السوريون لا يريدون استبدال الفالج بالسرطان

السوريون لا يريدون استبدال الفالج بالسرطان
من أخطر وأخبث الألاعيب التي يمارسها أعداء الثورات والشعوب العربية في الداخل والخارج لعبة وضع الشعوب بين خيارين أحلاهما مر لإعادتها إلى زريبة الطاعة وحرمانها من قطف ثمار ثوراتها وانتفاضاتها. وقد ظهرت هذه اللعبة القذرة واضحة للعيان في سوريا مثلاً بعد أشهر قليلة على اندلاع الثورة. والكل يلعب هذه اللعبة على المكشوف، ففي سوريا بدأ النظام باستخدام ورقة التكفيريين والإرهابيين والمتطرفين ضد الشعب السوري منذ الأيام الأولى للثورة. وقد سمعنا مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان ترفع ورقة الإرهاب والتطرف والطائفية في وجه السوريين منذ الأيام الأولى للثورة، مع العلم أن الثورة السورية ظلت شعبية مدنية نظيفة لشهور وشهور قبل أن تأخذ طابعاً دينياً وطائفياً متطرفاً بتحريض من النظام. ولا شك أن النظام كان يحضّر لاستخدام ورقة التطرف والإرهاب ضد السوريين منذ عقود، فهو خبير في تصنيع الجماعات التكفيرية والإرهابية وتحضيرها للوقت المناسب كي يضع السوريين، إذا انتفضوا ضده، بين خيارين: إما أنا أو المتطرفون. وقد نجح النظام فعلاً في استخدام هذه الورقة القذرة، بحيث بات كثير من السوريين يرددون المثل الشعبي: "خليك على قردك أحسن ما يجيك أقرد منو".

وقد أدى المتطرفون دورهم على أكمل وجه لتحسين صورة النظام السوري وأمثاله في أعين الداخل والخارج على حد سواء، بحيث بات كثيرون في الداخل والخارج يفضلون النظام على داعش وأخواتها، على اعتبار أن النظام يقتل، لكنه لا يتدخل على الأقل في الحريات الشخصية البسيطة للناس، كما يفعل داعش وأمثاله. ولو كانت الجماعات المتطرفة فعلاً ليست متآمرة على ثورات الشعوب، لجاءت بمشروع أفضل وأكثر رقياً من مشروع الطواغيت، لكنها عمداً وكي تلمع صورة الطغاة، جاءت بمشاريع ظلامية لتقول للشعوب: من الأفضل أن تعودوا إلى حكم كفلائنا الجنرالات.

وحتى في الغرب الذي اتخذ إجراءات صارمة ضد النظام السوري في بداية الثورة، باتت أصوات عديدة تطالب بالتصالح مع النظام ودعمه في وجه داعش وغيرها. لا بل إن البيت الأبيض قالها علناً: من الأفضل للمدن السورية التي يسيطر عليها داعش أن تكون في يد النظام بدل أن تبقى في يد المتطرفين.

وبغض النظر عما إذا كانت الجماعات الإسلامية المتطرفة حركات ثورية حقيقية ضد الطغيان وليست صنيعة أحد أم لا لتنفير الشعوب من الثورات، إلا أنها، شاءت أم أبت، قد لعبت دوراً تنفيرياً تخريبياً واضحاً في ترجيح الكفة لصالح الطغاة الذين ثارت عليهم الشعوب بسبب تصرفاتها التي جعلت حتى طاغية الشام يبدو في عيون الداخل والخارج خياراً أفضل للداخل والخارج. لا شك أن من حق الشعوب أن تقولها بالفم الملآن: "نحن لم نثر كي نعود إلى غياهب القرون الوسطى، فالثورة قفزة إلى الأمام، وليس نكوصاً إلى الماضي. نحن ثرنا بالدرجة الأولى من أجل الحرية، فكيف نسمح لجماعات متطرفة أن تدوس أبسط حرياتنا الشخصية، فما بالك بحرياتنا السياسية". لكن في الوقت نفسه على الشعوب أن تكون واعية للمخطط الذي يستهدف ثوراتها داخلياً وخارجياً. من حق الشعوب بكل تأكيد أن ترفض الجماعات التكفيرية المتطرفة حتى لو قاتلت الأنظمة الطاغوتية بشراسة، وحتى لو كانت فعلاً ضد الطواغيت. لكن ما الفائدة أن تنتصر هذه الجماعات على الجنرالات في بلدان الربيع العربي، لكن ليس لتحرير الشعوب من ربقتهم وطغيانهم، بل كي تحل محلهم، وتمارس سياسات وتصرفات أبشع من تصرفات القتلة والمجرمين من الحكام الساقطين والمتساقطين.

وعلى النخب والحركات الشعبية المدنية أن تكون واعية جداً، وتحسب الأمور بمنطق، فكلنا يعلم أن القوى المتحكمة بالعالم لا يمكن أن تسمح بوصول حركات متطرفة إلى السلطة ولا حتى إسلامية معتدلة، وبالتالي فإن كل من يؤيد تلك الحركات، فهو بالضرورة كمن يطلق النار على قدميه، لأن العالم سيقف ضده، وسيحول بلاده، إن أصرت على التمسك بحركات متطرفة، إلى أفغانستان أخرى، أو في أحسن الأحوال إلى دول فاشلة كالصومال وغيرها، ويبقيها خارج المنظومة الدولية. ولا شك أن الشعوب العربية المسحوقة تريد أن تنخرط في الحضارة الحديثة بأشكالها السياسية والمدنية والاقتصادية والديمقراطية، لأنها الخيار الذي يفضله غالبية سكان المعمورة.

ولا ننسى أن الغرب الجبار لم يسمح بوصول زعيم متطرف سياسياً إلى سدة الحكم في النمسا ألا وهو يورغ هايدر، فما بالك أن يسمح بوصول حركات جهادية إلى السلطة في منطقة استراتيجية كالشرق الأوسط. لقد لاحظنا أن الغرب ضغط على النمسا كي تطيح بهايدر رغم فوزه بالانتخابات بغالبية الأصوات، مع ذلك تمت إزاحته من السلطة، وقضى في حادث سير لاحقاً. السياسة ليست فن العنتريات والمواجهات الدائمة، بل فن الممكن. والممكن الوحيد أن ننخرط في العالم ونتفاعل معه سياسياً واقتصادياً وديمقراطياً، ونخضع لشروطه ومتطلباته كما تفعل غالبية دول المعمورة التي قبلت باللعبة الديمقراطية وأشكال الحكم الحديثة.

وبناء على ذلك، يجب على الشعوب العربية التي وضعوها بين خيارين أحلاهما مر أن ترفض الخيارين، فالشعوب لم تثر أصلاً على داعش ومثيلاتها، بل ثارت في البداية على الأنظمة الطاغوتية، فلماذا يخيرونها الآن بين داعش والنظام الديكتاتوري، كما هو الحال في سوريا؟ لا شك أن هناك خياراً ثالثاً غير النظام والجماعات المتطرفة على الشعوب أن تطالب به وتتبناه، ألا وهو الخيار الديمقراطي الحديث. يجب على الشعوب أن تقولها بصوت عال: نحن لم نثر كي نستبدل الفالج بالسرطان.

التعليقات (18)

    عمر السوري

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    كلا المرضين قاتل فل نمت بشرف وراء تحقيق مطالبنا .

    كما تولو يولى عليكم

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    من مصلحة الدول الغربية ان تنقلنا من تخلف الى اخر و من غير صالحها ان نتطور لذلك كل قيادة متطورة و منفتحة تحارب من قبل الغرب ابتداء من ماليزيا و انتهاء بتركيا و لاحقا بالامارات العربية المتحدة لان الغرب يريد لنا التخلف من اجل مصالحه و اثبات تفوقه علينا و يختار لنا قيادات متخلفة و يدعمها ابتداء من الدكتاتوريات السابقة و انتهاءا بالدواعش و الملالي

    خالدي هاجر

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    و فيلم الجزائر (اما العيش بسلام مشوه مسستتر أو الارهاب) يعاد في معظم البلدان العربية فحسبنا الله و نعم الوكيل

    mohamed rouge

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    انت في الصحافة انزع للك القبعة لكن في المواقف الله لا ربحك

    ابو عبيده

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    لا نريد دواعش او طواغيت لكن هناك حركات اسلاميه ضحت بالغالي والنفيس لكي تنتصر على الطواغيت واعوانهم والعالم كله وقف ضدهم إلا ما رحم ربي ولذلك لن ينظر إلى رأيهم في حال انتصرت الثوره بإذن الله وستعمل على إرضاء الله وأن تتقيه في شعوبها

    غازي حمدو من محافضة الرقة

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    الدكتور الاعلامي الفذ فيصل القاسم ! بربك هذا مقال يليق بالاسم المذكور اعلاه يعني انا من الاشخاص اللي تكن لك احترام عضيم انت واراأك وطروحاتك ومقارناتك بس بعد هالمقال صدقني تندمت يعني معقول شخص مثل فيصل القاسم يتغابى لهالدرجة شي مضحك صراحة

    غازي حمدو من محافضة الرقة

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    الدكتور الاعلامي الفذ فيصل القاسم ! بربك هذا مقال يليق بالاسم المذكور اعلاه يعني انا من الاشخاص اللي تكن لك احترام عضيم انت واراأك وطروحاتك ومقارناتك بس بعد هالمقال صدقني تندمت يعني معقول شخص مثل فيصل القاسم يتغابى لهالدرجة شي مضحك صراحة

    محمد يس

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    داعش صناعة الطاغوت يسهل حكم الشعوب بالجهل و الاعلام القذر و قلة الخيارات و التي يكون جميعها مر لذلك على الشعب السوري أن يحدد هو إختياره و لا يسمح لغيره لوضع الاختيارات و يوجه العوام من قبل النخبة المثقفة التي تحمل هم الوطن و ليس النخبة التي كانت تبيت تحت أسرة الطغاة و تعمل من نفسها سجادة مسح الأحذية عند أبوابهم

    منصف غديرة

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    ثورات الشعوب العربية انطلقت من تونس. ثار الشعب التونسي ضد نظام لم يححق له آماله في العيش الكريم. دخلت القوى الغربية على الخط لتوظيف بعض الثورات لخدمة مصالحها. بالنسبة لسوريا وقع تجنيد الدواعش من جميع بلدان العالم لضرب النظام في المرحلة الأولى قم لتقسيم سوريا في مرحلة ثانية. أما الطائفية و العرقية فهذا صناعة الدول الغريبة الاستعمارية لتنفيذ مشاريعها في المنطق بالأيدي العربية. أما إختيار الشعوب لمصيرها فهو أمر معقد لأن ثورة شعبية لا تقوم بالضغط على الزر.

    احمد

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    حكي كتير حلو بس لمين بدو يوصل

    مجنون ومين سامع

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    العالم الثالث والرابع ووو دول غنيه بالاساس ولكن كيف ستسرق اذا لم تكن بلاد متخلفه لذالك الدول العظمى الاستعماريه تضع حكام موالون لها وبذلك تستولي على ثرواتها والا فهم قادرون على اجبار اي حاكم على الحكم بعدل وديموقراطيه اذايا سيد فيصل المشكله طمع وسرقه الم ترى كيف اجبروا البشير على تقسيم السودان وزعوا الفوضى في جنوبه ليسرقوا الزئبق الاحمر والبلوتونيم والالماس من ه ومن افريقيا

    مراقب

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    لقد انقلبت على نفسك ومبادئك في هذا المقال الاسلام الحرية السمو عبادة الله لا عبادة العباد كما الان

    فيصل القاسم اخزاك الله

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    انسان تافه جدا يتحدث وكانه ليس مسلما هذا الشخص شبه كافر

    دكتور....

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    نعم لم تثر الشعوب العربية لتسبدل السرطان(داعش) بالفالج(بشار الأسد) أحسنت ا.فيصل وصدقت ولعل قطاعا كبيرا من الشعوب (فيما أحسب) تعي ذلك الآن. تنويه: الباء في العربية تدخل على المتروك تقول:"اشتروا الضلالة بالهدى" فالمتروك في الآية الهدى والمأخوذ أو المشترى الضلالة لذلك فالصواب أن تقول: لم تثر الشعوب العربية لتسبدل السرطان بالفالج أي لتسبدل داعش ببشار.

    عبد

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    سبحان الله كلما حدث شيئ غير جيد نجعله في رقاب الغرب..بينما الاخ يقتل اخوه العربي او المسلم..ابتداء من صدام وغزوه للكويت وانتهاء..بسورية واليمن..لماذا لا نكون صريحين..لقد اثبتت الوقائع ان العرب ليست امة واحدة وثقافة واحدة..عروبيو الامس يقتلون بعضهم...المسألة واضحة..ثقافة خاطئة..نجم عنها تخطيط خاطئ وضعيف...والنتيجة.الكل في مأزق..الرئيس..والمعارضة..واصبحت البيئة مناسبة..لكل التدخلات..نتيجة الفشل...ثم الدخول في متاهات...التناقضات المذهبية ...التي لا تنتهي الا بقدوم المهدي واي مهدي شيعي ام سني

    ossama nabar

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    كان يغنيك مثلا عن يهايدر الجبهة الا سلا مية في الجزائر عام 1991

    الو

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    يا فيصل القاسم الشعب انتفض على الظلم ومن اجل الحرية واالخلاص من العبودية ولكن لا ترى سوى جماعات اسلامية متطرفة تحتقر الدينقراطية وهنا لا اتحدث عن الهمج الصعاليك الاجرامية ك داعش وانما من تسميهم ب الجيش الحر ظلما وبهتانا ولمجرد انهم يقاتلون النظام لا يعني انهم اصبحوا ثوارا فهدفهم فقد السلطة ولا يؤمنون ب اي قيم الديمقراطية فلا تستغرب من رد فعل المواطن البسيط ولماذا عليه ايضا ان يقبل ب معارضتك فقد للخلاص من النظام ف لا هذا ولا ذاك والحل فقد في الديمقراطية الحقيقية

    عبد القادر بوشارب/الجزائر

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    يا دكتور فيصل وكما تعلم أن الغرب لا يريد للعرب الديموقراطية والحرية وسلطة القرار لأن هذا سوف يضر بمصالحه في المنطقة والتعاملات ستكون الند للند وبالتالي اختار الوقوف مع الديكتاتوريات والفساد حتى يبقينا تحت سيطرته وهيمنته ولهذا دعّم الانقلاب في مصر والإجرام الأسدي في سوريا وغيرهما لأن وكما هو معلوم أن الاستبداد هو الابن والوريث الشرعي للاستدمار في منطقتنا ذهب الاستدمار وجاء الاستبداد والأمة في ظلام في الحالتين خرجنا من نفق ودخلنا في نفق آخر يا الله عجّل بالفرج الأمة على وشك الزوال والفناء.

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات