التداعيات السورية للتطبيع التركي الروسي

التداعيات السورية للتطبيع التركي الروسي
كما توقعنا سابقاً حصل التطبيع أو المصالحة بين تركيا وروسيا، وبعد التوافق على التخريجة المناسبة لعودة العلاقات إلى مستواها الطبيعي بين البلدين بدا السؤال مشروعاً عن تداعيات ذلك على الملفات السياسية الساخنة، وتحديداً القضية السورية وموازين القوى فيها.

لا بد من الإشارة إلى أن التطبيع حصل نتيجة حاجات ومصالح مشتركة للبلدين، مثل خروج روسيا من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها، وضمان مكان لها في السوق التركية. كما في توزيع ونقل الغاز إلى أوروبا، خاصة بعد المصالحة التركية الإسرائيلية، والأهم ضمان إلا تنخرط أو تشارك تركيا بقوة في سياسات الناتو الجديدة، أو تعود لممارسة الدور الذي لعبته في الحرب الباردة، والمتعلق بتحجيم وحصار روسيا.

أما تركيا فأرادت أيضاً تحسين أوضاعها الاقتصادية، واستئناف تصدير المواد الغذائية، والخضروات والبضائع الأولية لروسيا، كما استعادة السواح الروس - من 3.5 إلى 4.5 مليون سائح – وضمان تدفق الغاز الروسي إليها بأسعار منخفضة. كما ضمان أن تظل مركز لتوزيع، ونقل الغاز إلى أوروبا، وطمأنة موسكو إلى أنها لن  تمارس سياسة عدائية ضدها لا عسكرياً، ولا اقتصادياً أيضاً.

التخريجة التي تم التوصل إليها تمثلت بتعبير الرئيس أردوغان عن الأسف لإسقاط الطائرة، ومقتل الطيار، ومشاركة عائلة الطيار الأحزان، و لم يتم استخدام كلمة اعتذار، وإنما بدا اللفظ  المستخدم أقرب إلى كلمة لا تواخذونا، وموجهة لعائلة الطيار دون الحديث  طبعاً عن تعويض أو ما شابه. ومن ثم مبادرة الرئيس بوتين للاتصال بالرئيس التركي والاتفاق معه  على تطبيع العلاقات، ورفع العقوبات التي كانت مفروضة من جانب واحد أصلاً، والاتفاق على اللقاء قريباً مع تأكيد على سياسة الفصل بين الملفات بمعنى التأكيد على المصالح المشتركة، وتنظيم الخلافات حول النقاط غير المتفق عليها.

كيف سينعكس ذلك على الملف السوري؟

رغم أن وزير الخارجية الروسي  سيرغى لافروف تحدث عن نقاش حول القضية الأوكرانية والقرم لضمان عدم مشاركة أنقرة في العقوبات، أو الانخراط أكثر في سياسات الناتو  العدائية  تجاه موسكو مع الحفاظ قدر الإمكان على مصالح أهل القرم، وهم من أصول تركية طبعا الا ان الملف السورى سيظل حاضر دائما على اجندة النقاش والخلافات  بين البلدين.

 بالتاكيد يمكن توقع عدم تنفيذ سياسات معادية من قبل الطرفين في سورية، والعبء سيكون ملقى أكثر على روسيا خاصة بعد تدخلها العسكري، والنفوذ السياسي لها على النظام، والبلد بشكل عام  وستكون موسكو مضطرة  مثلا للتوقف عن دعم فكرة  الكيان الكردي ولو سياسياً وإعلامياً كون الدعم الأكبر العسكري واللوجستي للأكراد يأتي أساساً من الولايات المتحدة.

 روسيا ستاخذ بالتأكيد الهواجس التركية بعين الاعتبار فيما يتعلق بالدستور المقترح ، أو أي مشاريع دستورية مماثلة مثل الفيدرالية، قد تفكر بطرحها، وسيكون بالتأكيد نقاش حول هذه الجوانب ضمن القنوات المفتوحة حول سورية والملفات الأخرى محل الخلاف بين البلدين.

 موسكو ستعمل أيضاً على التخفيف قدر الامكان من استهداف الجماعات المقاتلة المقربة أو المدعومة من تركيا أو المناطق التركمانية في ريف اللاذقية، كما التوقف عن دعم فكرة التواصل الجغرافي بين المناطق الكردية شرق وغرب الفرات، أو تأمين التغطية الجوية والدعم اللوجستي لقوات الحماية الشعبية الكردية إذا ما فكرت في التوغل غرب الفرات، وربط المناطق التي تسيطر عليها شرق النهر وغربه.

يمكن توقع ألا تتساوق روسيا مع رغبة النظام في إعادة السيطرة على مدينة حلب، وفتح معركة غير مأمونة العواقب  ستؤدي  حتما إلى تهجير مئات الآلاف من المواطنين السوريين باتجاه الحدود التركية.

سيتم احترام مصالح تركيا فيما يتعلق بالمنطقة الحدودية أو نفوذ المجموعات أو الفصائل الثورية المدعومة من تركيا، خاصة في المناطق الحدودية بمعنى أن الطيران الروسي لن ينفذ غارات جوية في تلك الناطق وسيغض النظر طبعاً عن أي نشاط  عسكرى تركي في تلك المنطقة.

بالتأكيد سيتم التوقف أيضاً عن دعم حزب العمال الكردستاني التركي سياسياً أو إعلامياً أو مواصلة تزويده بأسلحة روسية نوعية مضادة للطيران والدروع سواء مباشرة أو عبر جناحه السوري حزب الاتحاد الديموقراطي وجناحه العسكري قوات الحماية الشعبية، الذي تعتبره أنقرة بمثابة الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه إرهابياً أيضاً.

سيتم العمل طبعا  للتوصل إلى تفاهمات وسياسات مشتركة فيما يتعلق بالنقاط المتفق عليها مثل قتال داعش دون أن يستفيد النظام أو الجماعات الكردية، خاصة في المناطق الحدودية، وسيكون نقاش حل كيفية التعاون في هزيمة داعش، وحل معضلة القوات البرية الأزمة، خاصة في معركة الرقّة الكبرى، وثمة فهم روسي وحتى غربي أن من المستحيل هزيمة داعش دون قوات برية كبرى ودون تعاون وثيق من قبل أنقرة، ودون تفهم مواقفها أو أخذ هواجسها بعين الاعتبار.

ستكون الأجواء مؤاتية ومهيأة أكثر أمام نقاش مفتوح حول التسوية، أو الحلول المناسبة للقضية السورية، وبالتأكيد ستكون مرونة أكثر من الجانبين تفهم أكثر للمصالح الخاصة، مع الثقة التي ستنتج عن عودة العلاقات إلى مستواها خاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي وقطاع الغاز والطاقة تحديداً.

تركيا من جهتها ستتفهم المواقف الروسية فيما يتعلق بالحفاظ على مصالح موسكوفى سورية، وستتوقف طبعاً عن انتقاد السياسة أو الممارسات الروسية أقله فى العلن، سيتم الاكتفاء بالحديث المباشر في الغرف المغلقة، وستتفهم الخطوط أو قواعد اللعب التي تحاول موسكو فرضها لحماية مصالحها، لكن دون النيل من جوهر الحل الذي تدعمه أنقرة والقائم على حل أو بيان جنيف شكلاً ومضموناً.

روسيا تسعى لتقويض أو تحجيم الدور الإيراني قدر الامكان كي تمسك هي وحدها بالورقة السورية من خلال المؤسسسة الرسمية في البلد، وليس الميليشيات والأطر غير النظامية التي ترعاها طهران ومهووسة بها في الحقيقة - فكرة الحشد الشعبي – وهو ما قد تدعمه تركيا، ولكن على قاعدة بيان جنيف أيضاً، حتى لو تأخرت التسوية نوعا ما.

تركيا ستحاول التاقأم طبعاً مع المستجدات والتفاهم أو الهرولة الأمريكية الحالية تجاه روسيا، فيما يتعلق بالملف السوري، وستحاول الحديث مباشرة مع موسكو مع الانتباه إلى أن كلامها عن القبول بالأسد كرئيس بدون صلاحيات لفترة انتقالية محددة – ستة شهور- ليس جديداً، وهو موقف مشترك مع دول الخليج الداعمة للمعارضة السورية، والذي كان بمثابة تنازل لتسهيل الحل السياسي الذي لا تبدو موسكو مستعدة أو بوارد تسهيله وتمريره أمام انتظاراً لتنازلات جديدة من الإدارة الأمريكية أو حتى انتظاراً للإدارة الجديدة بعد الانتخابات القادمة.

ستتأثر العلاقة  المستقبلية بين الطرفين أيضا بمواقف الإدارة الأمريكية الجديدة، وحتى لو تم تلبية الموقف التركي بإقامة مناطق آمنة للاجئين والمعارضة على حد سواء. فإن ثمة فهم تركي بأن الحل السياسى يكون على قاعدة جنيف، وخروج الأسد وأركان نظامه من المشهد مع الحفاظ على إطار هيكل الدولة ومؤسساتها، كما أخذ مصالح الفرقاء الأساسيين بعين الاعتبار بما فيهم روسيا.

عموماً ستحاول تركيا التأقلم مع الواقع الجديد، حيث باتت روسيا اللاعب المركزي بعد تسليم واشنطن والغرب لها، على قاعدة إعطاء الأولوية لقتال داعش، وتأجيل الحسم فيما يخص مصير النظام وستحاول القيادة التركية التفاهم مع موسكو لحفظ مصالحها في عدم قيام كيان كردي، وعدم كسر المعارضة السورية أو تغيير فعلي لموازين القوى على الأرض إلى أن تحين الفرصة للحل للتسوية السياسية، وهو ما لن يحدث بالتأكيد خلال الأسابيع والشهور القادمة أقله إلى الربيع القادم، أي إلى حين ترتيب الإدارة الأمريكية لأوراقها وبلورة سياستها تجاه سورية المنطقة والعالم بشكل عام، بما في ذلك شكل العلاقة مع روسيا.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات