الثورة المضادة تستكمل مسيرتها

الثورة المضادة تستكمل مسيرتها
تتوارد أنباء متواترة من الدول العربية التي عاشت ثورات انتفضت فيها شعوبها على أنظمة ساهمت بقوة في نهب أموال تلك البلاد وسرقة مقدراتها. أنباء متضاربة ومتفاوتة حول عودة عدد من وجوه تلك الأنظمة إلى الواجهة، للإمساك بزمام الأمور ومواجهة الإرهاب كأولوية، لإعادة ضبط  الأوضاع في تلك البلاد.

آخر تلك الأخبار المفاوضات الجارية في ليبيا بين ثوار الزنتان والحكومة في طرابلس ومحامي سيف الإسلام القذافي من أجل إيجاد صيغة للإفراج عن الأخير، رغم أن محاميه الفرنسي أعلن خبر الإفراج عنه ووجوده في مكان سري خوفاً على حياته، ولكن الأمور تتعقد وتتشابك حينما تدخل القاهرة على خط الوساطة من أجل الإفراج عن سيف الإسلام، بل وحتى اقتراح استضافته في القاهرة من أجل فتح مساحة حرية أكبر له للعمل.. ولكن أي عمل يمكن لسيف الإسلام أن يقوم به لمصلحة ليبيا؟! وما هي الصفقة الكبيرة التي يتحرك في فلكها الجميع، وتفضي في النهاية إلى إعادة ابن العقيد القذافي إلى واجهة العمل السياسي هناك؟ من المؤكد أن حالة فشل الدولة وانقسام السلطة السياسية في ليبيا، أدت بالدول الكبرى إلى الاستعانة بالماضي القمعي القريب في ليبيا من أجل فرض سلطة أمر واقع تطيح بجميع الفرقاء السياسيين هناك، رغم الحديث عن رشاوى بالملايين دفعت لثوار الزنتان من أجل المساهمة في الإفراج عنه، بعد تسليمه إلى المحكمة الدولية.. ولربما سيعود إلى ليبيا قادماً من القاهرة ليعلن تشكيل جهة ما أو مجلس عسكري قبائلي ما، يعيد إلى ليبيا أمناً يفرض بالقوة المفرطة على الأخوة الأعداء.

لا ينتهي الأمر عند حدود ليبيا بل يمتد إلى سوريا، التي يجري الحديث فيها عن تأرجح في الموقف التركي الداعم للثورة حتى النهاية، لا وبل استقبال العماد علي حبيب، أو أي شخصية عسكرية من أولئك الذين انشقوا عن النظام مبكراً، ولم تتلطخ أيديهم بالدماء.. وذلك للسبب نفسه، لإعادة وضبط الشارع المنقسم بحدة في سوريا وعدم السماح للثورة أن تنجز فروضها، أما في مصر، فالحملات الكبيرة المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تتحدث عن الدعوة إلى انتخاب جمال حسني مبارك كرئيس لمصر في الانتخابات المقررة عام 2018!!

إن فشل المؤسسة السياسية التي طرحت نفسها كبديل عن الديكتاتورية، في عموم الدول العربية، إضافة إلى ضعف ثقة المجتمع الدولي بها، من حيث بناء الشراكات المعتدلة داخل بلدانهم من جهة، والأطراف الدولية من جهة أخرى، شجّعت صانع القرار الدولي إلى البحث في دفاتره القديمة عن شركاء جيدين، حتى ولو كانوا منغمسين في الفساد أو الجريمة أو حتى الدم، فالأولوية التي نجحت روسيا في فرضها على العالم حالياً بالقوة، هي مكافحة الإرهاب، ابتداء من سطح الماء، وليس البحث عميقاً في تجفيف منابع هذا الإرهاب الذي تشكّل برعاية القمع والظلم، وكبر ونما وتجذر في ظل الفقر والجهل، ولذلك فإن تلك الدورة ستكتمل قريباً بعودة تلك الوجوه القديمة ولكن بأقنعة جديدة، تلبية لمصالح المجتمع الدولي، دون إعارة أي انتباه لبناء مجتمع مدني جديد يساهم في إنتاج طبقة سياسية منتخبة شعبياً، وغير متعارضة مع القرارات الدولية والقانون الدولي، وملتزمة بشرائع الأمم المتحدة وخصوصاً حقوق الإنسان المفقودة في دول الربيع العربي، وحتماً لن تكون الوجوه القديمة تلك، إلا أداة قمع مرحلية، تزيد من محنة الدول العربية، وتساهم في قمع شعوبها.

إن كلمة الثورة ترعب الجميع، الأنظمة الديكتاتورية جنباً إلى جنب الأنظمة الديمقراطية، فهي تشكل تهديداً وجودياً للأنظمة الديكتاتورية من جهة، وتهدد بفوضويتها، أسس تدفق الأموال نحو العالم الحر من جهة ثانية، وتربك بنيان الترتيبات المتفق عليها، فلا عجب إن علمنا أن أوروبا هاجمت بقدّها وقديدها الثورة الفرنسية ووأدتها، وهذا ما يجري تماماً الآن مع الربيع العربي..

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات