإسلاموفوبيا موجودة ومكرسة في العالم، ولم تكن القاعدة وداعش وزميلاتها قد بدأت بالحلول مكان الاتحاد السوفييتي كعدو مفترض ومكرس من الغرب يجب على العالم أن يتحد كي يقهره..
بل كان الأمر ليبدو كخيار شخصي، وحق فردي في المعتقد.
رويداً رويداً بدأت حركات اليسار بالانحسار بالتزامن مع الصعود الصاروخي لحركات التشدد الإسلامي التي ظهرت بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان، وظهور فكرة الجهاد بفهمها المتعارف عليه حالياً.
لقد تغيرت وبشكل جذري صورة الإسلام في السنوات الخمسين الماضية، أي منذ اعتناق محمد علي كلاي للإسلام، واستبدلت بفوبيا مخيفة بعد التفجيرات التي حصلت في أوروبا والعالم مؤخراً، وأبلغ تجلي لهذه الفوبيا هو الصعود الكبير للتيار اليميني في أميركا متجسداً بدونالد ترمب وتصريحاته العنصرية تجاه الإسلام وكل المهاجرين في العالم..
لقد رفض كلا الانخراط في العمل اليساري رغم صعوده حينها ، وفضل التحول الى الاسلام من أجل العمل السلمي والسعي للحرية والانعتاق .
فما الذي كان ليفعله محمد علي كلاي لو أنه قرر أن يعبر عن رفضه للمجتمع في أيامنا هذه ، هي صورة الاسلام الذي اختطفه الاسلام السياسي معلناً عصر داعش العربي وداعش ترامب في الغرب..
التعليقات (2)