المشاريع الصغيرة.. نواة لاقتصاد سوري محتمل

المشاريع الصغيرة.. نواة لاقتصاد سوري محتمل
دمرت الحرب السورية معظم مقومات الاقتصاد السوري المركزي وتشظى هذا الاقتصاد إلى خمس مناطق اقتصادية بدلاً عن الاقتصاد السابق ذي الإدارة المركزية وذي القطاعات التقليدية والروافد المعروفة لخزنته المركزية وهيكليته النمطية في تشارك الموارد وتوزيعها على المناطق السورية كافة حسب احتياجات تلك المناطق، وهذا الوضع الجديد الذي فرضته الحرب قسم سوريا إلى مناطق اقتصادية لكل منها ميزاتها وخصائصها ومواردها وهي (مناطق النظام – مناطق الجيش الحر – مناطق قوات الحماية الكردية – مناطق تنظيم الدولة الإسلامية – مناطق جبهة النصرة ).

فبعد امتداد الحرب توقفت المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة تدريجياً  في سوريا وخرجت عن الخدمة واقتصرت واردات قطاع النفط لتمويل معارك تنظيم الدولة الإسلامية وهدر ذلك المورد الهام، وتضرر قطاع الزراعة واستنزف 40% منه من خلال حرمان مساحات واسعة من الاستفادة منها وزراعتها اوحصادها وتوقف قطاع الصناعة بشكل شبه كلي لأسباب عديدة منها عدم توفر الطاقة للتشغيل وانقطاع الطرق لتأمين المواد الأولية ونقل المواد المصنعة الى الأسواق وانتقال اليد العاملة وحتى انعدام الأمن لتلك المنشآت وهذا يفسر عدم قيام الجيش الحر باستثمار المدينة الصناعية في الشيخ نجار بحلب وتشغيل معاملها ولم يستطع النظام بعد استعادة السيطرة عليها إقناع أصحاب المعامل والمنشات الكبيرة بالعودة وإعادة التشغيل لأسباب أمنية  وتقنية عديدة .

اقتصاد الحرب 

من هنا بدأ اقتصاد الحرب في سوريا منذ الأيام الأولى فبرزت المشاريع المتناهية في الصغر والصغيرة وتنوعت فمنها الزراعية ومنها التجارية ومنها الحيوانية ومنها الصناعية على نطاق ضيق جداً  على شكل ورش صغيرة  وكذلك المشاريع التجارية على شكل بسطات  وبيوعات محدودة جزء منها اعتمد على إدخال بضائع من تركيا وتهريب بضائع سورية الصنع إلى تركيا.

وأنقذت هذه المشاريع  ألاف العائلات المنتشرة في المناطق الاقتصادية الخمس المذكورة أعلاه والتي من ميزاتها أنها لم تخضع لقوانين أصحاب النفوذ العسكري وامتازت بحريتها واستقلاليتها عدا عن حالات استثنائية لا تكاد تذكر ساهمت في إنهاء تلك المشاريع وإعادة أصحابها إلى نقطة الصفر، والتي حققت مدخولاً معقولاً لتلك الاسر فحققت دخلاً يصل 500 دولار شهرياً للفرد يزيد اوينقص تبعاً لعوامل وظروف المشروع .

وللمشاريع الصغيرة تعاريف كثيرة ومتنوعة درجت العادة على تبني تعريف منظمة العمل الدولية والتي تعرف المشاريع الصغيرة بأنها المشاريع التي يعمل بها أقل من 10 عمّال والمشاريع المتوسطة التي يعمل بها ما بين 10 إلى 99 عاملا، وما يزيد عن 99 تعد مشاريع كبيرة .

ترجع أهمية مساهمة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوريا لأنها نتيجة لولادة أفكار ظروف استثنائية في ظل حرب وخوف وانعدام الأمان وصعوبة الانتقال بين  المدن والقرى وحتى المناطق ضمن المدينة الواحدة لذلك تعتبر تلك المشاريع ريادية ومتفوقة إن لم تعتمد على الاستغلال بكل أشكاله، ولأنها أعادت تشغيل اليد العاملة وتأمين موارد رزق للعوائل السورية بطرق غير اعتيادية جديدة ، ولأنها قد ساهمت بتوفير منتجات كانت قد توقفت مع توقف إنتاجها في المنشآت الكبيرة وقامت الورش الصغيرة بالقيام بدور ريادي بتأمين تلك الاحتياجات والسلع للسوريين المتواجدين في مناطقهم بل وأحيانا تصدر كميات بسيطة الى مناطق مجاورة بحيث لا تزيد كلف انتقالها للمستهلك ولا ترتفع أثمانها لتكون ضمن القدرة الشرائية للمواطن السوري أينما كان ، لذلك تجد ان علبة مرتديلا مثلاً ثمنها في مناطق النظام يختلف عن سعرها في مناطق داعش ويختلف عن سعرها في  مناطق جنوب سوريا مثلاً .

وتلك المشاريع تسهم في إرساء أنظمة اقتصادية تتسم بالديناميكية والمرونة تترابط فيها الشركات الصغيرة ببعضها مكملة احتياجاتها وتدعم تطور ونموروح المبادرة ومهاراتها . كما أنها أعادت إحياء مهن قديمة كانت قد اندثرت وأعادتها للواجهة من جديد واستفادت من حاجة الناس لها مثلاً ( البوابيري )  صناعات النحاس وصناعات الأدوات المنزلية البلاستيكية  واستفادت من مخلفات الحرب (مخلفات الصواريخ – ومخلفات المقذوفات ) .

ولا يفوتنا هنا أن ننوه إلى أن المشاريع الصغيرة امتدت لتشمل بشكل استثنائي الصناعات الحربية الصغيرة وباتت مهن رائجة في بعض المناطق وهي ذات مردود مالي مرتفع لكنها تحظى بنسب عالية جداً من الخطورة وانعدام الأمن الشخصي فيها لذلك فقدت أرواح في تلك المشاريع .

صعوبات المشاريع الصغيرة

واجهت المشاريع الصغيرة والمتناهية في الصغر السورية  صعوبات عديدة خاصة مع زيادة وتيرة القصف والضربات الجوية التي لم تميز بين أهداف عسكرية اومدنية فطال الدمار الحجر والبشر وكانت المشاريع الصغيرة أهدافاً لآلة القتل والتدمير ومنذ بداية القصف الروسي وانتهاء العصر الذهبي لتلك المشاريع  دُمرت كثيراً من تلك المشاريع وفقدت العديد من البنى التحتية اللازمة لعملها وانعدام الأمان الشرط الأكبر لاستمرارية تلك المشاريع ، وفقدان الأسواق اللازمة لتصريف منتجاتها وفقدان الزبائن أيضا  بسبب قلة الحركة واقتصار الشراء على الضروريات الأساسية الغذائية .

وعلى سبيل المثال لا الحصر وحسب طريقتي الاحصاء النمطية والتعداد التقريبي  يقدر عدد المشاريع المتناهية بالصغر المتضررة في مارع 285 مشروع  واعزاز  1200 مشروع  وتل رفعت 375 مشروع  اما في مدينة حلب المحررة فلم نستطع احصاء عدد المشاريع المتضررة فقد تضررت معظم تلك المشاريع مع زيادة وتيرة القصف عليها والتي اذا قدرناها بالطريقة الاحصائية النمطية فربما تصل 90000 مشروع  وتوقفت فيها المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي كانت متواجدة في المناطق الصناعية .

أما في حلب المحتلة فيقدر عدد المشاريع المتناهية بالصغر حسب تقديرات بعض الاقتصاديين المتواجدين هناك ولانعدام إحصائيات دقيقة فربما تصل لاكثر من 200 ألف مشروع متناهي بالصغر عدا عن المشاريع الصغيرة .

ومنذ سنوات الحرب الست لم تستطع منظمات المجتمع المدني التي تزايدت وتوالدت بكثرة من قبل الناشطين وتهافتهم على العمل الإغاثي متناسين أومتجاهلين تنمية المشروعات الصغيرة ودعمها وضرورة ايلائها أهمية بالغة وضرورة بناء مشاريع صغيرة تكون نواة لاقتصاد سوريا المستقبل كما حدث مع ألمانيا إبّان الحرب العالمية الثانية والتي اعتمدت على المشاريع الصغيرة في إرساء اقتصاد قوي متين متنامي الى اليوم حيث تعتبر ألمانيا في عداد اكبر ثمان دول صناعية في العالم ومن أقوى الاقتصادات العالمية ، وتقول قاعدة التنمية لدى البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة UNDP) ) : " لاتعطي الفقير سمكة بل أعطه سنارة وعلمه كيف يصطاد "  وغابت هذه القاعدة حينما وصل الإمر للسوريين الذين يمتلكون الحس الإبداعي فقط ينقصهم من يأخذ بيدهم إلى أول الطريق وهم قادرون على بلوغ نهايته .

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات