الأنقلاب العسكري الفاشل في تركيا ووسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي

الأنقلاب العسكري الفاشل في تركيا  ووسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي
الأنقلاب العسكري الفاشل في تركيا ووسائل الإعلام والإعلام الأجتماعي

بقلم الصحفي والخبير في الشؤون التركيه

احمد عبدالباري

كلنا تفاجئ بتواجد افراد للجيش مع مدرعاتهم في تمام الساعه التاسعه والنصف من مساء يوم الجمعه المصادف للخامس عشر من شهر تموز على جسر البوسفور باسطنبول ،وماهي الا بعد دقائق حتى بداءت وسائل الإعلام التركيه تخصص بثها بشكل كامل لمجريات الأحداث، التي تدور على الأرض ،كانت الأمور متسارعه جدا ،بعد ذلك بدقائق سمعنا عبر العديد من القنوات انه قد تم وضع رئيس الأركان خلوصي اكار تحت الرهن من قبل الأنقلابيين ،وتم نشر بيان على صفحة رئاسة الأركان التي كانت محتجزه انذاك من قبل الأنقلابيين بان الجيش قد وضع الأحكام العرفيه وان الجيش قد وضع يده على كافة اشكال السلطه والحكم وتم نشر الخبر عبر القناة الحكوميه التركيه تي ار تي ،حيث ان الأنقلابيون بعدما احتجزوا عدة مراكز حكوميه حساسه ،هاجموا مبنى الأذاعه والتلفزيون التركيه واحتجزوا كافة موظفيها ،وارغموا المذيعه على قراءة البيان الصادر منهم ،وكان يبدوا على وجهها الخوف والذعر وهي تلقي البيان.

بعد عدة دقائق ،اخذت وسائل الإعلام التركيه وكافة القنوات التركيه تتخذ موقفا واحدا ،وتحاول التواصل مع الحكومه التركيه كي تفهم منها الخبر ،حيث انها لم تكن مصدقه ما يحدث بعد ،ووقفت وقفة واحدة ضد الأنقلاب العسكري ،كافة وسائل الإعلام اتخذت موقفا واحدا ،المؤيده للحكومه والمعارضه لها ،وما هي بضع دقائق حتى بدأوا يتواصلون مع رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم الذي اكد عبر العديد من القنوات الفضائيه ،ان هؤلاء الأنقلابيون قلة او مجموعه صغيره من الجيش ،وانهم حاولوا الأنقلاب على سدة الحكم ،واننا صامدون وسنقف في وجههم وماهي الا ساعات وسيتم الأنتهاء و القضاء على هذه المحاوله.

وسائل الإعلام بدورها نشرت اخبار مطمئنه للشعب ،وحاولت التوصل الى الحقيقه ،دون ان يكون هناك اي تأييد لها للأنقلابيين ،كان الناس ينتظرون بخوف ،لا يعرفون ماذا يفعلوا ،كانوا يسمعون من هنا وهناك اخبار متوتره دون ان يعرفوا ماذا يحدث بالضبط ،وعلى الرغم من ان القنوات التركيه كانت تحاول طمئنه الشعب من خلال اتصالهم بالمسؤولين ،ليفهموا منهم مجريات الأحداث ،الا ان الكثيرون اصبحوا يشعرون بالذعر ،بعدما سمعوا البيان الصادر على شاشة القناة الحكوميه الثاني ،الذي يدعوا فيها الشعب بالمكوث في منازلهم واعلان حالة الطوارئ ،وان مجلس يدعى مجلس المصالحه الوطنيه قد وضع يده على سدة الحكم ،جراء السياسات المتبعه من قبل الحكومه ،وانهم لن يقوموا بايذاء اي مواطن ،وامرهم بعدم الخروج.

كان الأمر غامضا،كان الذعر منتشرا في كل المنازل التركيه المؤيده للحكومه والمعارضه لها ،إذ ان الشعب التركي باسره لم يكن يريد حكم العسكر ،بل كان الجميع يؤيد الديمقراطيه والحكم الديمقراطي في تركيا ،وما هي الا بضع دقائق من البيان ،حتى سمعنا عبر عدة قنوات ان الرئيس التركي رجب طايب اردوغان سيظهر على الشاشات بعد قليل ،كان الشعب كله بانتظار ظهور اروغان على الشاشة بشغف ،ليشعروا بالطمئنينه نوعا ما ،وما هي الا بضع دقائق ،حتى تم ظهور الرئيس التركي ،عبر تطبيق من جهاز الأيفون وهو يتصل بقناة سي ان ان التركيه وهو يطمئن الشعب ،بان كل شئ تحت السيطره ،وبان هؤلاء سيحاسبون اشد الحساب ،وان محاولتهم هذه ستفشل لا محال . لينقطع الأتصال بعد ذلك .

شعر الشعب بقليل من الطمأنينه ،الا ان جاءت المكالمة الثانيه منه ،ليدعوا فيها الشعب عندا بقرار الأنقلابيين الذين امروا بالمكوث في المنازل ،وقال لهم اريد لكل المواطنين ان يخرجوا من منازلهم ويملئوا الميادين والشوارع ،اطلب من الشعب المدافعه عن مبادئ الديمقراطيه ،ادعوا من الشعب ان يكون يدا واحدا ضد الأنقلاب ،وما هي الا بضع دقائق حتى تعبأت الشواراع ،تصوروا الناس بدأوا يسيرون العديد من الكيلومترات على ارجلهم ليصلوا مطار اتاتورك عندما علموا الرئيس رجب طايب اردوغان هناك ،كانت ليلة كالكابوس يمر بها الشعب التركي ،كانت الطرق كلها مغلقة مما اضطر الجميع بالتجمع في الشوارع والسير على ارجلهم من الساعه الحاديه عشر ليلا ويستمروا حتى بزوغ شمس يوم جديد ،كان الشعب مصرا ،بعدم انجاح الأنقلاب ،وكانت لوسائل الإعلام دورا كبيرا لتحشيد الشعب ،وكانت المكالمة التي اجراها الرئيس اردوغان عبر احد وسائل التواصل الأجتماعي دورا كبيرا في جمع الناس بهذه السرعه.

فلو قمنا بمقارنة الأنقلابات الأخرى التي جرت في تركيا ،فسوف نرى ،ان في تلك الفترة لم تكن هناك قنوات كثيره ،ممكن ان ترينا الحقائق ،حيث انه لم يكن سوى قناة حكوميه فقط ،ليقوم العسكر بالسيطره عليها وبالتالي استطاعوا ان يخوفوا الشعب من خلالها ،ولم تكن هناك وسائل التواصل الأجتماعي كما هي في يومنا هذا ليستطع بها للرئيس التواصل مع شعبه ،ففي كل الأنقلابات العسكريه التي حدثت في تركيا سواء كانت في انقلاب الستينات او السبعينات او انقلاب الثمانينات ،اتخذت نفس الخطوات التي قام بها الأنقلابيون هذه المرة ايضا سيطروا على المراكز الحكوميه الحساسه ،والقنوات الحكوميه وبثوا من خلالها بياناتهم ،تماما ما حدث في هذا الأنقلاب الفاشل ،ولكن الشئ الذي اختلف هذه المره وجود اعلام تركي قوي مع الشعب ،وزيادة وعي الشعب التركي وثقته بنفسه ،ووجود وسائل بديله يستطيع بها الرئيس مخاطبة شعبه من خلالها.

فمسيرة الشعب كانت عارمة ،لم يستطع الجيش المدجج بالسلاح بالوقوف بوجه السيل العارم من الشعب الذي وقف بوجه الرصاص بصدور عاريه ليقوم فئات من الشعب بنزع الأسلحه من ايدي افراد الجيش التابعين للأنقلابيين ،وتسليمهم لأفراد الشرطه ،كانوا قدنزعوهم اسلحتهم حتى قبل حضور افراد الشرطه ،لكن الأنقلابيون لم يكونوا يودون الأستسلام بهذه السهوله، فقد كانوا قد استولوا على بلدية اسطنبول وعندما تقدم الشعب نحوهم مع رجال الشرطه بداوا باطلاق وابل من الرصاص استشهد فيها العديد من افراد الشعب ورجال الشرطه وقاموا بقصف مبنى البرلمان ،الأمر الذي لم يحدث حتى في الحروب التي خاضتها تركيا ضد اعدائها ،وهذا ما جعل الشعب يغضب اكثر ويعرف ان هؤلاء مجموعه خونه ،حيث كيف يمكن لجيش يقوم بقصف البرلمان التركي الذي يمثل ارادة الشعب والسياسة التركيه ،فزاد الأنقلابيون توحشا واستولوا على قناة سي ان ان التي بثت منها مكالمة اردوغان ،وبدأ الطيران الحربي يخترق مجال الصوت في كل من اسطنبول وانقرا ليخوف الشعب ،لجعلهم يعودون الى منازلهم ،ولكن الأعلام كان قويا في زرع الشجاعه في قلب الشعب ومكالمة اردوغان زادتهم حماسا وزادت ارادة الشعب ليتوجهوا الى مكان حدوث اشتباكات عند بلدية اسطنبول الكبرى وينقذوا الجرحي ويهجموا بصدور عاريه على الأنقلابيين مع افراد الجيش ،وانطلقوا فوق جسر البوسفور باعداد هائله ،ولعل من اكثر الصور المؤثره هي تلك الصوره التي قام فيها احد المواطنين الأتراك المحتجين ضد الأنقلاب يرمي نفسه تحت عجلات الدبابه ويفضل ان تدوسه على ان ينجح ما يسعون اليه ،لقد سطر الشعب التركي ملاحم البطوله ،لقد خرجوا تحت اصوات الطائرات الحربيه التي كانت قد انطلقت من قاعدة اكنجي وقاعدة انجيرليك ،ولدى خروج الناس بهذه الكثافة قرروا تخويفهم واعادتهم الى منازلهم من خلال اختراقها لمجال الصوت وتحليقها بمسافات قريبه من فوق المنازل وميدان تقسيم  في اسطنبول تعرض لعدة هجمات وتم اطلاق النار من عدة محاور على الشعب من فوق جسر البوسفور وميدان تقسيم ومنطقة القاتح باسطنبول المنطقة التي كانت من اكثر المناطق دمويه ،اما انقرا فكانت تشهد حالة حرب حقيقيه فقد قصف البرلمان والأركان وكانت هناك اشتباكات كبيره في قاعدة اكنجي التي كان الأنقلابيون يقودون منها العمليه ،وحدثت اشتباكات عند مؤسسه القمر الصناعي التركي الذي تم السيطرة عليه من قبل الأنقلابيين وايقاف بث بعض القنوات منه ،لكن الشعب لم يخف وتوجهوا بالمئات لتحرير القناة الحكوميه من هؤلاء الأنقلابيين وفعلا نجحوا .وظهرت بعدها المذيعه التي تعرضت للتهديد وطاقم العمل لتقرأ ذاك البيان المشؤوم تحت قوة السلاح وقالت انهم قاموا بربط كل الطاقم واجبرونا على فعل ما يريدون.

لقد كان الأعلام التركي بالفعل اعلاما شجاعا دافع عن الوطن وساهم في توعية الناس ،فلو لم يكن الناس خرجوا للشوارع لما كان المجندين الصغار وبعض عناصر الجيش عرفوا ان هذا انقلاب على السلطه وضد مصلحة الشعب ،حيث انهم تلقوا اوامر بذلك على اساس انها مناورات عسكريه ،وفهم الجميع الأمر عندما تلقوا تعليمات باطلاق النار على الشعب ،وهذا ما ادى الى جعل عدد كبير من العناصر بالتخلي عن اسلحتهم والأستسلام للشرطه والقوات الخاصه .

طبعا هذا لا يعني انه كانت هناك بعض الأنتقادات واعداء اردوغان في تركيا من الذين يدعمون حزب العمال الكردستاني ان ينشروا معلومات على وسائل التواصل الأجتماعي يقولون فيها ،ان كل هذه الأمور هي عباره عن تمثيلية قام بها اردوغان ،ليقوي موقفه ويأخذ تأييد الجميع ويقضي على معارضيه في الجيش ومعارضيه السياسيين وبالتالي تحقيق ما يسعى اليه في تطبيق النظام الرئاسي .فردا على هذا الكلام نقول لو كان هذا الكلام صحيحا ،الن يخاف اردوغان على نفسه ،بعد القاء القبض على كل هؤلاء الضباط ان يشوا به وخصوصا ان المعارضه السياسيه تنتظر خطاء بسيط منه ،قد يقول البعض ردا على تعليقي هذا بأن اردوغان سيقوم باسكاتهم حيث ان كل الأمن والجيش و السلطه بقت بيده ولن يظهر الحقيقه امام الشعب ،لأتي وارد عليهم مرة اخرى ،الم تسمعوا بأن ثمانيه من الضباط هربوا عبر طائرة مروحيه الى اليونان وتم القاء القبض عليهم وطلبت تركيا اعادتهم وهم طلبوا اللجوء السياسي والقت القوات اليونانيه القبض عليهم وتحقق معهم بهذا الخصوص ،فلنفرض ان الذين القي عليهم القبض في تركيا ،سيتم كتم صوتهم ،فماذا عن الذين القي القبض عليهم في اليونان هل الشرطه اليونانيه والحكومه اليونانيه ايضا متآمره مع اردوغان ،فلو كان هذا صحيحا لفضح امره ،ولأعترف الضباط الهاربين للشرطه اليونانيه ولم تكن اليونان تنتظر دقيقه واحده الا وفضحت هذا الخبر،ثم هل يعقل احد يقوم بتمثيليه يطالب الناس الذين امرهم بذلك بقصف مكان اقامته و الهجوم على طائرته وقتل بعض الرجال الذين كانوا مكلفين بحمايته .

هذا بالنسبة للأعلام في تركيا وما تم تواردها على وسائل التواصل الأجتماعي ،اما في العالم فقد اتخذت منحا اخر ،وخصوصا في الدول التي مازلت القوى الديكتاتوريه تسيطر فيها على الدوله ،حيث انه ومنذ الساعات الأولى من حدوث الأنقلاب ،عملت القنوات السوريه المؤيده للأسد تغطيه خاصه وقامت بنقل احداث منافية للحقيقه كعادتها ،فقدت نشرت اخبار ولقد سقط الديكتاتور التركي حسب قلولهم، وبدأ جنود الأسد ومؤيديهم يرقصون ويطلقون النيران احتفالا بالأنقلاب العسكري، وسقوط اردوغان، واستعجلوا في نقل الأخبار كعادتهم ،بل وعندما سمعوا الناس يخرجون للشوارع بهذه الكثافة، قاموا بعرض بعض هذه الصور قائلين ،ان الناس يتوافدون على الأفران خوفا من الأحداث الداميه التي قد تحدث جراء اشتباكات مؤيدي اردوغان مع الجيش الوطني حسب رأيهم .

اما القنوات ووسائل الأعلام المصريه المؤيده للسيسي ،فلم ترى هذا انقلابا ابدا ،بل قالت انها مقاومه شعبيه ضد اردوغان ،وقامت هذه القنوات كغيرها من القنوات العربيه المواليه للغرب مثل سكاي نيوز عربيه وقناة العربيه وغيرها من القنوات بنشر عاجل يقولون فيها ،ان اردوغان يطالب اللجوء الى المانيا والسلطه الألمانيه رفضت طلبه.

التعليقات (2)

    احمد نجاتي

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    اويد ماقلته لكن الملعوبه الانقلابيه حبكها اوردغان مع المخابرات بصوره غير مباشر ه سر لايعلمه الا ألله ورأس المخابرات

    نور محمد

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    اريد الجهاد في سبيل الله
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات