ديمقراطية على سطح القمر

ديمقراطية على سطح القمر
يتعلّق الناس غالباً بالقوّة المادية المجرّدة ظنّاً منهم أنّها الوسيلة الوحيدة للوصول لمآربهم، وفي مفهوم الانقلابات فإنّ هذه القوّة تتلخّص في القوة العسكرية، ويغفلون عن قوّة الكلمة والإعلام النزيه، وقوة الحقّ وأهله عندما يجأرون.

كلّ هذا، بدا جلياً ليلة أمس الجمعة التي كانت حاسمة وحافلة بالأحداث، حيث لعب الإعلام الدور المحوري في المعركة التي حصلت بين الشعب والانقلابيين.

بعد ارتباك خبر المحاولة الإنقلابية، خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مكالمة شجاعة يدعو الشعب العظيم للنزول إلى الميادين لتلقين المتمرّدين الدرس اللازم، وكان له ما أراد.

هذه الرسالة، لعبت دوراً أساسياً في رفع المعنويات كثيراً بوجود القيادة التي يمكن الالتفاف حولها، والانقلابيون الذي أدركوا أنّ الرئيس ما يزال يدير البلاد.

نزل الشعب بقوّة لأنّ حزب العدالة والتنمية قدّم الكثير لهذا البلد، ولأنّ –أردوغان- يمثّل حقّ هذا الشعب الذي انتخبه، لذا فإن هذا الشعب حمل على مسؤولياته الدفاع عن هذا الحق.

كان الانقلاب يحتاج لكي ينجح إلى دعم مختلف مكونات القوات المسلّحة التركية، فرغم مشاركة العديد من القطعات العسكرية إلا أنّها بالمجمل تمثل أقلية في كيان هذا الجيش، ناهيك عن رفض القيادات العليا في مفاصل المؤسسة العسكرية لهذا الانقلاب،  حيث أنّ رئيس الأركان الجنرال –خلوصي آكار- لم يشارك في هذا الانقلاب، إضافة إلى قائد الجيش الأول وقائد القوات البحرية وقائد القوات الخاصة ورئيس الإستخبارات وقوى الامن والشرطة.

كما لم يحظ هذا التمرّد بالدعم السياسي، حيث وقف حزبا الشعب العلماني والحزب القومي التركي، خلف الحكومة التركية، رافضين الرجوع للحق الزمنية السابقة والتي عانت فيها تركيا من هذه الانقلابات.

أسباب فشل هذا الانقلاب تتمحور في عدة نقاط:

1- إخلاص الحاكم لشعبه ولوطنه ولدينه ولأمته.

2- شعب عظيم واعي، ذاق طعم الحرية والعزة والكرامة.

3- أجهزة أمنية مخلصة للشرعية والديمقراطية.

4- إعلام رسمي نجح في فرض سلطته والقيام بدوره خير قيام، فكان صوت الحق والشرعية، ولم يكن بوق باطل ولا خيانة.

5- فشل بدعوات أحباب تركيا والشعب التركي، وصلواتهم وابتهالاتهم التي برزت في الشعارات التي كانوا يرددونها في الشوارع "يا الله، بسم الله، الله أكبر "

6- فشل لأن الجوامع وروّادها نصروا المظلوم على الظالم، بتكبيرات الحق، ولأنّ الله لا يُصلح المفسدين.

بعد الآن، ستشهد تركيا تغييراً دراماتيكياً في سياساتها الداخلية والخارجية، وتنظيفاً لمفاصل الدولة العسكرية منها أو الحكومية من أنصار تلك الحركة التي تشير أصابع الإتهام للكيان الموازي برئاسة –فتح الله غولن-

ذلك الداعية الصوفي الذي توشح عباءته في أميركا ونال مباركة أوروبا لسنين طويلة.

في النهاية، كانت تركيا محطّ أنظار الجميع خلال اليومين الماضيين، فالجميع باختلاف رؤيتهم وأمنياتهم لنتيحة هذه الأحداث، قد أوصلوا الليل بالنهار لتسارع الأحداث في الشارع التركي وعلى وسائل الإعلام.

ما حدث في تركيا، يُعتبر درساً لجميع دول وشعوب العالم في الدفاع عن الديمقراطية وحب الوطن والولاء للحق والذود عنه، ويظنّ البعض، أنَّ هذه الأحداث ما كانت لتكون في هذا العالم المليء بالنزاعات والحروب، وربّما كانت على سطح القمر ....

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات