اعتصام دمشق .. هل تغير النظام؟

اعتصام دمشق .. هل تغير النظام؟
جرى صباح الأحد الماضي اعتصام وسط دمشق في شارع الصالحية أمام بوابة مجلس الشعب، وذلك احتجاجاً على قرارات حكومة النظام التي رفعت بموجبها أسعار المشتقات النفطية بشكل جنوني مساء الخميس الفائت، ما اثأر حفيظة وغضب المواطنين ، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، بعد أن دفعتهم سياسة النظام وحربه من حافة الجوع إلى قاعه.

وشارك في الاعتصام المذكور العشرات من المواطنين بحسب بعض الأنباء الواردة،

أما بحسب مجد نيازي إحدى الداعيات إلى الاعتصام فإن الجمهور المشارك وصل إلى أربعمئة شخص، نصفهم من "الشباب الطيبة" بحسب تعبيرها الوارد في صفحتها الشخصية في الفيسبوك، وهو غمز لطيف يشير إلى التواجد الأمني المكثف الذي يوازي عدد الحضور، بينما قدر زميلها جعفر مشهدية، وهو أحد الداعين للاعتصام أيضا ،" أن عدد المشاركين لم يتجاوز المائة" فيما قال شاهد عيان:" إنهم كانوا بحدود الثلاثين شخصا".

عموماً لا تأتي أهمية الحدث من عدد المشاركين فيه، بل من طبيعته وحدوثه، ومن منحاه الإجرائي، فالاعتصام  في قلب دمشق يوحي وكأن "دمشق الحالية " بوابة الحرية والديمقراطية، فيها يمارس الناس حرياتهم السياسية والتعبيرية بأرقى أشكالها، ماحياً من الأذهان عملية القمع الوحشي الذي مارسته السلطة في وجه المطالبين بالحرية، وكان ثمنه حتى الآن أكثر من نصف مليون شهيد، بالإضافة إلى مئات ألوف المعتقلين والمغيبين والمفقودين عدا عن كل الدمار الحاصل.

هكذا يوحي الأمر، وكأن الاعتصام أمر اعتيادي يمكن أن يجري بسلاسة دون عنف أو إراقة دماء، فقط عليك ألا تنسى التشديد على السلمية، كما ورد في نص الدعوة المذكور"اعتصام سلمي تنديداً بقرارات الحكومة.. الدعوة إلى اعتصام سلمي.."، يكفي هذا التوضيح !حتى لو لم تحصل على الترخيص المطلوب.

منظمو الاعتصام والداعون إليه

بحسب البيان الوارد على صفحة الاعتصام المنشورة في وسائل التواصل الاجتماعي  تحت عنوان "تفاصيل" فان الداعين له هم مجموعة من الأحزاب الوطنية، ومؤسسات المجتمع المدني، لكنه لا يحدد من هي تلك الأحزاب ولا من هي مؤسسات المجتمع المدني المشاركة فيه، بل ويتبرأ منها ضمناً بالقول  في ختامه موضحاً "أن الدعوة ليست لطرف ما، وليست محسوبة على طرف محدد، هي محسوبة شخصياً على من يشارك فيها"، ليبدو كأنه اعتصام لقيط ،لا أبوة له.

ومع هذا برزت من الأسماء الداعية له أربع شخصيات على رأسها مجد نيازي الممهورة بختم معارضة حميميم، والتي طالما تغنت بالجيش السوري وبواسله وأحذيته، والتي كانت الأمين العام لحزب سوريا الوطن، وهو أحد الأحزاب المصنوعة بعد 2012 بإشراف الأجهزة الأمنية وقانون الأحزاب السيئ الصيت.

وإلى جانبها يظهر اسم فراس نديم الذي يعمل في الحزب الديمقراطي السوري لصاحبه وأمينه العام أحمد كوسا، وهو من إنتاجات أحزاب 2012 أيضا، والمشمولة بالعطف المخابراتي، كما أنه عمل سابقاً في شبكة أخبار حمص الموالية، وذلك بحسب تعريفه لنفسه على صفحته الشخصية.

ويظهر معهما جعفر مشهدية بدون معلومات كافية عنه، ومحمد سليمان الذي يعمل صحفيا لدى موقع المحاور، وريبورتاً لدى سوريان إف إم، وهي معطيات كافية لتحديد هويته وانتمائه.

مطالب المعتصمين وسقوفهم

حرص الاعتصام على التنديد والاستنكار بالقرارات الثلاث، ومطالبة مجلس الشعب بالعمل على ثني الحكومة ودعوتها للعودة عن قرارات رفع السعر، ولعل أبرز المفارقات في الموضوع هي مكان الاعتصام، وتوقيته ففيما هو موجه ضد الحكومة لكنه يتقدم إلى مجلس الشعب الوليد والمأمول منه خيراً من جمهور الموالاة، وذلك قبل أن يستمعوا إلى فرسانهم الذهبيين من ذوي الرؤوس الحامية، ويصابوا بخيبة الأمل الكبرى منهم، لتقول شبكة أخبار مصياف الموالية عنهم: "حالة بعض أعضاء مجلس الشعب ممن كانوا عناترة الفيس كحالة من يتابع بشغف صيد الأفاعي على ناشيونال جيوغرافيك ..وفجأة بتطلع بوشو حية..يا عمي النظري غير العملي".

وفي المقابل جرى تكاذب متبادل بين مجد نيازي، وجريدة الوطن الموالية، والمملوكة لرامي مخلوف، حول صدقية استدعاء المجلس لثلاثة من المعتصمين لسماع آرائهم، وهذا ما نفته مجد نيازي موضحة أن مدير عام المجلس هو الذي استقبلهم في مكتبه أثناء انعقاد الجلسة، ولم يدخلوا تحت قبة البرلمان.

وكانت جريدة الوطن قد شنت عليهم حملة شديدة ، وسخرت منهم قائلة:"إن الاعتصام اقتصر على التقاط صور السيلفي بعيداً عن هدفهم الأساسي" كما ذكرت الجريدة أن معظم المتواجدين في صور الاعتصام هم خليط من أصحاب المحلات والفضوليين من المارة.

وكان قد سرى كلام  حول لا دستورية القرارات بوصفها صادرة عن حكومة تصريف أعمال، وقد جاء هذا الكلام على لسان بعض أعضاء مجلس الشعب الجدد كعارف الطويل ونبيل صالح، وكان رهان المعتصمين على دورهما، إلا أنهم جوبهوا بأن المحكمة الدستورية هي المخولة ببحث القضايا الدستورية، وليس مجلس الشعب، وأن أقصى ما يمكن للمجلس أن يفعله هو" الاستماع للحكومة لا استجوابها" بحسب نبيل صالح.

واقتصر المأمول والأهداف الأخيرة للاعتصام والمعتصمين  باعتبار وقفتهم نوعاً من الموقف لا بد منه حسب مجد نيازي:" انأ نازلة لو لحالي، ع الاقل بكون ما قبلت بالاجحاف، على الاقل بيني وبين ولادي بكون أحدت موقف وقلت لاء"، بالطبع هذه اللاء للغلاء، وليس للكرامة أو الحرية.

سيناريو متخيل

يقول البعض رغم هشاشة الاعتصام إلا أن النظام يدرك بعمق مدى خطورة رفع الأسعار على الشرائح الاجتماعية، وقد يتراجع قليلا عن نسبة من الزيادة لا كلها، لينتقل الحديث تالياً، من رفع حكومته للأسعار إلى تخفيضها، فيما لو تم عاملاً على تبريد الاحتقان من جهة، وعلى إعطاء دفع معنوي لفكرة تفعيل مجلس الشعب ودوره الشكلي، وتصوير الأمر وكأنه ممارسة ديمقراطية موحياص بوجود المؤسسات كما يدعي،  واستقلالها عن بعضها البعض، ولا سيما في هذا التوقيت.

وفي إشارة لهذا الاحتمال، يقول وزير النفط في حكومة النظام:" في حال انخفاض اسعار النفط عالمياً سيتم خفض أسعار المحروقات، وإعادة النظر بها من جديد" .

عموماً، من الصعب عملياً في سوريا  أن نتخيل هؤلاء الأربعة وقد تحركوا من تلقاء أنفسهم دون خيوط تحركهم من الخلف بحكم خلفياتهم وتاريخهم، وسواء حصل ذلك أم لا، فان النظام وجد في حركتهم نوعا من التنفيس لما جرى، وتسويقا داخلياً وخارجياً لبعض مراميه، ولهذا احتفظ بمسافة من الاعتصام، واكتفى بالمراقبة ، وخصوصاً أن المعتصمين لم يتجاوزا العشرات، وهو ما أكده المعتصمون : "بأنهم لم يتعرضوا لأية مضايقة".

اعتصام جرى في دمشق! يبدو خبرا مثيرا، أو حدثا هاما، لكنه ليس كالاعتصامات السابقة، يختلف عنها رغم الإثارة الكامنة في الكلمة،  ولا يكمن سر اختلاف اعتصام الأحد الهزيل عن الاعتصامات السابقة التي استشرس النظام في استئصالها بالقوة والنار، في فارق التوقيت، فالنظام لم يتغير كما أحب أن يوحي البعض بذلك، بل يكمن الاختلاف الأكبر في أن هذا الاعتصام والدعوة له كانتا على خلفية احتجاج على حكومة انتهت صلاحيتها، وهو أمر دأب النظام وموالوه على إطلاق التهم للحكومات في أواخرها، ليبدو تغييرها وكأنه استجابة لهذا التوجه، ولكن الاختلاف الأبرز يكمن في أن الاعتصامات السابقة التي قُمعت كانت  تستهدف النظام بذاته، لا جهازا حكوميا فيه.

ومع هذا تبدو خطوة الاعتصام ضد الحكومة تقدما نوعيا لجمهور الموالاة، ما كان بوسعهم التفكير فيه لولا فضل الثورة السورية عليهم، لكنه ما يزال الاعتصام الخطأ والعنوان الخطأ، والمنظمون الخطأ، ولعل ابرز ما يحدد دلالياً طبيعة هذا الاعتصام الخطأ هو اللافتة التي حملها احد منظميه بشكل خطأ، وهي مقلوبة رأسا على عقب.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات