روسيا وحلف الممانعة

روسيا وحلف الممانعة
من غير واضح للمراقب العادي سبب إندفاع روسيا المميت في تبني ما يسمى حلف المقاومة الذي يصرح بأن أحد أهم أسباب تشكله هو في واقع مقاومة الإحتلال الصهيوني للأراضي العربية، وفي التمني هو( إزالة الكيان الصهيوني من الوجود ) حسب تعابيرهم وأدبيات المقاومة وتفريعاتها المسماة (الممانعة).

على الرغم من أن  نحت مصطلح الممانعة يعد من أغرب المصطلحات المركبة للتكيف مع واقع التعامل مع إسرائيل مترافقاً مع الرغبة بعدم الإعتراف بها، وهذا بالتحديد هو جوهر تركيب هذا الحلف الذي يؤمن بوجود دولة إسرائيل ويؤمن بدورها وتأثيرها القوي على مصادر القرار العالمي وبقوة تأثيرها العسكري والاستخباراتي والأمني وبالتالي يدرك هذا المعسكر فكرة عدم القدرة على تجاوز الدور الإسرائيلي في المنطقة والاقليم نهائياً.

من هنا يأتي الدور الروسي المتوج لحلف المقاومة والراعي له في المحافل الدولية، ليرتقي مؤخراً فيما يسمى بالحرب على الإرهاب في اجتماع ثلاثي على مستوى وزراء الدفاع ضم وزراء دفاع ايران وسوريا وروسيا وغالباً كان المنسق العسكري لحزب الله حاضراً خلف الكاميرات وحتماً كان العنوان الأبرز لهذه الإجتماعات هو مكافحة الإرهاب في الدول التي ثار الشعب فيها على حكام حلف الممانعة والمقاومة، ولكن السؤال الأبرز والأغرب في هذه الحالة هو كيف يمكن أن يكون الجميع في خندق واحد ضد عدو اكتشف الجميع ومنذ الفترة الأولى من الثورة السورية أنه يتخندق مع هؤلاء في نفس الخندق، حيث يبدو الخندق المقابل فارغاً تماماً إلا من فزاعات الوهم التي يزرعها إعلام المقاومة ليل نهار، حين اكتشف الجميع أيضاً أن هذا الخندق المقابل لا يوجد فيه سوى شعوب هذه المنطقة التي يسعى الجميع إلى إخضاعها وتجهيزها لقبول قرن جديد يخلف المائة عام التي هندسها اتفاق سايكس بيكو.

ولكن كيف إستطاع فلاديمير بوتين إقناع أطراف حلف الممانعة بواقع علاقته المتميزة مع إسرائيل، أو كيف استطاع رؤوس حلف الممانعة تبرير الموقف الروسي من إسرائيل أمام جمهورهم وحاضنتهم الشعبية .. فإن تناسوا فكرة أن الاتحاد السوفييتي كان أول دولة في العالم اعترفت بتأسيس دولة إسرائيل فكيف لهم ان يتغاضوا عن فجاجة ورمزية فعل إهداء بوتين لنتنياهو تلك الدبابة الإسرائيلية التي اغتنمها الجيش السوري من إسرائيل غداة حرب لبنان، حيث تبدو تلك الدبابة إحدى الغنائم القليلة التي تم اقتناصها من ذاكرة تلك الحرب في الثمانينات، فكيف خرجت هذه الدبابة من دمشق ووصلت الى موسكو ومن ثم عادت الى تل أبيب حيث إحتفى بها أهالي الجنود القتلى الذين قضوا فيها في ذلك اليوم من تلك الحرب، وهل من المتوقع أن تكمل روسيا تصفية وتصفير المسائل العالقة بين سوريا وإسرائيل منذ عقود فتعيد الى اسرائيل جثمان ايليا كوهين الجاسوس الإسرائيلي الذي أعدمته السلطات السورية في الستينات، وظلت تل أبيب تطالب عبر وسطاء السلام بإعادة رفاته بالتزامن مع الحديث عن أية مفاوضات سلام بين الدولتين .

كل ذلك يبدو مزاحاً حينما تستعد روسيا وإسرائيل للبدء بمناورات  جوية وبحرية عسكرية مشتركة لأول مرة بين تاريخ البلدين، لاسيما أن القطعات الإسرائيلية ستتحرك من حيفا بينما القطعات الروسية ستتخذ من قاعدة حميميم ومطار حماة منطلقاً لإنطلاق قاذفاتها وسفنها، حيث يبدو حلف الممانعة متفرجاً أبلهاً أمام ما يحدث، فمن الممكن أن يكون الجنود المساعدون لتجهيز الطيران الروسي المشارك في المناورات سوريون أو لبنانيون يقومون بتعبئة خزانات الوقود أو تذخير الطيران والبحرية ،كي تنطلق تلك القطعات لتشارك في التدريب مع الاسرائيليين.

وهل تلعب روسيا دور الراعي الطيب الذي يعيد القطيع الضال المزعوم الى حظيرة السلام مع إسرائيل، أم أن اللعبة وصلت إلى مرحلة البطاقات المفتوحة واللعب على المكشوف حيث تقاسم الأدوار بين أمريكا وروسيا في لعبة الشرطي الجيد والشرطي السيء بينما النتيجة واحدة في الوصول الى شرق اوسط جديد كما وعدت به كوندوليزا رايس.

روسيا في المحصلة تقوم بلعب دور الطابور الخامس من داخل معسكر المقاومة الذي يريد أن يفتح عبر علاقته بالروس طريقاً للعودة من مأزق الحائط المسدود الذي جروا إليه دولهم، أو ربما هي الحركة الأخيرة لهذه الكذبة الطويلة المسماة بالمقاومة ، فحينما تبدو كلمة المقاومة معهم متسخة ، تصبح بالنسبة للشعب السوري خياراً وحيداً للخلاص من الكذب و الرياء والاستبداد والقمع مجتمعين.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات