الثورة الديمقراطية وثمار الربيع التركي

الثورة الديمقراطية وثمار الربيع التركي
يمكن القول بداية أن ما حدث في تركيا هو ثورة امتلكت معظم عناصر انطلاقتها بجدارة وأهمها الحاضنة الشعبية والتوافق على الأفكار والأهداف فيما كانت أسبابها المباشرة "هي انقلاب بعض عناصر الجيش بشكل عنفي وبقوة السلاح "على الشعب المتمثل بحكومة انتخبها ديمقراطيا. 

هي ثورة ديمقراطية في التوصيف السياسي خصوصا أن من قام بها هم غالبية الشعب من منتمين لحزب العدالة والتنمية ذا الاغلبية البرلمانية ومن المؤيدين والمنتمين للأحزاب الرئيسية الكبرى المعارضة للحكومة ما يجعلها انجاز تاريخي ومكسب حضاري للعرب والمسلمين المتطلعين للحرية والديموقراطية وسيكون لها  تأثيرات مديدة وفاعلة داخليا وخارجيا مثل جميع الثورات الكبرى التي اندلعت في دول عديدة في العالم .

الثورة: تعميق للديمقراطية والنمو الاقتصادي والازدهار 

داخليا تكون تركيا قد عمقت بشكل لا رجعة فيه الديمقراطية التي كانت خلال بضعة ساعات في خطر انهائها على أيدي العسكر وتكرار تجربة إفشال الديمقراطية التركية الأولى التي وقعت في العام 1961 حيث اطاح العسكر بحكومة رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا عدنان مندريس وإعدامه مع وزيري المالية والخارجية  وتكون قد أضعفت إلى حد كبير النزعة القومية العنصرية المتشددة في المجتمع التركي مع إضعاف دور العسكر الداعم لها في الحياة السياسية بل ابتعاده تماما عنها 

وأيضا تكون تركيا قد انتقلت بشكل سريع وجذري من الدول التي يتغير فيها الحكم بين ليلة وضحاها بفعل قوة العسكر الانقلابية إلى مصاف الدول الديمقراطية بعد انجاز ثورتها سيما وأن حكومة العدالة والتنمية قد وضعت الأسس الاقتصادية خلال السنوات العشر الأخيرة لتطور المجتمع التركي وحققت معدلات نمو كبرى فيه باتت فخرا للشعوب العربية والإسلامية التي لطالما يلصق بها تهم التخلف والهمجية بالإضافة إلى الإرهاب.

كذلك سيكون للثورة التركية التي قامت دفاعا عن الديمقراطية وليس عن زعامة أو شخص حقق بجدارة ونزاهة وشجاعة سياسية وأخلاقية ما لم يستطع اي نظام حكم شمولي أو أن يحققه على مدى عشرات السنين بدليل عدم وجود صور أشخاص في المظاهرات بل أعلام الوطن وهذا يعطيها قوة استراتيجية أساسها أن الشعب التركي لن يتخلى عن الديمقراطية التي عاش في ظلها خلال السنوات العشر الماضية تحقق خلالها فهم عميق للديمقراطية بوصفها الطريق ليس نحو الحرية والكرامة فحسب بل نحو حياة كريمة بلقمة العيش الكريم 

انتصار الديمقراطية في تركيا أيضا انعكس ايجابيا على أوضاع ثلاثة ملايين سوري يعيشون فيها على الأقل بإزالة القلق الذي تحمله العسكرتاريا المناوئة لسياسة الرئيس أردوغان التي عنوانها " انتم المهاجرون ونحن الأنصار " والخوف على احتمال مواجهة الطرد من البلاد وحتى الضغط على المعارضين وربما تسليمهم للنظام خاصة مع الدعوات التي سبقت الانقلاب على خلفية تصريحات أرودغان بتجنيس السوريين والتي تتهمهم باستنزاف الإقتصاد التركي .

الثورة وجهت ضربة قاسية للأنظمة الإستبدادية في المنطقة

خارجيا .. انتصار الديمقراطية التركية وجه ضربة شديدة للأنظمة العسكرية المستبدة ومنها النظام السوري والنظام المصري اللذان يجمعها رفض الديمقراطية وكراهية تركيا الديمقراطية الداعمة لثورات الشعوب العربية كما لم اسرائيل لم تكن مرتاحة من فشل الإقلاب وهي التي يريحها وجود أنظمة استبدادية في المنطقة تخضع لإملاءات أميركا إضافة إلى أنها لطالما اشتكت من دعم تركيا المستمر للشعب الفلسطيني وخاصة في غزة وبرز ذلك من خلال تغطية وسائل الإعلام الإسرائيلية التي اتسمت بنبرة تعكس خيبة أمل عميقة، لما آلت إليه المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا.وكذلك لم تكن إيران وروسيا سعيدتان بانتصار الديمقراطية فهما تبتلعان العلاقات السياسية من زاوية الإقتصاد الذي تمسك به تركيا بنجاح مذهل 

يظهر مدى تأثير الحدث التركي "الثورة " على  دول وشعوب المنطقة بارزا ولافتا من خلال الحشد الإعلامي الكبير الذي وظف ليل السبت الخامس عشر من تموز على معظم القنوات ووسائل الإعلام العربية خصوصا لتغطية التطورات وتحليلها من جانب أحادي حيث حاولت تفسير تطورات الثورة التركية على أنها صراع على السلطة بين أردوغان ومنافسيه من العسكر دون أية إشارة إلى أهدافها الديمقراطية وإن لم تستطع تجاهل الحشود الكبرى التي ملأت الساحات الرئيسية فإن بعضها فسر ذلك بدوافع اقتصادية وليس ديمقراطية . 

التقارب بين الشعب التركي وشعوب المنطقة تاريخيا وجغرافيا والتقاطعات الدينية والاقتصادية والسياسية فيما بينها والتداخل في العلاقات الاجتماعية يجعل تأثيرها قويا وارتداديا بنسب تزداد بحكم الجوار ولا تتناقص إن ابتعدت جغرافيا وسياسيا , فالديمقراطية تبقى الحلم الذي يراود الشعوب لأنه يضمن الحرية والكرامة الإنسانية.

الثورة التركية أحبطت مخططات النظام السوري 

بعيد الإعلان عن الإقلاب في تركيا تعالت أصوات الرصاص في مختلف المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا خاصة العاصمة دمشق ابتهاجا بإعلان القناة الرسيمة التركية نبأ الانقلاب فيما رفع الموالون صور "رئيس النظام" وأفردت القنوات التلفزيونية التابعة الموالية مساحات واسعة من التعليقات وبثت الأخبار العاجلة عن التطورات في تركيا ناعية حكم أردوغان وشامتة فيه فالابتهاج بالعسكرتاريا هو بظنها مسمار أخير في نعش الثورة السورية وتأييد لمبدأ الغلبة والاكراه في حكم المجتمع لكنها تناست أن الصيرورة التاريخية وزحف الديمقراطية سيفرض نفسه ويزيح دور العسكر وسيكون مسمارا في نعش الانقلابات العسكرية.

تسليط الضوء من قبل إعلام النظام على شخص الرئيس أردوغان كان ضمن معادلته التي يضخها في "إعلامه " بأن القضية هي شخصية وإن الثورة السورية التي يسميها " العصابات الإرهابية المسلحة " تلقى الدعم لاستمراريتها من الرئيس أردوغان وإن سقوطه على يد العسكر سيعني نهاية الثورة ونجاح رئيس النظام بشار الأسد ذا العقلية العسكرية الانقلابية التي تلتقي من حيث المفهوم السياسي مع الذين قاموا بانقلابهم على الديمقراطية في تركيا وبفشل الانقلاب ضاعت أحلام النظام بما كان يرغب من الانقلابين أن يضيقوا على المعارضة السورية والصاق تهم الإرهاب بمجموع اللاجئين المتواجدين على الاراضي التركية.

 

.النظام الذي ولطالما اتهم تركيا بأنها وراء ما يحدث في سوريا وصور الرئيس "رجب طيب أردوغان " على أنه ديكتاتور وجه الأنظار في إعلامه وحواجزه والشوارع التي يسيطر عليها وغيرها على تركيا بشكل غبي ومفبرك وكاذب مضخما حدث الانقلاب وبانيا عليه آمالا كبرى وشامتا بالرئيس أردغان محملا إياه ليس مسؤولية اندلاع الثورة فحسب بل وأعداد الضحايا والشهداء الذين قتلهم النظام لكن فشل الانقلاب سرعان ما انعكس سلبا على مواليه بشكل لم يكن يتوقعه الأمر الذي من شأنه أن يخلق احباطا وصدمة شديدة .

النظام الذي سطا على الحكم بانقلاب عسكري أطاح مع من سبقه من انقلابين آخرين بالديمقراطية في البلاد وبالحياة السياسية والبرلمانية , يلقى تأييدا من مواليه بالترهيب والعنف خصوصا قطعان الشقبيحة التي يحكمها مفهوم السطو المسلح المتجذر في ثقافته بحيث أصبح هؤلاء لا يستطيعون العيش إلا في مجتمع تحكمه تراتبية كما قطعات الجيش فهؤلاء من غير المتوقع أن تحدث صدمة نجاح الديمقراطية في تركيا تأثيرات تذكر عليهم فهم يهللون للدبابات التي تقتحم المناطق السكنية وتقتل المواطنين السوريين وربما يندهشون لمشهد بضعة دبابات تركية  أوقفها المتظاهرون دون أن يحصل أي اشتباك بين الجانبين .

السوريون الذين لا يستطيعون التعبير عن رأيهم والمترددين في مواقفهم نتيجة اخضاع مناطقهم لحكم الشبيحة سيكتشفون كذب النظام وادعاءاته التي بلغت ذروتها ليلة أمس ضد شخص الرئيس أردوغان الذي لم يذكر اسمه إلا واستتبع بأوصاف هي في الحقيقة أوصاف لرئيس النظام فالرئيس أردوغان ليس ديكتاتورا أو إرهابيا أو مكروها من شعبه .

الشعب التركي خرج دفاعا عن النظام الديمقراطي الذي عزز دعائمه في البلاد الرئيس اردوغان ومن شأن نجاحه أن يفتح عيون وآذان الأوساط السورية في المناطق الموالية على معادلة الديمقراطية والعسكر بعد أن كانت سلمت بأن "إرهاب التشدد الإسلامي " هو الذي يضرب البلاد , حيث سيكون مشهد دفاع القوميين والعلمانيين والإسلاميين وغيرهم من الأحزاب التركية إضافة الى حزب العدالة والتنمية عن الديمقراطية درسا بالغا ليس للسوريين فحسب بل لشعوب المنطقة التي تخضع للأنظمة الديكتاتورية والانقلابية .

اذا كانت الثورة السورية اندلعت نتيجة عوامل داخلية ورفضا لحكم العسكر والديكتاتورية والاستبداد ويلصق بها النظام تهمة قيامها بفعل تأثيرات خارجية .فإن سقوط انقلاب العسكر في تركيا سيعطي الثورة السورية زخما جديدا يعزز الروح المعنوية ويؤكد عدالة القضية السورية التي لم تكن في يوم من الأيام "دينية "  كما يدعي النظام بل خرجت من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية . كما سيكون له تأثيرات وتداعيات على المدى القريب والمتوسط على شعوب دول المنطقة التي تخضع لأنظمة غير ديمقراطية .

يبقى مشهد مئات الخوذات العسكرية وعشرات الدبابات التي تم دعسها من قبل الشعب التركي حاضرا في العقل الجمعي لدى شعوب المنطقة والذي يمثل أعلى درجات انتصارا الديمقراطية والشرعية المنتخبة دون أن يحمل أحد من المتظاهرين صورا للزعيم أردوغان بل كانت اعلام الوطن هي البارزة ..وعلى هذا فإن الثورة التركية ستتابع نصرتها لشعوب المنطقة بزخم أكبر مما لقيناها نحن كسوريين من تعاطف الشعب التركي وتضامنه مع ثورتنا أكثر مما لقيناه من أبناء العروبة وتلك الدول الديمقراطية .

التعليقات (1)

    kk

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    لو كان غولن يتمتع بالزكاء والوطنية لانضم الى اردوغان نابذا أي خلاف واذا كان وراء السلطة فهو عاطل ولا يتمتع بالوطنية .. آن الأوان ليبدي ولائه الكامل لوطنه وان يكون مساعدا ويدا لوطنه والشعب واردوغان لتمحى الفتن والخلافات واي غير ذلك فليقيم هو نفسه
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات